ما جَفَّ حِبْرُكَ في دَمِيْ، يا خَالي |
أَبَداً، ولا أَدَبٌ سَرَى بِخَيَالِي |
.. وفَتَحْتُ قَلْبَكَ، عَالماَ من أَنْجُمٍ، |
وسَمَحْتَ لي، فجلستُ حيثُ حلا لي |
هذي حُرُوْفُكَ، أم حُرُوْقُكَ، لم تَزَلْ |
بالحُبِّ يُشْعِلُ نَبْضُها أَوْصَالي |
هذي (طُرُوقُكَ)، بَدْؤُها والمُنْتهَى، |
طَيْرٌ بسِدْرَة قلبيَ الأَطْلالِ |
في كُلَّ نُوْنٍ لَفْتَةٌ حُوْرِيَّةٌ |
تُلقْي على كَتفِ الزَّمانِ سُؤالي: |
* * * * |
إنْ أَوْحَشَتْ منْكَ المسَاءَ عُيُونُنَا |
فعُيُونُ شِعْركَ لَذَّتي ووِصَالي |
كَمْ كُنْتَ غَضَّاً كالتَّحيَّة، مُشْرِقاً، |
جَزْلاً، جَميْلاً، أمَّةً بِحِيالي |
قد كان كأسُكَ من ذَكاءٍ كُلُّهُ |
أشهْى على كَبِدِيْ مِنَ السَّلْسَالِ |
فشَرِبْتُ صَوْتَكَ، صافِياً، تَرْوي بِهِ |
سَمْتَ الكُهُوْلِ وشِقْوَةَ الأَطْفَالِ |
(في البحرِ يسبحُ بي خيالٌ مُغرْقٌ) |
غَنَّى القصيدُ. فهام كُلُّ جَمَال! |
ولقد كَتَبْتَ بغَيْمَةٍ خَضْراءَ خا |
تمةَ البروقِ وجمرةَ الإشْعَالِ! |
نَهْراَ من الحِبْرِ المضِيء، فرادساً |
من فاكهاتِ الفكْرِ والأمثالِ! |
سُبحْان مَنْ وَهَبَ الَمواِهب للوَرَى |
وحَبَاكَ منها أَنْجُماً ولآلي! |
صَوْتٌ نَمِيْرٌ، ماؤُهُ مُتَهَلِّلٌ |
غَسَلَ الفُؤادَ بِقَطْرِهِ الَهمَّالِ |
فرَبَتْ عُرُوْقُ الأرضِ، والإنسان، لو |
أنّ الحجَارة تُسْتَثارُ لِغاَلي |
لهفا رسولُ العِشْقِ مِنْ حَدَق الذُّرَا |
يَنْعِيْكَ، يا لُغَةَ الضَّميْرِ العَالي! |
* * * * |
إنْ قِيْل: إنَّ الشِّعْرَ تُلْهِمُهُ الرُّؤَى، |
سأقُوْلُ: شِعْرُكَ رُؤيَةُ الأَجْيَالِ |
في كُلَّ بَيْتٍ ألْفُ عيْنٍ، كُلَّما |
أَنْشَدْتَهُ جاشَتْ شِعافُ جِبالي |
تَرْمِي قوافيَ كالنيازكِ تارةً |
وقوافياً كعواسِلٍ ونِصَالِ |
وتُنضِّدُ الإحساسَ كاذاًَ يانِعاً |
باقاتُهُ مِلأتْ عَلَيَّ سِلالِي |
ورأيتُ في أُفُقِ التَّلَقِّي أدُمعاً |
ملأتْ كتابَ الحُبِّ والإجْلالِ |
بجَمالها وجِلالها، بنسائها |
ورجَالها، وبأذْرُعٍ وتِلالِ |
فَيْفاءُ منكَ اليَوْمَ تَبْكي شادياً |
مَسَحَ الدُّموعَ بصَوْتِهِ السَّيَّالِ! |
* * * * |
سلمانُ، يا سَيْفاً تساقَطَتِ الظُّبَى |
وبَقِيْتَ وحْدَكَ صَارِمَ الأهْوَالِ! |
أنتَ الحِكايةُ، يا ابنَ آدمَ، قُلْ لَنا |
كيفَ أرتأيتَ حِكايةَ الآجَال؟ |
منذُ الطُّفُولةِ عِشْتُ (أَيّوباً)، إلى |
أنَ ماتَ صَبْرُ الصَّبْرِ في التَّرْحَالِ! |
ما ذُقْتُ لوناً واحداً منْ لَذَّةٍ |
إلاّ به قزَحٌ مِنَ الأَثْكَالِ! |
ضَمًّدْتُ بالجُرْحِ الجِرِاحَ، ودونهَا |
سَرَطَانُ بَحْرِ الَموتِ فِيَّ يُوالِي |
قَضمَ الشَّباب جَهَالَةً لم يَدْرِ ما |
فَعَلَتْ يداهُ بصَفْوَةِ الأشْبَالِ! |
ما راعَني الموتُ الزُّؤَامُ مُصافحاً |
إذ راعَ كُلَّ فرائصِ الأبطالِ! |
لكأنمَّا كان التَّحدِّي سَرْمَداً: |
تِرْيَاقُ ما يَفْنَى بحَيَّةِ آلِ! |
أَتْعَبْتُ سَيْفَ الوقتِ فِيَّ وهكذا انْ |
تَحَرَ الزَّمانُ، وعِشْتُ كالإشْكالِ: |
أيموتُ هذا المَوْتُ إذْ نلقاهُ في |
كَبِدِ الحَيَاةِ بعَزْمَةٍ ونِزَالِ؟ |
ولربما أردتَكَ مِنْهُ نَبْأَةٌ |
صُغْرَى بِغَيْرِ شَكيْمَةٍ وقتالِ! |
عِشْ حيثُ أنتَ، رجولةً فوقَ الثَّرَى، |
ورجولةً تحتَ الثَّرى المُنْهَالِ! |
أبَداً تُفَتِّتُ صَخرْةَ الأقْدار، في |
كَفِّ اليّقيْنِ، بقُدْرَةِ الفَعَّالِ! |
فالله فيكن إذا تشاءُ، بكَفَّهِ |
كُلُّ المُحالِ هناكَ غَيْرُ مُحَالِ! |
* * * * |
يا مَنْ رَحَلْتَ ضُحَىً، كأنَّكَ ها هنا |
ما زِلْتَ تقرأُ صَفْحَةً في بالي! |
أقويتَ مِغْنَى القَلْبِ، كم من سائلٍ |
شَفَتَاهُ لا تَقْوَى على التَّسْآلِ! |
للهِ أنتَّ متى أَراكَ؟ فقد ذَوَتْ |
في البُعْدِ بعْدَكَ نَخْلَتِي وغَزالي! |
طالَ الغِيَابُ، ألا تُطِلُّ كغَيْمَةٍ |
وطْفَاءَ، تَسْأَلُ في الثَّرَى عن حالي؟! |
ما زِلْتَ مُذْ غادرتَ تَمْثُلُ باسِماً |
مِنْ عِنْ يميني تارةً وشِمالي! |
* * * * |
الموتُ ياربِّي تَصَيَّدَ شاهقاً |
والأمْرُ فيه لعَدْلِكَ المُتَعَالي! |
ولقد عِلمْتَ بأنَّ عَبْدكَ واحداً |
أَوْدَى بلا مَالٍ بلا آمالِ! |
فاجعلْ ظلالَك خَيمةً دُرِّيَّةً |
تغشاهُ منكَ بنورِها الهَطَّالِ! |
وارْسُم بلطفِكَ لوحةً نوريةً |
يوماً طويلاً ليس فيه ليالي! |
يوماً به (سيزيفُ) ناءَ بثِقْلِهِ |
وننوءُ من فرحٍ بغيرِ كَلالِ! |
* * * * |
كُلُّ لها، والفَرْقُ: فارسُ مهرةٍ |
متحدِّرٍ كتحدُّرِ الشَّلالِِ! |
وكَسِيرُ مضمارٍ، يُجرجرُ خطْوَهُ |
في العاجزينَ بموتِهِ المُتَوَالِي! |