الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 3rd May,2004 العدد : 57

الأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

رحيل المبدعين
ولمسة الوفاء

تقوم الأمم بثقافاتها، وتبني الحضارات بسواعد مبدعيها, وتعنون أمجادها بلمسات مواهبها, وعلى الرغم من المعاناة التي يعانيها أولئك المبدعون، وعظم ما يتكبدون من عناء وجهد للنمو والرقي بأفكارهم وثقافاتهم وإبراز إبداعاتهم لحيز الوجود،إلا أن هذه المعاناة والجهد والعناء يصبح لذة وسعادة إذا قوبل بالقبول والشكران، وحفظ الحقوق وإبراز الجهود، ولكن وللأسف تزداد هذه المعاناة إذا قوبلت الإبداعات وأصحابها بالجحود والنكران، أو بالإهمال، وعدم إبراز إبداعاتهم بالشكل الذي يستحقونه سواء في حياتهم أو بعد رحيلهم، فالمبدع بحاجة إلى لمسة وفاء بعد وفاته تحفظ حقوقه وتذكر أعماله، كما هو بحاجة لها في حياته, فهو ابن مجتمعه وأعماله لمجتمعه، ومن أبسط حقوقه على هذا المجتمع أن يبقى ذكره ولو بالشيء اليسير.
وهذا يقودنا إلى النظر في وضع المبدعين والمثقفين في ساحة الثقافة المحلية, ولمسة الوفاء التي تقدم لهم، فالمثقف يعاني من شبه تجاهل في حياته وفترة إبداعه وعطائه إلا في بعض الحالات القليلة، وبعد رحيله نبدأ في ذكر محاسنه رحمه الله في عرض صفحة أو صفحتين من الصحف المحلية، ولا يستمر ذلك أكثر من الأسبوعين, وذلك يكون له من بعض معاصريه، وزملائه في مجال إبداعه فقط.
وعند البحث في أغوار الذاكرة، وما تبقى من أدلة معارض عن المبدعين في أحد المجالات الثقافة المحلية، وهو الفن التشكيلي، نرى كم هو القصور مع أولئك المبدعين الذين رحلوا وبقيت إبداعاتهم في الذاكرة (وأقول في الذاكرة فقط) وبعض الإشارات لأسمائهم في بطون الكتب، وفي بعض المقالات التي تتحدث عن مسيرة التشكيل المحلي.
ولعلي أذكر هنا أنموذجاً لأحد المبدعين في التشكيل السعودي, والأمثلة كثيرة من أولئك المبدعين الراحلين, ولكن أذكر هنا أحد رواد الفن التشكيلي السعودي وهو الفنان محمد السليم رحمه الله ذلك المبدع الذي قدم الكثير للتشكيل ولزملائه الفنانين، وكم كان عشقه كبيرا لفنه وللتشكيل عموماً، وتمثل ذلك العشق في بذله كل ما كان بوسعه لخدمة التشكيل وخدمة زملائه، ومن هم بعده، حتى ارتقى بفنه ومن هم حوله وجاوز الأفق, فظهرت الآفاقية في أعماله وشكلت بصمة مميزة لتجربته, وبعد هذا التاريخ العريض والجهود الرائعة هل وفي هذا العلم ولو الجزء اليسير من حقه ؟. . .
الإجابة بالطبع لا ولكن لماذا ؟؟؟ وماهي أبسط أوجه الوفاء لتلك الشريحة الغالية من مبدعي الثقافة المحلية؟؟؟. . .
أسئلة تقودنا لأسئلة، ولكن بين كثرة علامات الاستفهام تبقى لمسة الوفاء هي العلامة البارزة التي تحتاج إلى خطوات إجرائية لتفعيلها بشكل واضح, وبشيء من رد الجميل لمن أفنوا أعمارهم في خدمة الثقافة المحلية، والتشكيل على وجه الخصوص.
* فمن أبسط أشكال الوفاء لهم، تخصيص معرض سنوي لأعمال التشكيليين الراحلين تتبناه وتشرف عليه إحدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة المعنية بالثقافة, ويتنقل معرض الوفاء هذا سنوياً بين مناطق ومحافظات المملكة، بهدف التعريف بفن أولئك المبدعين الراحلين واتجاهاتهم وأساليبهم, فينشأ جيل تشكيلي واع بالأجيال السابقة له ومدرك لملامح هويته التشكيلية المحلية أو يكون هنالك معرض ثابت يكون بشكل متحف دائم يضم أكبر عدد ممكن من أعمال الراحلين، ويكون بشكل مستقل تابع لوزارة الثقافة والإعلام, أو يكون ملحقاً بإحدى المكتبات العامة كمكتبة الملك عبدالعزيز أو مكتبة الملك فهد أو غيرها من المكتبات.
* ومن لمسات الوفاء أيضاً تخصيص موضوع شهري في الصفحات الثقافية والتشكيلية في الصحف المحلية تناقش فيه تجربة أحد المبدعين الراحلين, من قبل النقاد والتشكيليين ومن معاصريه أيضاً إن وجد, ويسلط الضوء على السيرة الذاتية وأهم الإنجازات والسمات الفنية والتقنية في أعماله، وتستمر المواضيع بشكل شهري، حيث تناقش في كل شهر تجربة فنان راحل، وهكذا نثري الساحة التشكيلية بسيرة فنانينا الراحلين، وتكون سيرتهم حاضرة في الساحة على الدوام.
* ومن أوجه الوفاء أن تتبنى المؤسسات الثقافية المحلية سواء الحكومية أو الخاصة استصدار كتاب يلم فيه شتات أعمال أولئك المبدعين, أو بشكل سلسة كتيبات مبدعين راحلين, يغطي كل كتيب سيرة الفنان ونماذج من أعماله وبعض القراءات النقدية السابقة أو المعاصرة لأعماله، وتكون هذه الكتب أو الكتيبات متاحة للجميع في المكتبات المحلية، وبشكل تسويقي معقول.
* وفي شكل آخر من أشكال الوفاء للراحلين، وهو أن تخصص عنهم عددا من مواضيع الأطروحات والدراسات الأكاديمية في رسائل الماجستير أو الدكتوراه بالجامعات وكليات التربية الفنية بها،وتدرس أعمالهم بشكل أكاديمي وتوثق لتكون مرجعية تاريخية نقدية لأعمال تشكيليين كانوا جزءا من التشكيل المحلي وعندما تدرس أعمال أحدهم وتوثق بدراسات نقدية أكاديمية، ويحصل هناك ربط بين الباحثين الأكاديميين، ومواضيع حيوية تمثل تاريخ وإرث التشكيل السعودي.
وفي الختام أتمنى أن أكون قد أعطيت الموضوع جزءا مما يستحقه، وأن أكون عرضت رؤى وأفكارا لتقديم لمسة وفاء بسيطة للتشكيليين الراحلين، وأن تفعل بقدر المستطاع.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved