الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th July,2006 العدد : 160

الأثنين 7 ,جمادى الثانية 1427

فيروز في أغاني البعد والهجران
محمد عادل بدر الأحمد
أغاني فيروز بمعظمها تشعرنا بالفرح، وتدخل السعادة إلى قلوبنا، والحبور إلى روحنا؛ مما يجعلنا نغرق في بحار من البهجة، وهذا ما يجعلنا من دون قصد لا ننتبه أو نغفل ونحن في حالة اللاشعور عن الحزن الهادئ الذي يسري في نسغ وردة الأغنية الفيروزية فيزيدها جمالاً، أو نسهو عن الكآبة التي توشي سجادة الغناء الفيروزية بلمسات غير بارزة، ولكنها هي التي أعطت للزينة رونقها.
من هذه الزاوية التي نادراً ما يلتفت إليها أحد، مع عنايتنا في الآن ذاته بالتحليل النفسي لبطلة الأغنية، وإصرارنا على تناول بطلة تلك الأغاني ناتج عن تكرار سماتها في معظم أغانيها التي تدور في المجال الذي اخترناه.
* * *
تكثر أغاني الفراق لدى (فيروز)، ومنها أغنية (بعدو الحبايب)؛ حيث تخاطب الفتاة ذاك الجبل البعيد لتقول له إن خلفه يسكن حبيبها بعدما رحل عن منزله الذي كان قريباً منها، دون أن نعرف السبب من وراء هذا الرحيل المحزن. أيضاً في أغنية (دوارة ع الدوارة) ثمة فتاة تتحدث بلوعة عن الحبيب الذي رحل بعيداً، ولكن المختلف في هذه الأغنية أن البطلة تسأل نفسها عن سبب البكاء الذي لم يعد يجدي نفعاً بعدما صارت الجبال تفرق بين الحبيبين. بينما أغنية (يا مرسال المراسيل) لا تتحدث عن الهجران، فالحبيب يبدو أنه كان يقيم في مكان بعيد، ولكنه ليس بعيداً ليكون ثمة جبل يسكن خلفه، بل هو في قرية مجاورة، ومع ذلك فهو غير قريب؛ لأنه لا يأتي لزيارة الفتاة التي تقضي أيامها في تطريز منديل أصفر -كما أوراق شجر الخريف- لترسله إلى حبيبها مع عابر سبيل، لعله يأتيها من الحبيب بتذكار ما. المرسال يحضر في أغنية (دخلك يا طير الوروار)، وهو هنا طائر يستطيع أن يحلق فوق الجبل البعيد كي يصل إلى الحبيب البعيد. والفتاة هنا لا ترسل منديلاً أصفر؛ فهي تعرف أن الطائر لا يستطيع حمل الهدايا، لهذا تكتفي بأن تحمِّله سلامها، وأن يستقصي أخبار الحبيب.
ورق الخريف الأصفر له حضوره الكبير في الأغاني الفيروزية، ومنها أغنية (آخر أيام الصيفية)؛ حيث نجد الفتاة تبوح (وحدي منسية بساحة رمادية)، ثم تتذكر الحبيب البعيد (أنا لوفيي بزورك بعينيي)، ولكن الأحباء لا يتزاورون في هذه الأغاني، لتبقى الحبيبة تعيش على ذكريات حب عبر حياتها كخريف لا يخلف وراءه غير الورق الأصفر.
والرمز الخريفي للحب المنقضي يتكرر في أغنية (بيقولوا الحب)؛ حيث نجد الفتاة تقول: (بأول شتي حبوا بعضن)، وهنا يكاد يتقوض الرأي الذي بنينا عليه هذه الدراسة، فيبدو للوهلة الأولى أن الخريف هو فصل الحب، ولكن سرعان ما يتضح لنا الأمر بجلاء حين نكمل سماع الأغنية: (وخلصت القصة بتاني شتي.. وتحت الشتي.. تركوا بعضن)، إذاً فصل الخريف هو فصل الفراق حتماً، ولم تبدأ قصة الحب فيه إلا لأنه قد كتب على هذا الحب أن ينتهي سريعاً كجميع قصص الحب في المجموعة التي تشملها دراستنا.
وقصص الحب هذه تمر سريعاً كفصل خريفي سرعان ما ينساه الجميع، ولكنه يظلُّ راسخاً في قلب الحبيبة لا غيرها، وهذا ما يتضح جلياً في أغنية (بكتب اسمك يا حبيبي)؛ حيث تتحدث الفتاة عن وفائها لحبيبها الذي يقابلها باللامبالاة، فعندما أهداها وردة حفظتها بكتابها، وعرضتها على صديقاتها، في حين أن الحبيب قد أضاع المزهرية التي أهدتها له. وبالطبع فالوردة ستيبس كما تيبس كل الأزهار في فصل الخريف، لهذا ستظل الوردة رمزاً للحب الضائع، كما المزهرية التي لن يعثر عليها الحبيب، وبذلك لن توضع الزهور في المزهرية، ولن يلتقي الحبيبان أبداً.
وهكذا يظل الحب عابر سبيل تودعه الفتاة في أغنية (الله معاك يا هوانا)؛ حيث ترثي هواها الذي رحل دون عودة، وهي لن تنتظر حباً جديداً، بل ستكتفي بأن ترجو ألا ينسى أهل الحب قصتها، وأن يذكروها دوماً.
* * *
دراستنا هذه كانت عبارة عن جولة قصيرة في رياض الأغنية الفيروزية، وهي بلا شك مفيدة؛ لأنها أشارت إلى جوانب خفية في الغناء الفيروزي، ولكنها بالتأكيد لن تغنينا عن سماع هذه الأغنيات بصوت فيروز الذي تعجز الكلمات عن وصف جماله.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved