Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
أوراق
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 

الراوي الضمني وشخصنة الخطاب
عبدالله السمطي

 

 

لا يتوقف النظر إلى الرواية على اعتبار شروطها الكلاسيكية: الحدث، الشخوص، الزمان، المكان، العقدة، فهذه الشروط هي المهاد الأولي الذي تنبثق فيه وعنه الرواية، هي المادة الأولية التي يمكن القول إن الرواية تصنع عبرها.

وفي ظل هذا الوعي فإن الرواية حاضنة لجملة من الفواعل النصية، بالتعبير البارتي، أو لمحصلة من النسيج الحكائي - بالتعبير الباختيني- أو هي الأفق الذي تسبح فيه سياقات اجتماعية - حسب رؤية بيير زيما -. ولذلك فإن الرواية هي حضّانة أساليب، ومفجرة دلالات بالأحرى.

إن الكاتب الروائي سيضحى لحظتئذ بمثابة البوتقة التي تصهر هذه الشروط الكلاسيكية، والتي ستجعل منه مصورا، ومؤرخا، ومهندسا، وخبير مونتاج، فهو لن يلتقط أي شيء عابر ويحوله إلى رواية، ولن يقوم بصياغة بعض الحكايات العابرة في قصص ساذجة بسيطة، إنه في التحليل الأخير سيكون روائيا رائيا، وهو بهذا المعنى سيفارق سطوح الأشياء ليصل إلى أعماقها، سيعبر لنا نحن القراء عما لم نألفه من أحداث ووقائع عشناها وخبرناها، ليقدمها هو بشكل كأن لم تقع ولم تحدث. الروائي هنا سيعيد نسج، سيصوغ، سيبني من جديد، سيرى أكثر.

إنه هاهنا أكثر دقة، وأكثر دراية، وخبرة.. سيعيد تجديد اللحظة، والمكان، والشخوص، والحدث، سيغادر هذه الشروط الكلاسيكية إلى مستوى آخر من شروطه هو، ومن تجريبيته هو، ومن بحثه الدائب عن اليقين.

-2-

في الخطاب الروائي تتكشف السبل الكتابية حيال الكاتب، بأية صيغة سوف يبدأ، وبأية آلية جمالية سوف يتحرك. إن البدايات الأولى هي من الصعوبة بمكان أمام الروائي الفذ؛ لأنه يريد أن يخرج عن السياق، عن التكرار، يريد أن يسجل لحظاته الجديدة، يريد أن يصل للقارئ ويعيد اكتشافه.

البداية الصعبة لا تعني هنا صعوبة الكتابة، لكن تعني البحث عن حيوية الأثر، فالروائي الفذ هنا هو من يدخل إلى خلقه الروائي بشكل عفوي، وبشكل يؤذن بالقول إنه لم يتعمد صياغة هذه المشاهد الأولية لكي يجذب حواس القارئ.

سوف يظل قلق السؤال كامنا في ذهنية الروائي حتى يرى أن بدايات عمله قد تشكل، وأن مستهل خطابه الروائي طفق في التجلي، ربما بدأ بالكتابة عن شخصية ما ثانوية أو رئيسية، أو بدأ بمشهد أو حدث، أو مونولوج تتداعى فيه الأحداث من الماضي أو المستقبل، وتنهمر بشكل متتال، لكن على أية حال فإن هذه البداية التي تكون عفوية، أو على الأقل يشعر القارئ بتلقائيتها هي التي يشتغل عليها الروائي كثيرا في مستهل تفكيره في عمله الروائي.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة