Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
أوراق
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 
ميمونة تراوري و مارلو كونراد
تركية العمري *

 

 

مدخل

إن السبب الوحيد لانتشار الرواية هو أن الرواية تحاول أن تقدم الحياة Henry Jamesالرواية هي ذاك الفن الأدبي الذي تنقل عبر مسافات الأزمنة وعبر جغرافية الإبداع الإنساني لتشغل الأدباء والمفكرين الذين حاولوا أن يجدوا لكتابتها قواعد، لكن ظلت الرواية تحلق.. وترسم كل زمن آفاقاً خاصة بها وصنف النقاد في العصر الحديث الرواية وقسموها إلى رواية تاريخية، ورواية اجتماعية، ورواية فلسفية، ورواية نفسية.

فها هو أحدهم يصنف أن رواية العصفورية للدكتور غازي القصيبي بأنها رواية نفسية لنتوقف كثيراً أمام الرواية وليبدأ نجم الرواية يسطع في الأدب السعودي الحديث ليأتي تراوري أحد كتّاب القصة السعودية الحديثة المبدعين ويطلق ميمونة كطائر هزار يغرد في سماء الرواية المحلية لتجسد رواية ميمونة بشخوصها وبإحداثها رواية تتنفس التاريخ وجغرافية المشاعر وتمر بالتراث لتسكن الأماكن التي مازالت حواسها تحتفظ بملامح القادمين لمجاورة الديار المقدسة.

ميمونة رواية تقترب ملامح من رواية قلب الظلام Heart of darkness للكاتب البولندي الأصل والإنجليزي النشأة جوزيف كونراد Joseph Conrad وتقتسم الأسى مع رواية apassage to India للكاتب الإنجليزي E. Forster ولكنها تمثل أبعاداً ثقافية عدة.

رواية ميمونة تنساب بين سطورها دفء قلب ميمونة وشوقها وعشيرتها إلى رؤية ومجاورة الديار المقدسة لتكون رحلة شاقة، رحلة غربة، وشتات في أزمنة مريرة.. أزمنة استعباد الإنسان للإنسان.

يوثق الكاتب محمود تراوري في روايته ميمونة الشخوص والأحداث والأماكن، فالرواية مزيج من التوثيق التاريخي والسرد التخيلي الذي اتسعت فيه مساحة الأحداث وتفاصيل ملامح البشر وتقلصت لغة تراوري الشاعرية المتفردة التي وجدناها كشذا شفاف يحرك صمت نهارات السرد.

ميمونة أو منا قرمبع كما قالت عن ذاتها (منا قرمبع هكذا عرفت وبهذا الاسم تلونت حياتي التي اختزنت مسافات من الزمن والبشر والارتحالات ونداءات ارتخى لها الطريق) فالرواية هي ميمونة ليكون الاستهلاك تعريفياً حيث لا يريد الكاتب أن يجهد المتلقي في البدء وإن كان أتعبه في تفاصيل السرد اللاحقة.

لم تكن رواية ميمونة رواية البطل الواحد ميمونة لكن شخصيات أخرى لها حضور تكثيفي كأم ميمونة وعيسى وعمر المسك ولكن تبقى ميمونة هي بؤرة إشعاع الرواية وعتمتها وهي التي يلاحقها المتلقي وتقف لاهثة بين مفترق دروب السرد وبين الملامح.

إن السرد التخيلي في رواية ميمونة يلمس السماء ويلمس الأديم وهو ليس سرداً تخيلياً محضاً بل يقتسم الواقع ركض الكاتب بصدق في انحناءات رحلة ميمونة وعشيرتها واستحث فينا التعاطف وأثار فينا الشجن وفتح أعيننا على عذابات قد تنتقل طويلاً عبر ملامح قادمة ليشكل هذا السرد بورتريه لميمونة بحركاتها وصخبها وآلامها وصمتها وتفاصيلها الصغيرة تشبثها بالأمل وبالحياة مواجهة الموت مراراً ومواجهة الحياة في الوقت ذاته.

في رواية قلب الظلام جعلنا كونراد نتعاطف مع أهل بلاد العاج الذين تعرضوا للظلم والقهر من الآخرين الذين قدموا إليهم من خلال مشاهدات الراوي مارلو، ولكن مع تراوري تعاطفنا مع طفولة وأمومة يبحثان عن هويتهما ويدافعان عن حريتهما وسط قسوة الآخرين لإدراكهما بأن الحرية والهوية هما الإنسان ذاته.

لتنتقل فصول الرواية بين مشاهد تراكمية للأحداث والأبطال والمشاعر لتفضي هذه المواقف بانسيابية إلى النهاية لتكون النهاية بوابة تفضي إلى الضوء.

لتبقى همسة بأن تراوري اختار أن تكون البطلة راوية ليحيط الإحساس ببنية الرواية وبتفاصيلها وليمنحها ألق الإنسانية.

من قلب السرد

من رواية ميمونة

(أنا عمر المسك اصطادوني في لحظة ضعف مريرة وسلبوني حريتي وحين استرددتها لوقت قصير عادوا فسلبوها مني فامتلأت أوقاتي بهدف واحد محدد)

* (عمي كان متأففاً يلح على أبي أن الجوع مستفحل فيسكته أبي بأن الجوع تهونه مجاراة البيت).

* (يعلمه تعب سافر وزمن بالسواد أنه ما لم يعش في مجتمع إنساني لا يمكن أن تنمو معه الإنسانية).

فاصلة ارتحال

يقول الناقد والصحفي الأمريكي Henry Louis:

إن المؤرخ هو روائي فاشل ليثبت الكاتب محمود تراوري أن الروائي مؤرخ ناجح، ولتكون لميمونة استحقاقية الاحتفاء وللكاتب محمود تراوري تهنئة إبداع وأمنيات حضور روائي قادم.

* شاعرة - قاصة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة