Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
فضاءات
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 
قصاصات من ذاكرة حصة«6»
(الوظيفة)
أميرة القحطاني

 

 

في اليوم التالي وهو اليوم الأول لعملي الرسمي وصلت إلى إدارتي قبل المدير والموظفين لم يكن هناك سوى الفراش بابوه الذي اخذ يتبعني ويهز رأسه ثم وبدون مقدمات قفز ليتقدمني في محاولة منه لفتح الأبواب أمامي. سألته إن كان لدية كبتشينو فرد عليّ قبل أن أنهي كلمتي الأخيرة: كل شي فيه مدام كبتشينو حليب كرك شاي عصير ماي براتا صالونه كيما..

- براتا وكيما؟!! هنا في الإدارة؟!!

- لا مدام أنا يجيب من دكان مال صديق مال أنا في برا شوف داخل دريشة مال أنتي كلش فيه نفرات سوي أكل ريوق.

التفت إلى النافذة فرأيت مطعما تم بناؤه من الألواح الخشبية وبقربة مسجد كرفان صغير سألته: هل يأخذ الموظفون إفطارهم من هذا المطعم؟ فهز رأسه بالإيجاب: أيوه مدام. - أشعرني بابوه بالغثيان ليتني لم اسأله -.

ربما لم تأت فرصة لأخبركم بأنه أصبح لي مكتب خاص لا يشاركني فيه أحد فأنا الآن رئيسة قسم ومن الخطأ أن أجلس كاللاجئة في مكتب سكرتيرة. بعد تدفق الموظفين ووصول مديري وقبل أن أفتتح يومي العملي الأول تلقت سهام رسالة من الموارد البشرية تتضمن اسمي وموعدا لعقد جلسة تأديبية (لي) !!. لم أنزعج في بادئ الأمر لأنني لا أعرف ماذا تعني لجنة تأديب بالضبط وما هي التبعات لهذه اللجنة لذلك تعاملت مع الموضوع باستهتار: شو يعني عادي.. ثم من عمل لي لجنة التأديب هذه؟

كانت سهام مرتبكة ومتفاجئة من ردة فعلي: يعني ممكن يكون فيها فصل أو...

- فصل؟؟! فصل مين يا ماما وحياتك لأمسح فيهم البلاط!!

صدقوني يا إخوان لا أدري من أين أتيت بهذا الأسلوب (البلطجي) وهذه الفتوة أشعر بأنني إنسانة أخرى إنسانة شرسة وسوقية. حيرني هذا التحول في شخصيتي وكنت أتساءل بيني وبين نفسي (هل بدأت هذه المشكلة من مكتب المدير العام؟ أم بدأت مع تردد إشاعة الشيخ؟ أم من معاملة مديري الاستثنائية أم من تدليل أحمد؟) حقيقة لا أعلم وكل الذي أعلمه الآن هو أنني لا أعرف نفسي هنا ولا أعرف ماذا ستكون عليه ردة فعلي حين أتعرض لموقف ما قد لا يروق لي وعلى العموم هذا الأمر عادة يكون صحياً لأنه وفي مجال العمل: (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب)!!.

هل تذكرون الموظفة التي اصطدم كتفي بكتفها عند المصعد؟ ظننتها قد نسيت الموضوع أو أنها فضلت عدم الدخول معي في مشكلة حين انسحبت صامتة من أمامي - قلة خبرة مني - فهنا لا يرد على الإساءة بالإساءة بل بالرسائل الموقعة من قبل المديرين لأن مفعولها أقوى ويدوم طويلا خصوصا عندما ترفق في ملفك الوظيفي.

رفع مديري السماعة وطلب مدير تلك الموظفة بعد أن استدعاني واستفسر عن الموضوع. شرحت له بأنني لم أكن اقصد إهانتها كما أخبرته بأنها هي التي اصطدمت بي وبالعمد وقد آلمتني!!

- أستاذ محمود كان الأجدر بك قبل أن ترفع شكوى على موظفة تعمل لديّ أن تخبرني بالأمر ولو بالهاتف.

- نعم نعم لكن الموضوع فيه إساءة لموظفة عندي و....

- وإدخال موظفة لديّ لجنة تأديب أليس فيه إساءة لي ولإدارتي؟

- لكن هي من......

- لا تنس بأنني أنا من جعلك مديرا يا محمود

- معلوم معلوم لكن...

- اسحب الشكوى فورا ولا تنس أن ترسل رسالة اعتذار لي ولموظفتي

- إن شاء الله حاضر

أخذت نفسا عميقا وقبل أن أنهض قال لي:

- اجلسي لديّ كلمتان. اعتقدت بأنه يود تأنيبي فقلت له في رد استباقي: صدقني هذه الموظفة ظلمتني و...

ابتسم بطريقة فيها الكثير من الخبث وقال: ومن قال انك تكذبين؟

- لا لكن يبدو أنك لم.....

- أنت مدركة طبعا لمعني (رئيسة قسم) هذا المسمى له أهميته وأنا لا أريد منك أكثر من أن تحافظي عليه، تصرفاتك مع الموظفين داخل الإدارة شي ومع الموظفين في الإدارات الأخرى شي آخر. داخليا نستطيع لملمة الموضوع دون شوشرة لكن خارجيا صعب. اليوم حدثت لك مشكلة مع شخص أنا لي ميانة عليه لكن غدا ربما تحدث لك مشكلة مع شخص أنا لديّ مشكلة معه وبالتالي لن أتمكن من مساعدتك.

- أنت تستطيع أن تفعل أي شي يابو محمد

ضحك بشيء من الغرور: مش لهذي الدرجة

- لا تخش عليّ أنا أستطيع تخليص نفسي من المشكلات وبنفس الطريقة اللي توظفت بها.

- بعيدا عن موضوع الواسطات لا أريدك أن تدخلي في إشكاليات مع أحد.

- إن شاء الله - قلتها وأنا أعلم علم اليقين بأنني سوف أدخل في كثير من المشكلات فالكل هنا يكرهني وأنا لا أحب أحدا منهم على الأقل في هذه المرحلة.

في أول اجتماع جمعني مع مديري ورؤساء الشعب والأقسام اكتشفت أنني المرأة الوحيدة بين خمسين مديرا ورئيسا لقسم والجميل في الأمر أنني كنت محط أنظارهم واهتمامهم باستثناء طارق طاهري ويوسف زاده وعدنان محمدي وهؤلاء هم المديرون الفاسدون الذين دخلت معهم في صدام دام عدة سنوات. لاحظ مديري اهتمام الزملاء بي فهذا يأتيني بورقة وذاك بقلم وآخر يسألني إن كان الكرسي مريحا أم لا وأكثرهم اهتماما بي كان - راشد - رئيس أحد الأقسام، ملامحه ليست غريبة عليّ لكنني لا أعرفه. وقد أزعجت تصرفات هؤلاء الزملاء مديري مما جعله يخرج عن صمته: يا ريت كل واحد منكم يهتم بشغله والأوراق اللي قدامه.

أحس الجميع بغضبة ومن هنا بدأت بعض الشائعات المغرضة في الانتشار والتي سرعان ما أفسدتها استقامتي واستقامة مديري فبالرغم من محاولة البعض تشويه سمعتي وسمعته إلا أنهم فشلوا. فمديري إلى جانب أنه رجل نزيه ولو أنني أشك في نزاهة الرجال في هذه الأمور إلا أنه كان يخشى على كرسيه من أن تلوثه امرأة لذلك لم تتمكن ولو موظفة واحدة من استمالته على مدى العشرين عاما التي عمل بها. أما الذي خدمني أنا وحافظ على سمعتي خلال العشر سنوات التي عملت بها فهي نظرتي العامة للموظفين والتي أشرت إليها في إحدى الحلقات السابقة.

كان المجتمعون يتكلمون في أمور لا أفهمها وكنت جاهدة أحاول التركيز وحفظ بعض المصطلحات الغريبة وأكثر ما أتعبني في هذا الأمر هو الجلوس في غرفة الاجتماعات لمدة خمس ساعات متتالية خرجت بعدها أعاني تصلبا في عمودي الفقري وتنميلاً في بعض المناطق الأخرى.

خرجنا كلنا دفعة واحدة وأثناء سيري في الممر وبينما الجميع يسير معي سمعت بعض الكلمات التي صدمتني وكانت صادرة من مدير العلاقات في إدارتنا - يوسف - والذي كان يسير خلفي: وهذي بعد من وين جايبينها؟!. توقفت دون تردد واستدرت نحوه وبنبرة حادة جدا أجبته: جايبيني من زبالة أمك!. ثم تابعت سيري ألقيت بأوراقي على طاولت سهام دخلت مكتب المدير وقد كان يعج بالمديرين ورؤساء الأقسام الذين خرجوا معي وكانت لديهم بعض الأمور الجانبية مع المدير. وقفت في وسطهم ووجهت كلامي إلى مديري: قل لموظفيك أن يحترموا بنات الناس وإذا كنت لا تستطيع إخبارهم ذلك أنا لديّ من يخبرهم ويقص ألسنتهم أيضاً. خرجت وسط دهشة الجميع وبطريقة عصبية توجهت إلى مكتبي حملت حقيبتي اتصلت بالسائق ونزلت إلى الدور الأرضي حيث مكتب أحمد. كان هناك موظف في مكتبه وعندما شاهدني في تلك الحالة العصبية طلب من الموظف العودة إليه في وقت آخر: خير يا حصة ماذا حدث؟!

- واحد كلب يسأل من أين أتوا بي؟ يظن أنني مثله قدمت إلى هذه البلد تهريب في (مركب)!

- حصة اهدي قليلا واشرحي لي الذي حدث بالضبط

كان هاتفي النقال يرن دون توقف وكان مديري هو المتصل تجاهلته تماما كنت غاضبة منه ولا أعلم لماذا.

المكوث في مكتب أحمد ولمدة عشر دقائق كان كفيلا بامتصاص غضبي: الآن أنت قدمتِ إليهم هكذا وبدون مقدمات - خبط لزق - رئيسة قسم.. لا أعلم هل تريدين منهم أن يرقصوا لك مثلا؟ مؤكد سيعملون على استفزازك وتطفيشك.. يا عبيطة كوني أذكي منهم أفرسيهم بهدوئك والعبي بأعصابهم!!

لم أتردد في قبول نصيحة أحمد لأنها كانت نصيحة فتاكة كدعايات المبيد الحشري - تقتل وبدون ضجة -!.

amerahj@yahoo.com - دبي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة