Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
فضاءات
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 

علي دمر.. شظايا عمر مبعثرة
2-2
عبدالله بن أحمد الشباط

 

 

وقد صدق حدس محمد، فقد توفي يوم 13 جمادى الثانية عام 1405هـ الموافق 4 مارس عام 1985م في الطرف، ودفن في نفس المقبرة التي كان يمر بها يومياً، وقد رثاه شاعر الأحساء الكبير (بحتري الأحساء) يوسف بن عبداللطيف أبو سعد بقصيدة عصماء عنوانها (دمعة على قبر علي دمر) كتب لها مقدمة جاء فيها:

كانت لي معه -رحمه الله- جلسات أدبية ممتعة تنبض بالمشاعر الطيبة، وتحمل في تألفاتها معاني الحب والوفاء والصفاء، أسمعني كثيراً من شعره وأسمعته كثيراً من شعري، فوجئت بعد عودتي من سفري بنبأ وفاته فترك ذلك النبأ أبلغ الأسى في قلبي، وهذه الأبيات سكبتها دمعة حزن عليه، وهي أقل ما يقدم وفاء لهذا الشاعر الكبير، والزميل الحبيب رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

وجاء مطلع القصيدة في سياق يشبه الأنين:

وجم الحمام فقلت يا شعر أسجع نبأ الحمام أتى فزعزع أضلعي

نبأ الحمام سطا بقلبي نصله فترقرقت عبر المحاجر أدمعي

الله! كم عانيت من كبد الأسى! فكأنه حز الشغاف بمبضعِ

جثم الظلام بساحتي فكأنما وجه الدنى الغراء لف ببرقعِ

وكانت تكملة تلك القصيدة ما يلي:

سافرت في فلك الدنى متنقلاً عمراً مضى ريعانه في بلقعِ

حلقت في الشعر الفصيح منافحاً عن أمه بليت بنقعه أسفعِ

بحداثة قد جردت سيماؤها وهزيل لفظ بالغموض ملفعِ

وشهرت بالشعر الفصيح خناجراً في وجه كل مجادل متنطع

ونثرت من درر البيان جواهراً لاحت كما النبراس للمتطلعِ

ونظمت من زهر الفصاحة روضة فاحت كأنفاس الربيع الأروعِ

كافحت لم تك في الحياة مقصراً كلا ولست عن الهدى بمقنعِ

هذه قصائدك الجزال شهيدة تنبى بطبعك -يا علي- الطيعِ

فجزاك واهبك القريض مثوبة في جنة الفردوس فامرح وارتعِ

عاف الكرى جفناك من كمد الدنى نم ها هنا وأنعم بأهنا مضجعِ

ذكراك لا زالت تعطر جمعنا فكأن روحك بيننا في المجمعِ

رحلة شاقة قاسى منها علي دمر أغلب سنوات عمره، لكنها رحلة منتجة لم تذهب هباءً منثوراً، فقد كانت حصيلتها تلك الجموع من الشباب في كل مدينة وقرية داخل المملكة العربية السعودية، تلقوا العلم على يديه، يضاف إلى ذلك ثماني مجموعات شعرية شاملة كل الأغراض القومية، والعاطفية، وألواناً من الحياة الاجتماعية، إلى العلاقات الخاصة، إلى جانب ديوانه الضخم.

قال عنه د. بكري شيخ أمين:

(لكن علي -يرحمه الله- لم يلبس الأقنعة، ولم يصبغ نفسه بأصبغة تخفي معالمه الأساسية، وكان صادقاً إلى درجة تستدعي الإعجاب والاهتمام، ومثل هذا الصدق نفتقده عند أكثر كتابنا وشعرائنا).

أما صديقه الأستاذ ياسر فتوى الذي زاره في منزله بقرية الطرف وناشد معه الأشعار والأحاديث الندية المنداة بنسائم نخيل الأحساء، فقد كتب بعد أن ودعه في نهاية تلك الزيارة:

(ثم ودعته ما كنت أعرف تفسيراً لذلك الحس المؤلم الذي انتابني في موقف الوداع، فقد كان صاحبي على موعد مع القدر، فقد وافته المنية بعد ستة أيام من وداعي له -يرحمه الله- تاركاً لنا لوعة في القلب، وذكراً رطباً على اللسان، وأدباً وافراً تقرأ فيه سيرته، فتعرف منها مثالاً للإنسان المكافح الذي يبذل دمه وعرقه في سبيل تأمين الحياة الكريمة لأبنائه وذويه).

رحم الله علي دمر فقد عايش هاجس الموت على مدى نصف قرن حتى تحقق ذلك الهاجس المؤلم بانتقاله إلى الدار الآخرة، دفن في المقبرة التي اختارها -رحمه الله- علي دمر، لقد عاش رحالاً متنقلاً بين الأمكنة، ومات لا أقول غريباً بل مات بين أناس أحبهم وأحبوه وأصبحوا له أهلاً وخلاناً.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7699» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الخبر


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة