Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
نصوص
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 
صلاح دبشة يصف (سيد الأجنحة):
في الديوان: تقطيع شعري يوائم بين الحكاية وراويها
عبدالحفيظ الشمري

 

 

(سيد الأجنحة) سيرة إنسانية مكانية زمانية حدثية شعرية.. هي باختصار رؤية شاملة لصالح دبشة حول الحياة، والعالم من حوله.. فالشعر، والنثر في بوتقة واحدة تسمى هواجس الشاعر الذي ينفتن بالسرد؛ فالإبداع أحياناً قد لا يقبل التأطير والقولبة ولا سيما حينما يكون محلقاً في فضاء الحياة على نحو طائر المجموعة أو ما رمى إليه بسيد الأجنحة، بوصفها سيرة قابلة للتناول والشرح والتفصيل.

التقطيع الشعري في الديوان جاء على هيئة لوحات تحمل عناوين مُفصَّلة ومختصرة بكلمة واحدة، فلكل لوحة من هذه اللوحات راوٍ يتعهد بالبوح الشفيف عن كل مضامينها وإنثيالاتها الوجدانية.

يسرد الراوي في قصيدة (الهواء) حواف الذاكرة التي تجهد في رصد جماليات الحياة من أغصان مخضلة ببهجة خضرتها، وطيور تعبر الفضاء بحفيف يعلو حيناً ويخفت أحياناً أخرى.. فلا يلبث الشاعر (دبشة) إلا أن يوعز للرواة أن يكونوا أكثر أمانة في نقل هذه الصور، ورسم تلك المشاهد الوجدانية التي تثير الوجدان، وتحاصر الروح بتراكمات مواقف شديدة التوهج والحضور ولا سيما الحزين منها، والخارج عن نسق الحياة المثابرة على البقاء.

إلا أنه في هذه الإلماحات لا يقصر مشاهداته على العصافير والطيور إنما لكل ما لها أجنحة حتى وإن لم تكن حميمية الحضور في حياتنا:

منذ الأزل.. وأسراب الجراد

تطير، البراغيث، والذباب

لكنها وضيعة.. لم تفكر

في السماء).

(الديوان ص 15).

فالأجنحة هنا ليست لبهجة ما أو لحضور صورة جمالية في التحليق إنما هو التقاط للمفارقة على نحو ما ورد في هذا المقطع الذي ورد قبلاً.

(سيد الأجنحة) إضمامة من التأملات المكثفة ذات الحدث المحدود، لأن الشاعر يحصر فعاليات النص بما له علاقة وثيقة بهذا المخلوق الذي قد يغبط على التحليق، في وقت قد يكون تحليقه على نحو متطامن لا يحقق فرضية السمو والعلو، ليصبح القارئ أمام لوحة جدلية متكاملة حتى وإن تقشف الشاعر في شرح تفاصيلها.

في كل عنوان من عناوين اللوحات الشعرية في الديوان إشارة إلى لون من ألوان الطيران، أو طريقة ما من طرق التحليق على نحو: (ريش، هفهفة، رفيف، هبوط، مسار، أجنحة، طير، فزاعة). فجميع هذه الكلمات عناوين للوحات الديوان، إذ لا تبارح مكمنها الذي يؤصل لفكرة حياة الطائر وفق أي جدل وجودي يمكن لنا أن نسقطه على ما حولها من كائنات تتداخل في أدوارها الجميلة والقبيحة مع ما يمكن أن يصنعه البشر، الذين يلونون حياتهم أحياناً بطيور تظل أسيرة خلف قضبان لاسعة، في وقت يفيض الفضاء بوافر من طيور مهاجرة لا تجد بداً من مواصلة الرحيل هرباً من تقلبات الطقس والبشر.

لا تخلو أي لوحة شعرية من ذكر هذه الطيور ولا سيما العصافير حيث يُعنَى الشاعر صلاح دبشة في تتبع منعرجات هذا الخطاب لسيد الأجنحة بوصفه حالة مؤثرة تتداخل فيها هموم الإنسان بالطائر الذي يمثل سيرة البحث عن الذات، من طلب للرزق، وترتيب المسكن والسفر، والرحيل، والهجرة إن دعت الضرورة على نحو عبور الطيور المهاجرة فضاء الأرض والبحر باحثة عن ملاذ آمن يقيها بمثار تقلبات الجو بين (حر) لا يرفق بحالها، أو (قر) مميت إذ لا تجد الطيور بداً من الرحيل نحو عوالم أكثر اعتدالاً.. تماماً كسيرة الإنسان أو شبيهة لها في النزعة والهوى.

يبرع الشاعر صلاح دبشة في تصوير الخاتمة الشجية لرحلة الإنسان والطائر، حينما يكونا مخلوقين قابلين للتواري، والانزواء، بل نراهما أشد حزناً من كل ما حولهما من كائنات، ليسهم التقاطع مع غمار الحياة في رسم هذه اللوحات التي يتوجها على هذا النحو:

(من هذه الربوة

أنظر إليهم من بعيد

باسطاً ذراعي

سيد الأجنحة

هف.. هف.. هف)

***

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

إشارة:

* سيد الأجنحة (ديوان)

* صلاح دبشة

* الطبعة الأولى (2007م) الكويت

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة