الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 3rd November,2003 العدد : 35

الأثنين 8 ,رمضان 1424

مطالعات
عبدالرحمن المطوع يصف أحوال «القفص» الأمريكي:
عبدالحفيظ الشمري

رواية «القفص» والتي صدرت هذا العام للكاتب والصحفي عبدالرحمن محمد المطوع والتي دون فيها قضية حية وصاخبة حيث استهل الكاتب شهادته السردية بهذه الاضاءة الهامة.. «127 سعوديا في غوانتنامو.. وغيرهم المئات يستحقون ان نتذكرهم بكلمات وحبر وألم».
ففي هذه الاشارة الاولى تذكير بواجب وطني إنساني ان نقف مع من ظُلم في هذه الحالة الجنونيةالتي جعلت من «القفص» حلا ومن القيد خلاصا ومن النفي والابعاد وسيلة قد يرى هؤلاء السجانون أنها مجدية.
نحن أمام رواية تعيد ترتيب الحكاية من جديد.. حكاية رحلة الانسان التي لا نتورع ان نقول عنها (رحلة بين طهارة الجهاد وقذارة السياسة).. فهذه المقولة هي ما يمكن لنا أن نتسلح به أمام هذه الشهادة السردية على واقع إنساني لا تزال تتكشف بعض تفاصيله، وتحل بعض ملابساته وتفكك بقايا طلاسمه.
الوصف الدقيق.. السيرة الذاتية
تذهب هذه الرواية الى تقريرية واضحة تعتمد في أساسها على الحكاية التي تتوارد بشكل واضح وبروايات مختلفة ليصبح هذا النقل القولي سمة مميزة ورسالة يزمع الكاتب ايصالها الى القارئ الذي ينجذب عادة إلى مثل هذه القصص حتى أننا رأينا كيف يبدع الراوي في تقمص شخصية «خالد» الذي استطاع ان يطوف بنا ومن خلال أرجاء بلاد سعودية عديدة كانت قرية «الزان» في الجنوب مكانا ومستودعا للعديد من الاسرار البكر لفتى تداخلت في عقله العديد من الصور حتى استقر به الحال متنقلا بين «جدة» وبعض الولايات الامريكية التي تلقى فيها علوم الطيران..
ظل الوصف هو سيد الموقف في الرواية.. بل أن فكرة «القفص» وهو عنوانها قد جعل من الحالة الانسانية سياجا منطقيا يحكم ظاهرة القصة التي ذهبت الى شرح خصوصية حالة «خالد» الذي انبرى يصور التجربة من بدايتها كاملة غير منقوصة، ليبرع فعلا في رسم هذه العوالم التي تنقسم من وجهة نظرنا الى قسمين، قسمها الاول الذي ينحصر في تجربة «خالد» الاولى حتى موت زوجته «سارة» حتى ان هذا الجزء من الرواية أخذ طابعا استرجاعيا متميزاً يعيد رسم حلم البطل من جديد كلما استطاع تحقيق تلك الطموحات من سيارة وسكن وزوجة وعمل كان هو حلمه منذ أن كان في قرية «الزان».
أما القسم الثاني منها فإنه يأخذ هيئة التقرير عن حالة تعرض لها البطل.. بل اننا نرى في هذا السياق ان الكاتب قد حشد العديد من الاحداث المعبرة.. تلك التي تتسق وتتواءم مع بعض المقولات لتتطابق في هذا الجزء رؤية القائل مع فعله، فلك ان تستقصي حالة القول وهي تقترن بالفعل الذي يسنده دائما.. بل أن يجعله أكثر واقعية وأقرب للتصديق، فهي في النهاية حكاية انسان عصري متوقعة الحدوث.
الشعرية.. دخول الصوت الآخر
جاء دخول المقطوعات الشعرية في الرواية رغبة من الكاتب نقل واقع الحكاية من كينونتها السردية الى واقع أكثر رحبة ربما لا نرى إلا الشعر الذي قد يكون وفيا لبعض هذه الاحداث، وناقلا قويا لبعض الصور المعبرة.
الشاعر خالد محمد العديلي كانت له اطلالات شعرية لتتويج الحالة الانسانية التي تتلبس البطل ومن حوله من شخوص وما بحوزته من أحداث وأخبار، لنراه وقد قدم لنا المقطع تلو الآخر وكأنها توقيعات شهود عدول على هذه القصة التي تعاضدت في نسجها العديد من الجهود وتضافرت في مسيرتها نحو القارئ عدة اعتبارات أهمها أن الكاتب قريب جدا من أبطال هذه القصة إن لم يكن منهم وكذلك الشاعر خالد العديلي الذي يتقاطع مع السرد بتوقيعات شعرية على نحو ما قال بسارة قبل موتها (الرواية ص67) وكذلك (دلال) و(أم خالد) وكذلك نصوص ومقاطع شعرية أخرى حتى انه يختمها بشهادة عصرية هامة:
«أنا الأسير بلا ذنب ولا جرم
كبش فداء ليوم كان مشووما
أنا الأسير بأقفاص مسورة
حتى من الحلم قد أصبحت محروما»
(الرواية ص247)
عرض الأحداث دون تدخل
يحاول الكاتب عبدالرحمن المطوع من خلال روايته «القفص» ان يقدم رؤية محايدة لسرده لهذه الاحداث لنراه وقد أخذ في رواية ما مر على ذاكرته بل وما اختزنه فيها على مدى عقدين، فكانت الرواية الشفهية لخالد حينما كان على متن «الطائرة» أمام «المضيفة» الحسناء.. تلك التي تحولت من كائن لا يأبه بما هو خارج نطاق هذه المقصورة، لكنها وفي لحظة مصادفة نادرة رقت لهذا الشاب واحتوت ألمه وأنصتت وبطريقة مدربة الى كل ما قاله خالد في وسنته الخاطفة في مقعده القريب من الممر في طائرة تسبح في فضاء سحيق.
في حديث «خالد» والذي أنصتت له المضيفة «الكساندرا» ما يجعل الامر وكأنه جزء من الماضي، إذ نراه وقد برع في تحييد ذاته رغم انه طرف قوي في هذه الاحداث فلم نره قد تدخل في جملة الحدث إنما ظل على الحياد يصوغ تفاصيل الايام الفارطة بشكل ايقاعي: من القرية خرجت، صوب المدينة رحلت، وإلى عواصم أخرى بحثت عن ذاتي حتى أعياني البحث عن هذا الوعد لأدخل القفص ظلما وأخرج منه لأعود إلى رحم الحياة الأولى من جديد..
وأمام هذه الحسناء تجدر بخالد كل وسائل البوح طالما انه عرف حاجة من حوله الى مزيد من التفاصيل التي تتوزع على فصول الرواية في وقت نرى ان الفصل الاول قد احتوى على صورة انسانية واجتماعية لا ترتبط مع النهاية حتى وان حاول المطوع ان يقدمها وكأنها سياق تاريخي معقول.
الأسلوب الصحفي الذي اتبعه الكاتب جعلنا أمام تقريرية واضحة لحكاية هامة في حياتنا حتى اننا نرى ان الحوار الذي دار بين «خالد» و«الكساندرا» قد تخلله تعريف في المقاصد من خلال افصاح المضيفة بأنها في السابق صحفية بل ان هناك من أخبرها بوجود ضيف من ضيوف «غوانتنامو» غير الاعزاء على متن الطائرة إلا ان هذا الانسجام الذي تولد بين الشخصيتين لم يأخذ حيزه المعقول انما جاء بمحض مصادفة الا ان المصادفة في العمل الادبي أحيانا ما تضعفه وتجعله عاجزاً عن مواجهة العقد والمثبطات التي قد تؤزم الاحداث لتجعلها قلقة قوية، ومتوترة كي تحقق اسبابها المنطقية لأن أهم أمر في السرد الادبي ان يخرج عن نطاق المألوف والعادي قولا أو فعلا لأن القارئ يريد ان يقرأ رواية أخرى للاحداث غير ما سمعها عندما كانت أقوالا وحكايات تتداخل فيها الصور بشكل قد يكون غير مقبول أو ان هناك مبالغة في وصف وخروج عن المألوف في عنصر آخر من عناصر الحكاية.
من هنا ندرك ان رواية «القفص» للكاتب عبدالرحمن المطوع انها شهادة تاريخية وعرض مفصل لاحداث اعتمد فيها الكاتب على حسه الصحفي ليصوغ لنا هذه المشاهد المثيرة والتي تستحق القراءة.
إشارة:
* القفص رواية
* عبدالرحمن محمد المطوع
* جدة «ط1» 2003م
* النصوص الشعرية للشاعر خالد العديلي
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved