الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th April,2005 العدد : 100

الأثنين 25 ,صفر 1426

هذرلوجيا العدد مئة!!
د. صالح زيّاد

حين تلقيت مكالمة عبدالحفيظ للكتابة بمناسبة العدد مئة من المجلة الثقافية، قلت لصاحبي: أستاذنك، سأكتب عن العدد مئة. قال: ماذا تكتب؟ ولم تكتب؟ قلت له: إن بلوغ هذا الإصدار عدده المئة يعني أنه قطع مسافة حافلة بمعنى ما، ينبغي التوقف عنده، ليراه القائمون عليه في المرآة، والتوقف للنظر في المرآة خطوة ذات قيمة لتفحص ذاتك فتغتبط بنعمة الوسامة والأناقة، وتصلح الهنات. قال: وهل يبقى المرء مئة يوم لا ينظر في المرآة؟!. أنت أخطأت التمثيل، فما أراه هو شبيه بحفلة ميلاد، وحفلة الميلاد لصاحب المولد تعني إشعاره بذاته وقيمته لدى أصحابه ومحبيه، ولكنها قد لا تعني لدى هؤلاء المحبين سوى بعض الفرفشة والحلوى.
ورددت عليه قائلا: لقد أبعدت النجعة، فالرجل أكد لي أنهم في حاجة إلى النقد والتسديد أكثر من حاجتهم إلى مدائح المولد، وعليك أن تطمئن فليس لديهم حلوى ولا حمص، والمؤسف أن هذه دائما عادتنا في تثبيط المشاعر الجميلة، فماذا يضيرك إذا كانت حفلة مولد؟! أليس للمولد فائدة الوعي بالزمن واستشعار أثر الحركة والحدوث والتغير.. أتريد دائما من يؤكد لك دائرية الزمن؟ ما أشد حبك للسكون والجمود يا صاح!!.
وبهدوئه المضجر الذي يشعرك بصرامته الواثقة، قال: أريد أن أسألك ما دمت تطرقت للزمن، هل يختلف العدد مئة عن العدد خمسين أو عشرين؟! ما الذي تغير؟ الأسماء، والأبواب، والمنهج، والصور.. أليست هي هي؟؟. وإذن، هل تريد أن تقول لي إن الاحتفال بالعدد مئة يخبئ قفزة باتجاه تطوير محسوب بدقة؟!. هل سنرى سيوفا جديدة وبشوتا جديدة؟!.
قلت: هذا كلام من يقرأ فقط دون أن يعرف أسرار وصعوبات المطبخ الذي ينتج لك الصفحات التي تقرؤها. وهل هذا الثبات الذي تزعمه نال من قيمة أعرق الصحف والمجلات في العالم؟ أليس للصحف الممتازة دائما طبع ثابت في الإخراج والمنهج، ولها كتابها وأبوابها التي لم تتغير من سنين طويلة؟! ولماذا تهتم بهذه الشكليات ألا تقرأ؟ قل لنا عن رأيك فيما تقرأ، صف لنا انطباعاتك!!.
قال: المشكلة إن تسمية هذا الملحق الثقافي (مجلة) قد أوقع قارئه في أفق انتظار مربك ومشوش، لأن انتظار إصدار ما بكيفية المجلة يعني حساب نوعية من التلقي تختلف عن حسابات التلقي لملحق فرعي لجريدة يومية. هنا، لم تعد الجريدة جريدة وفي الوقت نفسه لم تعد مجلة!!. إنها عمل صحفي مبيت في ثنايا عمل صحفي يومي تتوافر له الآنية والمتابعة، وتحتشد له طاقة تحريرية، ومنظومة من الأقلام المحترفة، وفي مساحة من تنوع الاهتمامات والاختصاصات. قارئ الجريدة يا سيدي ليس قارئ المجلة، وهو ليس بالضرورة غير المثقف، أو غير المهتم بالشأن الأدبي والفني. سأقول لك باختصار إن هذا الملحق قد فقد خفة الصحيفة وحرارتها، ولم يبلغ عمق المجلة وخصوصية تعاطيها مع الحدث الثقافي.
قلت له: يا سيدي، أعتقد أن الواجب يقتضي أن تشكر أصحاب فكرة هذا الإصدار، وأن تثمن غاليا وعيهم بأهمية الفكر المتأني، والنقد الفاحص، والمتابعة الخلاقة في شؤون المسألة الثقافية بتنوع جوانبها، خصوصا أننا نعيش عصرا صارخا وسريعا ومثقلا باللهاث اليومي المادي، وأننا في حاجة إلى ما يهذب إنسانيتنا، ويضيء المناطق المعتمة من وعينا بذاتنا وبغيرنا، ويرقي إدراكنا للجانب اللامعقول من ولعنا ببعض الأشياء والأفكار. ألست تنويريا كما أعرفك عن كثب؟!. من أين ينبع النور في الوعي الإنساني؟ أليست الثقافة حجر الأساس وخامة العمل لكل تنوير؟.
قال، ولم يعدل من جلسته بعد: زادنا الله بكم نورا على نور، لكنك مجحف في حق غيرك، أما زلت تعتقد أن للأدب كل هذه الأهمية التنويرية؟. ألا تعتقد أن اهتمامنا بالشعر والمسرح والتشكيل والسرد.. هو اهتمام التسلية والمتعة، وليس اهتمام الفكر والرؤية والمغزى؟. ثم قل لي، بالله عليك، لماذا تطفح المجلة بالحديث عن الأشخاص أكثر من الحديث عن الأعمال؟. ولماذا الإحياء للرسائل والأشعار الإخوانية؟ هل تعده مجلتكم فتحا أدبيا حديثا؟ سيأتي الدور، بعد، على الألغاز والمقامات وملاحم بني هلال.. هذه هواجسكم، إنها هواجس الإحياء والبعث!!.
قلت له: هذه مبالغة غير منصفة، أنت تعمم ولا تخصص، وتنسيك هنة أو أخرى أربعا وعشرين صفحة من المقالات والتحليلات والتحقيقات والتعقيبات والأخبار. أما الأدب فنحن الأمة الشاعرة، وتنكرنا للأدب هو تنكر لهويتنا الثقافية، وما تقوله عن هواجس البعث والإحياء ينبغي أن تعيد فيه النظر، فما أجمل أن نفتح الثقافية يوما فنجد الجاحظ أو المتنبي بشحمه ولحمه يبتسم ابتسامة الزهو والاغتباط، ويلعق شفتيه بلسانه المعجزة، ونصفق له وهو يترنم بغير الهجاء وحسب قوانين النشر وشروط الرقابة.
ضحك صاحبي هذه المرة، وكان متكئا فجلس، وقال: أتصدق؟! حين اعتدت قراءة المجلة الثقافية، بدأت أشعر بمثل هذه الخيالات. أتخيل منطقة خلاء خارج المدينة، يقف محمد الدبيسي على الحافة يحمل بيد سوطا وبأخرى طاقة ورد، يجلد ذاك ويعطي الوردة هذا!!. وصاحبك سلطان القحطاني، جانبا، يمسك بلجام الحصان يذهب به ويجيء، ونحن ننتظر وقد أعيانا الانتظار أن يمتطي ظهر الحصان ويشق ساحة الميدان دون أن يفعل. أما زميلك عبدالله الفيفي فينفخ منذ مدة بالونا وقد آن له أن ينفجر منذ أمد، لكنه ما زال ينفخ ويداه على جانبي البالون تديرانه باتجاه الأعلى وأنا أضع يدي على أذني، وبدأت أحدث نفسي أنه لن ينفجر!!. وهناك عدد من النساء، إحداهن بتبرطم لا أدري ماذا تقول، وأخرى تعكف وكأنها تنقش بالحناء، صفحات عديدة ناصعة البياض أمامها، لا أدري من قال لي: تلك أمل زاهد. أما محمد جبر الحربي فيمعن في النظر إلى نقطة محددة في الأفق الرمادي البعيد، لكأنه يرمق سحابة أو طيرا محلقا لكنني لا أراه. وعلى تلة مرتفعة قليلا وعلى مسافات غير متقاربة قيل لي: ذاك علوي الصافي وبجانبه كومة المناديل والتنهدات، وذاك سعد البواردي والجبل الذي تبدو قمته من ورائه هو صومعة الفكر، وفي الوسط عبدالله الماجد وهو يكتب ويبيع الكتب. أما الناس الملتمون هناك فمع عبدالله السمطي إذ يطلق لهم ببراعة المفرقعات والنجوم ويشعل الحرائق، وهناك من يشتري وهناك من يتفرج. وأنت..!! أنت تكتب هادئا وتشرب اللبن!!.
ثم قام صاحبي، وجعل يتمطى، ويقول: سأجد في العدد مئة قليلا من النقد وكثيرا من المدائح، ولهذا قامت النية في حفلة مولد، وستجتمعون على الدعاء للمولود بطول العمر، فأبلغهم دعائي وأمنياتي الطيبة.
الصفحة الرئيسة
المئوي
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved