Culture Magazine Monday  04/06/2007 G Issue 201
الملف
الأثنين 18 ,جمادى الاولى 1428   العدد  201
 

ومَنْ كأبي بسام؟!
محمد بن أحمد الرشيد

 

 

لن أتمكن من الإحاطة بكل مزايا الصديق النبيل الدكتور راشد بن عبد العزيز المبارك في هذه العجالة؛ فقد حباه الله الكثير من المواهب والقدرات، وقد قدر لي أن أكون أحد المقربين منه فعرفت صفاته الحميدة، وتأثرت بالكثير منها، وسوف أومئ إلى بعضها في هذه السطور.

في عام 1394هـ التقيت بأخي الدكتور راشد في جامعة الملك سعود (جامعة الرياض آنذاك) وكان عضو هيئة التدريس في كلية العلوم، لذا رشحته كليته لأن يكون ضمن الفريق التحضيري لمؤتمر رسالة الجامعة الذي تقدمت بفكرته إلى المسؤولين فوافق المقام السامي على ذلك (كان الملك فيصل رحمه الله في سدة الحكم) فعملنا سوياً مع ذلك الفريق بجد وحزم. لقد كان ذلك المؤتمر باكورة المؤتمرات التي عقدتها جامعتنا، بل أول مؤتمر تقيمه جامعات المملكة، ومن أوائل المؤتمرات على مستوى المملكة، وكانت نتائجه باهرة، أتمنى لو يعود لوقائعه الموثقة القائمون على التعليم العالي في الوقت الحاضر ليجدوا مدى صلاحية نتائجه للتطبيق.

لقد وجدت في الأخ والصديق والزميل الدكتور راشد المبارك بغيتي ومناي في الرجل الواسع الثقافة، المتعدد جوانب الاطلاع، صاحب النخوة، والنجدة، والكرم، الذي يشغله الشأن العام عن أموره الخاصة.

ويشاء الله أن يختارنا معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله حين إنشاء وزارة التعليم العالي وتوليه لحقيبتها لنكون ضمن هيئته الاستشارية، وعضوين في لجنة معادلة الشهادات الجامعية، وتتعزز علاقتنا بفضل اللقاءات المستمرة، ثم نترافق في مهمات بحث ودراسة لأوضاع التعليم الجامعي في عدد من دول العالم، وكانت تلك الأسفار بحق اكتشافاً جديداً غير مقصور على التعليم، وقلة في ذلك الوقت الذين قدر لهم أن يزوروا بلداناً مثل التي زرناها، ولا أنسى دهشتنا بما وجدناه في نيوزيلندا، وأستراليا إلى جانب بلدان في أوروبا قليل من الناس في بلادنا ارتادوها.

وتقوى علاقتنا مع الأيام ونشترك في عضوية لجان وهيئات كثيرة ويشرفنا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز فيختارنا لنكون أعضاء في هيئته الاستشارية.

ولقد تجلت روح أبي بسام التي تتألم لما يحل بالأمة على حقيقتها حين بادر للإسهام في (وقف نزيف الدم المسلم) خلال الحرب العراقية الإيرانية الشرسة عن طريق مسعى أهلي غير حكومي يقوم به عقلاء مخلصون من كافة الاتجاهات والمشارب، تجمعهم الحكمة، والغيرة على المسلمين.

ومن أجل ذلك الهدف النبيل سافرنا سوياً وقابلنا عشرات من العلماء والدبلوماسيين والسياسيين في أمريكا، وأوروبا، والباكستان، وماليزيا وغيرها، وقد أشار الدكتور راشد في مقابلة تلفزيونية له إلى ذلك المسعى. وربما وجد أن ذلك المسعى من الأهمية بحيث يخرج عنه كتاب يتضمن رؤى تلك الشخصيات، ومواقفهم، وما جرى من نقاش، وما تم من دراسات وأبحاث، فيكون توثيقاً تاريخياً يستفيد منه المطلع عليه.

إنني على يقين من أن المشاركين في هذا الملف الثقافي لجريدة (الجزيرة) الغراء سوف يتطرقون إلى ثقافة الدكتور المبارك، وفكره، وعلمه، غير أني هنا أقرر أنه واحد من أذكى من عرفتهم، صاحب منطق وحجة، محب لأهله وأصدقائه، وجيه عند كل من عرفه، تتجلى فيه أخلاق الفروسية التي باتت نادرة في هذا الزمان.

وإلى جانب ثقافته الإسلامية فإنه عربي المشاعر والأحاسيس يعتز بذلك ويباهي به، ومما أتذكره على سبيل المثال محاضرته في الموسم الثقافي لمكتب التربية العربي لدول الخليج حين كنت مديره العام. لقد اختار موضوعاً جديداً غير ذلك الذي اقترحته عليه والذي يقع ضمن اختصاصه العلمي. كنت أريده أن يتحدث عن (النظرية النسبية الخاصة وصلتها بميكانيكا الكم) فاختار الحديث عن (شمائل النفس العربية) معللاً ذلك بأن من سيستفيد ويتابع حديثه في ذلك الموضوع المقترح قليل، وقال للحاضرين لو أني أخذت باقتراح صديقي محمد الرشيد، وتحدثت في الموضوع الذي اختاره لي لانطبقت عليَّ الفكاهة المصرية عن ذلك المغني صاحب الصوت الأجش الذي يغني بدرهم ويسكت بدينار.

وحين أذكر محاضرته تلك فإني أستدل بذلك على عدة أمور يأتي في مقدمتها نبله، وشغفه بالصفات الحميدة، وسعيه للتمثل بها في ممارسته الحياتية. ثم قدرته على الاستنباط والاستشهاد، وتعليله بأنها شمائل عربية ولم يقل إسلامية مخافة أن يستبعد نماذج من العصر الجاهلي. وتبياناً لما تدل النماذج التي ذكرها عن اتفاق مع الحديث الشريف (إنما بعثت متمماً لمكارم الأخلاق).. وقد اختار محاضرنا في تلك الأمسية الجميلة نماذج من الشعر العربي الذي عرفه وألفه، وكان بجانب إعجابه بنضارة السبك وعنفوان التعبير منفعلاً بقدر أكبر بما يحويه ذلك الشعر من نبل المشاعر وفروسية الأخلاق، ولضيق وقت المحاضرة اقتصر على إيراد نماذج ثلاثة من تلك الشمائل هي: السخاء، والإباء، والوفاء.

ولو رحت أقتبس بعض ما قال لخرجت بهذا المقال عن قصده، إلا أن الجدير بالذكر والإعجاب أن الدكتور راشد كان يرتجل ولا يقرأ إلا من ذاكرة مسعفة سواء عندها المقطّعات القصار أو القصائد الطوال.

ولا أرغب في أن أستأثر بجزء أكبر من القدر الذي لي في هذه الوثيقة غير أني أؤكد أن أبا بسام قد وهبه الله من الصفات الحميدة الكثير.

قال لي مرة وقد جئت أعزيه في فقد قريب وصديق حميم وأدعو له بالصبر والسلوان: يا أخ محمد لا تدع لي بالسلوان فإن سلوان الصديق عقوق - ادع لي بالصبر - إن السلوان صعب على أهل الوفاء.

هذه لمحات عن تلك الشخصية المتميزة، ليس فيها من المبالغة شيء، وأنا لا أدعي له الكمال، ولكني أقول مع الشاعر:

كفى المرء نبلاً أن تعدّ معايبه..

متعه الله بالعافية، ونفعه بما وهبه، ونفع بعلمه وفكره وشمائله.

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة