Culture Magazine Monday  04/06/2007 G Issue 201
فضاءات
الأثنين 18 ,جمادى الاولى 1428   العدد  201
 

موتى وخطيئة البكاء
عبدالعزيز حمد الجطيلي

 

 

الإهداء... (إلى الإنسانة التي من ألف أنفاسي إلى يائها هي ليلاي) سيدتي.... لو....

لو مات قيس وولدت من سكينة الشفاه فجيعة الموت سيقولون لك.....

ليلى: مات قيس!! قيس ابن فلان قيس حنطي الوجان

مات الإنسان الذي نزف كثيراً حتى غرقت عافية الجراح بالجراح....

مات قيس!!! الذي تعلمت نهارات أحلامه كيف يسكن ليل اليأس أهداب عينيه!!! سيدتي....ليلى!!

سيقولون لك مات قيس!!!

الذي يكتب بالجريدة من محبرة قلبه أقصوصة فرح خديج....

ورواية (مأساة الحب) لنسعد بها حتى تفاصيل المشاهد المبكية تسعدنا....

إنه الضحك الباكي!!! ليلى....

وأنت في ذهولك وخوفك....

تسألين الآخرين من هو قيس....

هذا الذي مات !؟

ما أقسى سؤالك حين تئنين به وأنت باكية....!!!!

وما أصعب إجابة السؤال حين نخافها ولا نريدها....!!!

آه.... سيدتي....

إنه الشاعر الذي أفرزت جراحه دماً ودمعاً....

حتى صارت بحور الشعر كلها في تضاريس العمر محيطاً واسعاً....

فيه سفر لا وصول....

وليل لا يذبل ببزوغ فجر إنه محيط قسوة الحياة....

صهيل أمواج الحرمان

فيه يبتلع كل صمت الشواطئ وموانئ الوصول!!!!! فيه يضيع الحب ليبقى!!!! فيه يغرق القلب ليعيش!!!! آه....

يا ليلى....

ما أصعب الرثا قبل الرثاء!!!!

سيدتي....

ماذا....

لومات قيس!!؟ سيقرأ الآخرون على روحه الفاتحة....

وبعد آمين يصمتون....

ثم يصمتون....

ثم سيتساءلون....

ترى من هي (ليلى) الأنثى التي خلدها برجولة معاني نزفه وعزفه....!!

ليلى حبيبته..!!

ليلى أليفته....

وأليفة خاطره..!!!

ليلى حسناء أعماقه التي كانت عمره ودنياه ؟ سيدتي....

لو....

لومات قيس!!

سيترحمون عليه....

رحم الله قيساً تيتمت أحلامه....

ولكن من هي ليلى التي ترملت أمانيها !؟ لقد كتب لنا عنها كثيراً....!!

وغنى لها على ربابة حزنه كثيراً....!!!

ما أسعد امرأة يعطرها رجل من قارورة حبر بوحه....

ويسقيها من عذوبة نهر عينيه....

حتى ذاع صيتها وباتت أكثر غموضاً....

حين خبأ بجناح خوفه عليها عفاف أنوثتها....

لأن قيس غناها لنا من ضجيج صمته همساً رائعاً....

ولأن قيس يبصرها أمام الآخرين بكامل زينتها بإغفاءة عينيه! مات الذي قال (ليلى) بالصمت....

بالغناء..

بالرسم....

وبنثر تزين بشاعرية ذكرها وذكراها ولكن....

من هي ليلى قيس الذي مات....؟؟

الأنثى التي كحلت بإشراقتها نجوم ليله....

وسامرته بغيابها في وحدته حتى صار العالم كله....

بكل قاراته هو....

هو ليلى!!!!

سيدتي....

لو....

لو مات قيس ستتألمين كثيراً ستبكين على وسادة السهر في مضجع وحدتك وأنت مع الآخرين!!!

(ليلى)....

كم كان ليلنا مشرقاً ونحن معاً نشكو فرقة الأيام لنا..!!

أعلم كآبة ليلك عندما يكون البكاء محرماً....

والألم محرماً....

حتى حكمة الأمس التي كتبها الحنين على جدار أيامنا قد لا نصدقها....

أتذكرين..

(فراق الأحياء يكون أحياناً أشد قسوة من فراق الموت لأن الممكن والمستحيل لا ينفصلان) ليلى....

يا أعز الناس أنت!!!!

لومات قيس....

أتخيل واقع حرفك في أدب الأحزان سحابة سمائك تمطرنا لكن لن تروي ظمأك....

ولن تطفئ لهيب مأساتك!!!

آه....

يا قيس....

ما أصعب النداء!!

مسكينة أنا....

في يوم ضاع مني ثراء وجودك معي!!!

يا لعمق المأساة..

لحظة يشعر الإنسان أن الباكي (معرفة)..

و(نكرة) المبكي عليه!! هذا....

أنا يا سيد قلبي..

أبكيك بصمتي....

أبكيك بهمسي بدمعي..

بأشلاء أحلامي....

وبأوراقي المبعثرة أبكيك (حبيبي)....

بخطوات ضياعي الجديد أنت الذي أحبني..

وعلمني الحب الصعب!! الحب الذي على شاطئ الليل جمعنا..

وتقاسمنا فيه رغيف البوح..

وعشقنا أفكارنا البسيطة وتفكيرنا الصعب!! حتى عتابنا يذبل عندما يتفتح ورد تسامحنا..!!

رحم الله حبيبي (قيس) كم تشرد كثيراً في مدن الضياع والحرمان....

يفترش الرصيف البارد..

وقلبه العاري يئن أملاً وألماً وخوفاً!!....

وحين يذكرني يرتدي بذكراي معطف دفء لقلبه..

ويتخيل الشاش الأبيض ألف به جراحه بيدي الحانية ولكن!!

عندما يصحو (حبيبي الشريد) من غيبوبة سراب حلمه واحتياجه يجد الريح الباردة..

وصقيع الرصيف....

ووحشة الشوارع الخالية....

بجرأة حقيقتها ومرارتها تسخر من حياء قلبه وأنينه وعذوبة أحلامه كم أوجع سهم البعد العجوز صميم طفولة ألفتنا!!!؟

آه..

قيس..

لو.. م..ت..

لو مت!!!

لومت لتناسلت أحزاني أحزاناً!!!

لو مت..

سيكون الليل..

بلا قمر....!!!

لومت سيكون القيثار..

بلا وتر....!!!

لو مت ستكون ليلى..

بلا قيس....!!!

لو مت....

ستكون ليلى..

بلا ليلى....!!!

سيدتي....

سترتدي (فستانك) الأسود عباءتك السوداء....

يدك خالية من الخواتم....

من الأسوار....

من كل شيء..

سوى منديل الدمع..

يغرق من مطر حزنك الإستوائي!!! آه..

ياليلى الوفاء..

ستذهبي إلى بيت قيس.. وعشيرته!!!

ستدخلين مع الباب المشرع حيث خيمة العزاء الأسمنتية جئت إلى هنا..

بقلبك المتعب..

بذكريات الإشراق بعد الغروب وبريق الأسى يلمع كاللؤلؤ في عينيك!!!

إنه الوصول بعد الرحيل!!!

جئت هنا في حداد المحبين وأناقة الخوف والألم والانكسار....

تزين داخل أعماقك وفاء المحب لحبيبه!!! من حولك الباكون..

وأنت باكية بصمت!!

من حولك المتألمون..

وأنت المتألمة بصمت!!!

ستقبلين جبين أم قيس....

ويدها....

ستحضني شقيقة قيس وتتلي في مسمعها كلمات الدعاء والعزاء....

ليلى....

إنه يوم حزنك!!!

ستجلسين بين الناس..

وتضعين رأسك على كتف أم قيس..

وتقبلين يدها التي حملت قيس....

وحضنها الذي رضع منه حناناً ولم يفطم منه أنت في وسط عشيرة قيس....

ولكن عينيك تخاف كل العيون....

لأنك غريبة....

وتخافي أن يبصروا قيس بين أهداب عينيك....

وهو نظرة الدنيا في مقلتيك....

وحبره كحل ضفافها....

عجباً....

لرجل يتربع على عرش عين امرأة حين كان الحب الكبير ليلى....

هذا قدرك....!!!

فجيعة موت قيس

* * * *

أنا ليلى....

بكل أفعال الحب والود والتضحية عشنا معاً أنا ليلى....

التي يحميني في بعيد أعماقه عن حفيف الريح !! أنا....

القصيدة في شعره....

أنا الحلم الذي في مناماته..

وتفسيره إنه....

لي وأنا له!!!!! أماه....

أم قيس أنا ليلى حبيبته..........

أنا ابنتكم هذه يداي حائرة كأجنحة حمامة تائيهة أنتظر كل الناس....

أنتظركم..

من يحضنني ويقدم لي العزاء في قيس الذي مات ولم يمت عذراً....

عندما يغيب قرة عيني سأبكيه....

سأرثيه....

سأدعو الله كثيراً له قيس حبيبي....

خطيئة البكاء من أجلك براءة يا أعزالناس أنت!!!!!!!!!

* قطرة الوداع يا أعز النساء!!!!

(أنا وأنت) قالت الأيام (إننا) (أنتما) آمالنا..

وآلامنا..

والحلم الضائع منا....

حنينا....

وحنانا....

ووحشة واغتراب ألفتنا....

أنهر الدمع....

وعذب أنينا....

حروفنا....

رسائلنا....

ومرسم الإنسان بيننا!!!!

نهار ليلنا....

وليل نهارنا....

وأفكارنا البسيطة التي تضحكنا....

القلم والمجداف وقوارير العطر والدواء....

إنها قصة رائعة....

أبطالها (أنا وأنت) حتى في فيافي البعد نلتقي!!!!!

عنيزة ayamcan@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة