الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th July,2005 العدد : 113

الأثنين 27 ,جمادى الاولى 1426

قصة قصيرة
ليل مدينتي
خالد محمد الخضري
هبط الليل على المدينة، فأشعل في داخلها رغبة في الاختفاء من عيون الساهرين، قبل أن يجثم الليل بجسده المهترئ على مدينتي كانت تختلس النظر إلى القمر داعية إياه أن يجيئ . .
أشعر بأنفاس هذا الليل الحارة وهو قابع هناك خلف الجبال، فالظلمة لم تعد متشبثة به إلا عندما يذهب راحلاً نحر الجبال والأودية البعيدة . .
في داخلي يقبع الزمن، الصديق الحميم، يحادثني كثيراً، يضحك معي، يلاطفني، يغني لي أغنيات أطرب لسماعها، فيأتي أبي، يصرخ في وجهي:
هل جننت، أنت تحادث نفسك !
قبل أن يضيء مصباح الشمس نهار مدينتنا، يأتي أبي ليأخذني عنوة لصلاة الفجر، بعد أن يرش على وجهي كوب ماء لأستيقظ، أشعر بالسعادة والعصافير تغني لي، تعيد إلي تلك الأغنيات التي أطرب لها وحيداً . .
حين نتمشى في الطريق يأتي أحدهم، يسلّم على والدي، يردد عليه مادحاً:
أنت رجل خير، لك الفضل كله فقد مننت علينا وعلى أهل الحي كله بعطائك . . . يحثو والدي في وجهه تراباً مبتعداً عنه . .
وأصنع أنا من التراب بيتاً من الطين عندما أذهب مع رفاقي إلى شاطئ البحر، أسكن هذا البيت الذي صنعته، أصرخ، أنطلق فرحاً:
عندي بيت، عندي بيت . .
آخذ قليلاً من التراب وأقذف به في وجه رفاقي، يصرخون غيضاً، ينطلقون نحوي فيدمرون بيتي الذي سكنته قبل قليل، أظل حزيناً على بيتي، وأبكي وحيداً، فيواسيني أخي بقوله:
غداً عندما نذهب إلى البحر ستبني لك قصراً . .
* * * *
أيها الوجه الشاحب الذي يكشر بخلقته في وجهي، أبتعد عني فأنا لا أحب الغم، سأراك يوماً وأقذف بك إلى الجحيم، وبيتي الذي صنعته من أحلامي وهدمه رفاقي لن يستحيل تراباً، سأعاود الحديث عنه مع صديقي، ولن أظل حزيناً وحيداً بمفردي، أبكي لأنني لا أملك بيتاً، لدي بيت على الشاطئ، وأملك أن أصنع بيتاً من ورق الآن، وأملك قصراً سأبنيه في الغد كما قال أخي . .
سأعاود المسير على الشاطئ، هناك عندما التقي رفاقي سأشتمهم جميعاً، سأقول لهم: أنتم رفقاء سوء لأنكم لا تملكون في قلوبكم رحمة فقد هدمتم بيتي . .
سيصرخون في وجهي: أذهب بنزقك بعيداً عنا . .
وأذهب، ليعود الليل يجثم بأنفاسه الحارة على رئة مدينتي، فتستحيل أنفاسه ظلاماً دامساً يمحوه جرأة المدينة وقدرتها على خلع نقابها لليل، لكنها حين يأتي القمر تتجرد من ملابسها وتظل عارية حتى الصباح . .
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved