الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

الشاعر.. الأديب.. الباحث
د. حمد زيد الزيد

من الصعب في هذه العجالة أن أكتب سيرة ضافية لابن العم الذي تصدر عنه مشكورة (الثقافية) هذا الملف، وقد هاتفني الزميلان الأثيران عبد الرحمن المعمر وحماد السالمي (مع حفظ الألقاب)! بالكتابة في هذه المناسبة، كتذكر وتحية لأخينا المسافر - المريض رده الله سالماً معافى إلى أهله ووطنه.
وقد عرفته في مرحلة مبكرة من حياتي إذ لم يكن فارق العمر كبيراً بيننا (بضع سنين) وعندما هاجرت العائلة على دفعات من بلدة (مرات) بالوشم إلى المنطقة الغربية كانت محطتها مكة المكرمة والطائف ثم جدة أخيراً.
في عام 1377هـ التحقت بالشلة من أبناء العم والخال وبعض الجماعة في الطائف لأدخل مع السابقين واللاحقين في مدرسة دار التوحيد المشهورة على مستوى البلاد بقوة مناهجها الدينية والعربية ويدرس فيها نخبة ممتازة من الأزهريين المصريين وبعض أفاضل الشام، وكانوا نخبة متميزة ويمثلون المعلم المثالي في علمه وخلقه وطريقة تدريسه، وبعد سنة أو اثنتين فارقنا بعضهم ومنهم الأخ (إبراهيم) إلى مكة المكرمة للالتحاق بكلية الشريعة فيها وإكمال الدراسة الجامعية بها، وكانت لا تزيد في تحصيلها وقوتها التعليمية إلا قليلاً عن الدار.
وكنت عندما أذهب إلى مكة مع أبناء عمي الباقين معي في الطائف نسكن في بيت عمي هناك في حارة (العتيبية) قرب ريع الحجون ونجد هناك الأخ (إبراهيم) منشغلاً عنا بقراءة الكتب التي كانت تطبع في مصر أو يقرض الشعر أو يتمرن على الخطابة في السطوح؟!
من هنا أو قبلها بقليل برزت في ذهني صورة ابن العم الشاعر سليل أسرة آل زيد التي ظهر فيها (13) شاعراً وشاعرة في جيلين فقط من أجيالها.. وقد جمعت ما استطعت جمعه من إنتاجهم في كتابي (شعراء آل زيد وشعرهم) الذي طبع مرتين.
قبل أن يترك الأخ (إبراهيم) الطائف ولو إلى حين.. إذ عاد إليه بعد التخرج، كنت ألاحظ عزلته وتجنبه صخب (شلتنا) بل كان في الغالب ينزوي في غرفة خاصة به ويستمطر أبيات الشعر أو يستظهر بحور الخليل المقررة في المنهج، ولكنه لم يكن يعرض أو يقرأ علينا شعره - ربما لصغر سننا - ولكنني كنت أعرف أن ربة الشعر الإلهام قد ساكنته كما ساكنتني بعده بسنين قليلة! وكنت ألاحظ أنه كان يحرر مع بعض الزملاء في المدرسة صحيفة حائطية اسمها (الينبوع) وهذه بداية تكريسه فيما بعد كأديب يكتب النثر وله عمود صحفي في بعض الصحف المحلية بعنوان (أريد أن أقول).
وإذا لم تخنّي الذاكرة فإنني لمست منه عام 1378هـ رغبة مع أحد الزملاء الذين في سنه للالتحاق بالكلية الحربية بالرياض ولكنني لا أعلم التفاصيل ولم أسأله عنها وكانت العائلة في ذلك الوقت لا تحبذ التحاقنا بالعسكرية أو غيرها وإنما دار التوحيد وبس!
بعد تخرجه من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة عاد واشتغل بالطائف وكنت لا أزال في مدرستي أو معهدي الذي زيد سنة إضافية كما أعدت السنة الأولى بسبب درجة ونصف في مادة الحساب التي أكرهها ولم أزل!!
وسكنّا سوياً - وهو على فكرة متزوج من شقيقتي - وكان يذهب إلى عمله كل يوم من قروى - أجمل حي في الطائف - إلى عمله في رعاية الشباب بإدارة تعليم الطائف التي كان مقرها في العزيزية ويقطع المسافة ذهاباً وإياباً مشياً على الأقدام، مرتب الهندام لابساً على الطاقم الرسمي الكامل: البشت والعقال!
أما أنا فأذهب وأعود من وإلى البيت والمدرسة بدراجتي (البسكليتة) وأرى نفسي أسعد منه، مما يجعلني أمر بجانبه مسرعاً وأرمي عليه بعض النكات أو التعليقات أو أتلقى منه بعض الأوامر الجادة؟!
في تلك الفترة أي منذ عام 1381هـ أو 1380هـ لست متأكداً بدا ينشر إنتاجه الأدبي في صحف الغربية وقتذاك كالرائد وقريش والندوة وقبلها حراء والبلاد إما شعراً أو نثراً وهو يكبت شعره ونثره باختصار غير مخل فلا يجنح مثل بعض الكتاب إلى تدبيج المقالات الإنشائية أو القصائد الطويلة وكانت كتاباته تلك أنيقة مثل ثيابه ووجهه الذي لا يعرف الشدّ. وبعد عام 1382هـ وكنا ما نزال نتساكن في الطائف جرّني معه إلى عالم الأدب والشعر قراءة وكتابة ونثراً، وكنت مهيأً لذلك ولدي الرغبة في الظهور رغم صغر سني وضعف إنتاجي.. ولكنني كنت أقرأ الكتب الأدبية بنهم مثله.
وأستطيع أن أؤكد بكل اعتزاز أن الأخ (إبراهيم) أول من اطلع على شعري وأصلحه في بداياتي الأدبية وشجعني على النشر في صحف الغربية فيما بعد، وقد اعترفت له بهذا الجميل فكتبت إهداء ديواني الثاني (قصائد مطوية) له وبما أنني لم أدرس بحور الشعر في المدرسة فقد علمني طريقة تعتمد على الإيقاع الموسيقي للبيت أعرف منها مدى استقامة الوزن أو كسره، وأطبقها حتى الآن.
ودارت الأيام والسنون الطويلة دورتها.. ولكننا لم نفترق طويلاً.. فبعد تخرجي من كلية التربية بمكة عام 1388هـ توسّط لي عند الوزير المرحوم.. حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير المعارف وقتها والإنسان الرائع حقاً.. وتلا عليه قول الشاعر:
هوى بتهامة وهوى بنجد
وشتان التهائم والنجود!
وكنت قد عُينت في منطقة نائية لم أطلبها أو أطلب غيرها لأنني فكرت أنهم سيخيرونني في المدن، وكان السعوديون قلة قليلة في التدريس بالمدارس المتوسطة والثانوية في ذلك الحين!
في عام 1395هـ عندما أعطى الترخيص لإنشاء ناديين أدبيين ثقافيين في كل من مكة وجدة؛ ذهبت للأخ (إبراهيم) في بيته، وطرحت عليه فكرة إنشاء نادٍ أدبي بالطائف، فوافق على الفور واتفقنا على أن نتصل بالمشتغلين بالكتابة والأدب في مدينتنا الجميلة الطائف مصيف البلاد ومهوى أفئدة المصطافين من العباد؛ وبعد أيام قليلة جمعنا نحو عشرة أو هم كذلك بالضبط في الاجتماع الأول لتأسيس النادي (وفي مكان حيادي) هو مطابع الزايدي بشهار في الشهر الثاني أو الثالث من عام 1395هـ واتفقنا على تقديم طلب برقي باسم المجتمعين للرئاسة العامة لرعاية الشباب بالرياض، وكلفت بمتابعة الموضوع، وعندما لم يأتِ الرد ذهبت لمقابلة الأمير المرحوم: فيصل بن فهد في مكتبه بالرياض، ولم أخرج من عنده إلاّ ومعي الترخيص وشيك بمبلغ 250.000 ريال هو ميزانية النادي للسنة الأولى.
وفرح الزملاء أدباء الطائف بنجاحي للترخيص للنادي، وفي اجتماعنا الثالث سلمتهم البرقية والشيك وحكيت لهم كيف مازحني المرحوم الأمير عندما قال لي باسماً: هل الطائف تستاهل نادي أدبي؟! فقلت لسموه بحزم: إن البلد الذي أنجب أمية بن أبي الصلت والعرجي وأبا محجن الثقفي لهو جدير بالنادي؛ ووعدت سموه بأننا سنبدأ وسننجح قبل الآخرين!!
وهذا ما تم فيما بعد بعد والحمد لله؛ ففي عام 1395-1396هـ تصدر النادي الأندية الأخرى المرخصة بدأ قبلهم وحاز على الدرجة الأولى في التصنيف وارتفعت الإعانة إلى مليون ريال في السنة الثانية وتركته في رمضان سنة 1396هـ وهو قائم على قدميه يطبع الكتب ويدعو للمحاضرات وتقام فيه معارض الفنون التشكيلية والعروض السينمائية وفيه صندوق للأدباء مما تبقى من الميزانية الأولى (أكثر من سبعين ألف ريال).
كان الأخ (إبراهيم) قد سبقني في البعثة للخارج بسنة أو أكثر، ولم يتح له حضور جلسات النادي في مرحلة التأسيس، ولكنه بعد عودته من البعثة انضم عضواً فعّالاً في مجلس الإدارة لعدة سنوات، وتحوّل من شاعر وأديب يكتب للوجدان إلى باحث جاد ومجتهد وجلود في التاريخ والمخطوطات ومدرس لامع في الجامعة بمكة ثم جدة بعد أن مرّ سريعاً بالسلطة، (البيروقراطية) في إمارتي منطقتي عسير والباحة، وترك بصمات باقية وترك ذكراً حسناً.
أما الحديث عن إنتاجه الأدبي وتحقيقه لكتب التراث وتأليفه فيها فله مناسبة أخرى إذا شاء الله.

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved