الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

كاتبتان وروايتان من السعودية «2-2»
نبيل سليمان

حققت الرواية في السعودية إنجازاً كبيراً خلال فترة قياسية، كما دلّلت روايات غازي القصيبي وعبده خال ويوسف المحيميد وتركي الحمد و... دون أن نبلغ طوشة (الحزام). وقد كان للكاتبة نصيبها في ذلك الإنجاز، كما دللت روايات رجاء عالم بخاصة، وليلى الجهني أيضاً و... وكالعهد بما تألق من الإنجاز الروائي العربي بعامة، من ترديد بعضهم وبعضهن لصدى البدايات، كان الأمر في الحالة السعودية.
ولئن كان المألوف ألا يلتفت النقد إلى مثل ذلك، فقد يكون قدرٌ ما من الالتفات مفيداً، وربما ضرورياً لبعض ذلك، فضلاً عما يحققه من إضاءة المشهد بنتوءاته وتعرجاته ووهاده، ولعل هذا يعلل القراءة التالية لروايتي أمل الفاران وقماشة العليان.
2 - قماشة العليان
أنثى العنكبوت وهذا صوت آخر يتفجّر لوعة وحنقاً ضد الهيمنة الذكورية متمثلة بمؤسسة الأسرة الأبوية والأسرة الزوجية، بالأحرى: متمثلة بالأب والزوج. أيضاً في روايتها (أنثى العنكبوت - 2000)، والتي تبدأ الرواية بالسؤال: (ما هي الحرية؟). وتقلِّب بطلة الرواية (أحلام) الإجابات بتقليب السؤال: هل الحرية هي السعادة؟ أم هي التحرر من كل شيء وأي شيء؟ هل هي حرية الكلمة أم التفكير؟ أم تراها الثورة على التقاليد والأحكام البالية المتوارثة؟ في الاحتمال الأخير تركّز الرواية السؤال والجواب بقدر ما يتعلقان بالأب والزوج. إلا أن ما تنتهي إليه (أحلام) سيجعل خاتمة الرواية تعلن أن الحرية وهم. وبين البداية والنهاية ستتقلب تلك الشابة الجميلة بين جحيم وجحيم، وهي التي جُبِلتْ منذ فتوتها - حين حاول جارٌ اغتصابها - على أن (لا أمان مع رجل كائن من كان بدءاً بأبي وانتهاءً بأي رجل آخر على وجه البسيطة).
في مستشفى الأمراض العصبية وُلِدتْ أحلام أثناء واحدة من نوبات أمها المصابة بالفصام، إذ كان الأب يذهب بالأم إلى المستشفى كلما عصفت بها النوبة. وقد حلّت كبرى البنات (بدرية) محل الأم في تربية صغراهنّ (أحلام) التي ترى أمها (شيئاً) من أشياء البيت. لكن هذا الشيء عاد امرأة من لحم ودم حين تزوّج الأب، فقررت الأم أن تذهب إلى المستشفى بلا عودة. وقد تكرر يتم أحلام بتزويج الأب لبدرية من سكير لا يفتأ يضربها، فتفّر إلى بيت أبيها الذي يجلجل: (ليس عندنا مطلقات في العائلة ولن يكون)، كما سيجلجل بعد ترمّل بدرية ورفضه تزويجها من شقيق المرحوم: (الأرملة تبقى في بيتها لتربي أطفالها)، ولن يكون مصير بقية الأبناء والبنات أقل سوءاً. فالذكور يفرون إلى مدن أخرى، وندى ترث مرض والدتها فتنقل إلى المستشفى نفسه لتقضي منتحرة، وسعاد يفرض أبوها عليها زيجة أدهى من زيجة بدرية. بل إن زوجة الأب تلاقي المصير نفسه: الضرب والطلاق، لأنها سمحت للسباك بإصلاح الحمام في غياب الديكتاتور، كما تنعت أحلام أباها.
وهنا يلاحظ أن الرواية تتوالى بعد الطلاق لكأن الأب عاد عنه، ولا ينجلي هذا الالتباس الذي لن يكون علّة الرواية الوحيدة أو الكبرى. فالرواية يبهظها الشرح والاستطراد، وتغرقها الميلودرامية والرومانسية كما سنرى. متلظية بالجحيم تتخرج أحلام من الجامعة. وبشفاعة زوجة أبيها يسمح لها الأب أن تعمل معلمة في مدرسة بعيدة، حيث تقوم قصة حبها مع سعد المدرس للرياضيات والكاتب والشاعر الذي ستتزين الرواية بمقاطع رديئة من شعره. ولعله يكفي هنا أن تُذكَر عنوانات دواوينه: (عينيها) و(صدى الوجدان) و(إليك أنت). ولقد رفض الأب تزويج أحلام من حبيبها لأنه أوصلها مرة إلى البيت، وفرض عليها الزواج من تاجر سبعيني له خمسة عشر ولداً وبنتاً من زوجتين.
إلا أن المعجزة تقع، فتنجو أحلام من هذا الرجل إلى حين، وذلك بنجاتها من حريق السيارة التي تقلها إلى الرياض، إذ تتخفّي في بيت سعد ثم في بيت بدرية عازمة على ألا تدع أباها يتحكم بمصيرها. وحين تظهر الميتة أمام الأب يبدو لها أنه حزين لظهورها. وبانتقال عملها إلى الرياض يكمل الأب ما انقطع من تزويجها من السبعيني العاجز جنسياً، والذي ستقضي أحلام عليه بضربة عصا في أحد شجاراتهما. وكانت قبل ذلك قد التقت سعد ليلة زفافه، فقرر التخلي عن عروسه والزواج من أحلام بعد ما أعلنت له أنها لا تزال عذراء. في المحكمة لا تجيب أحلام إلا بالصمت على السؤال: (هل قتلت زوجك؟) فَتُحَوَّل إلى المستشفى لقياس قدراتها العقلية، وهي تجأر: (أتنادينني يا أماه أخيراً.. أهذه هي نهاية المطاف لكل امرأة عاقلة واعية؟). على مثل هذا العرض أن يتجاوز الكثير من شتات الرواية في استطالات قصصية أهونها هو ما يتعلق بالأخوة الذكور الذين نالوا نصيبهم من جور الأب. لكن أية قراءة للرواية سيكون عليها أن تتملّى فيما تسلق به أحلام أباها. فهو المتسلط المستبد الذي سيبدو حين تصيبه الذبحة القلبية كسيراً مهزوماً، لكنه من قبل ومن بعد يظل الوحش الذي يجعل أحلام تهجس: (صفعات أبي لا تزال موسومة على خدي تؤرخ نهاية حريتي وبداية معركتي الخاصة مع العالم وأولهم أبي). إنه المجرم الذي يتحول من إنسان إلى شيطان، فإذا بأحلام تصرخ في النهاية: (أبي أنا لم أقتل زوجي.. أنا قتلتك أنت).
وإزاء كل ذلك تنادي الرواية من علم النفس ما تنادي، فيما خيوط العنكبوت تطبق على أحلام أو بدرية أو الأم أو زوجة الأب أو أي من نساء الرواية، ليغدو للأغلال نصبها الذي يضاهي نصب الحرية، وتصير المرأة أنثى للعنكبوت تخاطب أباها: (أبي أستطيع أن أقف في وجهك وأرفض اختيارك الظالم لي وأثور على كل الأوضاع، بل أستطيع أن أهرب، أن أنتحر وأقتل نفسي بحيث أمنعك من صنع حياتي وتشكيل دنياي وأن يكون مستقبلي ممهوراً بتوقيعك.. كعادتك دائماً. لكن لا.. شيء ما في داخلي يمنعني بشدة، ربما هو آثار (لا حول ولا قوة إلا بالله) التي حملتها في داخلي إرثاً من أمي أو هو طريق رأيت أخوتي ساروا عليه فسرت عليه كشيء لا بد منه كحال المحكوم عليه بالإعدام فيما يرى رفاقه يعدمون أمام عينيه فهو يحني رأسه باستسلام.. كشيء حتمي لا مفر منه أم هي رغبة داخلية في الانتقام... الانتقام من أبي في نفسي).
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved