الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

أضاف جديداً للفنان السعودي
التشكيل التونسي وجبة عالمية بنكهة عربية

إعداد: محمد المنيف
يعود الإبداع التونسي بمختلف مشاربه مرة أخرى كما تعودنا حضوره على مدى سنوات طويلة مؤكداً مدى العلاقات الثقافية الكبيرة بين البلدين قابلها حضور مماثل أيضاً في تونس للأسابيع الثقافية السعودية وفق ما تتضمنه الاتفاقية الثقافية بين المملكة. فقبل أيام استضافت المملكة العربية السعودية ممثلةً في وزارة الثقافة والإعلام - وكالة الشؤون الثقافية الأيام الثقافية التونسية التي تعدّها وتشرف عليها وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسي، وذلك بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض. اشتمل الأسبوع على عدد من الفعاليات، منها معرض للفنون التشكيلية ضمّ نخبة متميزة من الأعمال لعدد من الفنانين التشكيليين البارزين في ساحة الفن التشكيلي التونسي، وإذا عدنا قليلاً إلى الفترة الماضية التي تواجد فيها الفن التشكيلي التونسي في الرياض نجد معرض الفنون التشكيلية والخط العربي عام 1422هـ في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية الذي أعدّته الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وضم عدداً كبيراً من الفنانين في تونس، وبرزت فيه مختلف الأساليب والتقنيات، وتنوعت من خلالها مصادر الاستلهام. يليه أسبوع الإخاء التونسي عام 1425هـ وأقيم في فندق قصر الرياض بمشاركة جناح للفن التشكيلي لأسماء معروفة مساهمة في هذا المجال ولها تجارب وتواجد في الساحة التشكيلية التونسية، إضافة إلى ما أقيم هذا العام خلال أسبوع ثقافي حافل أطلّ من خلاله الفن التشكيلي التونسي من جديد بأعمال استحقت زيارة الكثير من الفنانين والفنانات والمثقفين وعشاق الفن التشكيلي؛ حيث حظي المعرض بإعجاب الجميع وكان بمثابة الإجابة عن الكثير من التساؤلات والبحث عن المعرفة المستفيضة عن الفن التشكيلي التونسي.
المعرض نافذة مباشرة
الحقيقة أن مثل هذا التواجد للمعارض العربية في المملكة ومثلها تواجد الفن السعودي في مختلف الدول العربية يعني تقريب المعرفة والثقافة التشكيلية العربية وربطها ببعضها البعض مع ما يتم من محاولات عبر السبل الجديدة المتمثلة في مواقع الإنترنت في حال انضباطها وتحديد هدفها وتوظيفه للارتقاء بالفن والفنانين كما نراه في نخبة من تلك المواقع التي سيكون لنا معها إطلالة قادمة.
نعود للقول: إن الساحة التشكيلية العربية في حاجة ماسة للاندماج والتقارب إلى مستوى الأعمال والأفراد، فكيف للفنان السعودي أن يعرف عن الفن المغربي أو الليبي أو التونسي إذا لم تفعل المناشط التشكيلية ويتم تنظيم معارض مشتركة تكفل للجميع المعرفة والاطلاع؟! ويمكن الإشارة إلى أن هناك جهلاً من غالبية الفنانين السعوديين بفنون المغرب العربي، وتبقى حدود المعرفة عند من زار تلك الدول أو أن يكون من الحريصين على الإلمام بالمسيرة التشكيلية العربية الشاملة.
إطلالة على الفن التونسي
على رغم ما نملك أو نعرف عن الفن التونسي وما نطمع في المعرفة بواقعه وتاريخه ومسيرته والجديد فيه نطلّ بشكل موجز على هذا الجانب الثقافي المهم في بناء حضارة تونس الشقيقة؛ فالفن التشكيلي التونسي لم يكن في منأى عن الحراك التشكيلي العربي عموماً بقدر ما كان له تاريخه وبداياته وتأثيره وتأثره؛ فقد أخذ قدراً كبيراً من الأهمية في سياق الثقافة، وأحدث أيضاً الكثير من الجدل، وتطرق له العديد من الباحثين والدارسين والنقاد نتيجة لأهميته الكبيرة في جسد الثقافة العربية، وجاء ضمن سياق بعض تلك البحوث النظر فيما يحفظ له هويته وخصوصيته التي أطلق عليها المدرسة التونسية والمعنية بفناني الواقع البيئي والاجتماعي، إضافةً إلى ما تركه الاستعمار من تأثير غربي وما أوجده من خلاف في وجهات النظر أو البحث عن مخرج من ازدواجية تحديد الهوية بعد أن أثبتت الأعمال المسندية مكانتها في تونس كما هي في المناطق العربية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وكانت سبباً في انفتاح الفن العربي على الاتجاهات السائدة في الفنون آنذاك مع ما واكبتها في مختلف المدارس والنزعات نتيجة تنوع الثقافات أو الأيديولوجيات والنزوع نحو التبعية.
وعلى رغم ابتعاد المسافة الجغرافية واختلاف مصادر الإلهام بين مجتمعات المشرق الذي تمثله دول شرق البحر الأحمر أو المغرب، ويُعنى دول شمال إفريقيا- باستثناء مصر- إلا أن التجربة التشكيلية في الوطن العربي عامة تلتقي في قواسم مشتركة، وخصوصاً جانب الفنون الإسلامية والواقع البيئي والاجتماعي، وقد يأتي الاختلاف فقط في قضية أولوية التواجد وريادة البدايات يتبعها ما طرأ من جديد في تجارب الفنانين.
ويعلق بعض الباحثين والمؤرخين للفن التونسي أن المرحلة الأولى كانت لفنانين مهتمين بالتسجيل المباشر للواقع كما هي بدايات الفنانين في مختلف الدول العربية، يليها مرحلة يمكن أن يطلق عليها مرحلة الإعجاب والتأثر بالأساليب الغربية التي أثارت وزرعت الخوف في أن تؤثر أو أن تزيح المرحلة السابقة التي توصف بالسطحية.
روّاد وأسماء
يذكر الكثير من كتّاب وباحثي الفنون التشكيلية أن أول من ابتعث لدراسة الفنون كان الفنان أحمد عثمان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ حيث أرسل في بعثة إلى إيطاليا لتلقي التعليم الأكاديمي في الرسم، تبعه عدد آخر من الفنانين في نفس النهج، ثم أتى آخرون لاحقاً في مراحل متتابعة أكثر تحرُّراً في النظرة وأكثر حرية في التعبير، كما تميزت الكثير من الأعمال التشكيلية التونسية بالمنمنمات، ومن فنانيها علي بن سالم. أما ما يمكن أن يذكر فهو تأسيس جماعة مدرسة تونس التي ساهمت في بناء الفن التشكيلي التونسي التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث استطاع أعضاؤها إيجاد نهج جديد بعيد عن التسجيلية المعروفة والسائدة في ذهن الفنانين المستشرقين فيما قبل الحرب العالمية الثانية. كما حرصت الجماعة أيضاً على تأصيل القيم الجمالية في البيئة من خلال الحياة الشعبية بحس تشكيلي مبدع.
ومن الجوانب البارزة أيضاً في الفنون التشكيلية التونسية الاهتمام بالخط العربي والزخرفة الإسلامية على رغم أن قرب تونس من الدول الأوروبية يجعل تأثرها بفنونها وارداً منها، مثلاً الفنون الإيطالية، حيث دخل في القرن الثامن عشر نمط الزخرفة والنقوش الإيطالية إضافة إلى الفنون التركية والأندلسية، وهي مصادر إلهام وتأثر مع ما طبعت به العمارة التونسية من الإرث الأندلسي.
تطور الفن التونسي
لم يتوقف الفنان التونسي عند تبعية أسلوب المستشرقين الغربيين الذي وجد في واقع بيئة تونس ما يلهمهم للإبداع وتسجيل الحياة اليومية والمناظر الطبيعية، فسعى إلى تطوير تقنياته ودراساته لكيفية توظيف الموروث بشكل معاصر، ولم تعد المناظر الطبيعية وأنماط البناء والحياة الاجتماعية ووجوه النساء ومجالس الرجال تعني المظهر الذي يبحث عنه الفنان التونسي، فبرزت الأعمال المعاصرة التي تعي قيمة الخطوط والألوان والمضامين الفنية إلى الوصول للتجريبية والتجريدية، فكان من هؤلاء المجدّدين في مسيرة التشكيل التونسي الفنان عمار فرحات الذي رسخ التشكيل في التركيبية الثقافية المحلية، والفنان الزبير التركي والفنان يحيى التركي، ممن مهدوا لظهور جماعة مدرسة تونس التي عبّرت عن البيئة والروح التونسية بمثالية عالية المستوى امتداداً لأعمال تجارب الفنانين حاتم المكي والهادي التركي، وصولاً إلى الفنان العالمي نجا المهداوي الذي كشف أهمية وقيمة جمال الفن الإسلامي من خلال الجماليات التشكيلية للحرف، إلى غيره من الأسماء المعاصرة.
المعرض وملامح حرية التعبير
سعى الفنان التونسي لمتابعة الجديد المعاصر في العالم مع ما اتهم به من التبعية والتقليد للغرب شأنهم شأن كل الحركات التشكيلية العربية، إلا أنه حقّق التعبير في أعماله الفنية بشخصيته المتفردة متمسكاً بقيمه الجمالية مستقلاً بالعمل الفني عن وظيفته التسجيلية البحتة، فوصل إلى أعمال تحمل روحاً عصرية لامست تجارب الفنون الغربية بروح شرقية تكشف المشهد العام للتجربة التونسية في مجالات التصوير المختلفة، مع أننا لم نشاهد في هذا المعرض ما عرف عن بعض الفنانين من تجارب في النحت أو الخزف؛ حيث غلب على المعرض أعمال التصوير الزيتي والأكرلك والجرافيك قدّمها كل من: علي الزنادي، فوزية الهيشري، علي بلاغة، عبد العزيز الفرجي، فتحي بن زاكور، إبراهيم الضحاك، علي مقديش، جلال بن عبد الله، سنية دريج، حسن الصوفي، آمنة مصمودي، علي الزنادي، الهادي التركي.
آراء وإشادة حول المعرض
تحدث لنا الفنان سمير الدهام مستشار الفنون التشكيلية بوكالة الشؤون الثقافية رئيس تحرير مجلة الفنون بجمعية الثقافة والفنون قائلاً: إن تواجد هذا العدد بهذا المستوى من أعمال الفنانين الأشقاء في تونس يجدد فينا التواصل مع ما نعرفه مسبقاً عن الكثير منهم، وأشار إلى أن المعرض أو الجناح التشكيلي يمثل نخبة من الأسماء والأساليب؛ مما أتاح الفرصة لمعرفة مختلف توجهات الفن هناك.
ويعلق الفنان محمد فارع أحد أعضاء مجموعة الرياض قائلاً: إن الفن التشكيلي التونسي حقّق تواجده العالمي، وما شاهدناه في هذا المعرض يؤكد ما تميز به الأشقاء التشكيليون في تونس، ونحن سعداء بمثل هذا التواجد.
من جانبه، تحدث الفنان عبد الرحمن العجلان قائلاً: إن مثل هذه المناسبات التي تتولاها الجهات الرسمية من خلال تبادل المعارض تقرب الكثير من المسافات، وتعد جسراً للوصول إلى الآخر، وخصوصاً الأشقاء العرب، وقد سعدت بهذا المعرض وخرجت منه بانطباع جديد يضاف إلى ما حمله للفنانين في تونس الشقيقة من تقدير واحترام لمسيرتهم التشكيلية هناك التي نعتبرها جزءاً لا ينفصل عن الفن العربي بشكل عام.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved