الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th January,2004 العدد : 42

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

أثر خفيف
الأعمى بصحبة ثمانين ألف كتاب2 «2
علي العمري

لم يكن بورخيس محباً للروايات على عكس القصص فقد قرأ ستيفنسون وكونراد وكيبلنج وألف ليلة وليلة وغيرها الكثير وكان ينظر للقصة باقتصادها وبنائها المحكم على أنها الأقرب لإمكانياته ويرى سلسلة تجارب «التاريخ العالمي للعار» التي نشرتها صحيفة «كريتكا» بين عامي 1933 1934 أنها البداية الحقيقية له ككاتب حيث المزج بين شبه المقالة وشبه القصة. وقد ترجم حديثاً فايز أبا هذا العمل إلى العربية تحت مسمى «التاريخ الكوني للخزي».
عمل بورخيس في المكتبة البلدية لمدة تسعة أعوام يصفها بالتعيسة وهناك كان يقرأ ويكتب لساعات طويلة، فقد كتب نصاً قصصياً «كابوسياً» عن هذه المكتبة أسماه مكتبة بابل كما كتب أيضاً قصصا أخرى أصبحت من أهم ما كتب. ثم عين مديرا للمكتبة الوطنية، وظل مدة اثني عشر عاماً يعمل أستاذاً محاضرا في الأدب الانجليزي في جامعة بوينوس أيرس.
وفي عام 1960م أصدر كتاباً يضم مجموعة من القصائد والنصوص السردية بعنوان «الصانع» وقد ترجمه إلى العربية سعيد الغانمي، ثم أصدر أيضا كتاباً شعرياً هو «أمدوحة الظل» وقد يبدو بورخيس شبحا يقطن مكتبة هائلة يحرسها وينحرس داخلها، ليصبح من غير الممكن أن ينتزع من بين الكتب حيث تاهت روحه وهو في مهمة رائعة للبحث عنها، هذه الصورة الغرائبية التي قد توحي بها كتابات بروخيس والكتابة عنه، ليست بالضبط صحيحة، فقد كان إنساناً يسافر ويقيم الصداقات ويحاضر في الجامعة، وإن ظلت علاقته بالمرأة غامضة كما يشير عبدالسلام باشا.
وعند النظر إلى ما خلفه من أعمال يصبح معيار الكم غير صالح، فأهميته تكمن في نوعية ما كتبه من سرد سواء في القصة أو في المقالة وحتى في الشعر.
لقد عاش بورخيس في منطقة وسط بين المرئي واللامرئي بين الحقيقة والوهم بين الخيال والواقع، لم يكن متيقناً من شيء حتى من وجوده الشخصي ذاته، قرأ بكثافة لامعقولة، دخل المتاهة ولم يخرج منها أبدا، هذه المتاهة التي انفتحت نتيجة استعداد فطري لدى بورخيس الطفل الذي كان يقرأ ويكتب ويترجم منذ سن السابعة، ثم أيضاً نتيجة الانطفاء البطيء للبصر الذي دام لسنوات وكأنما الكينونة في حالة تحول من المرئي إلى اللامرئي، حتى دخل بورخيس الظلمات اللانهائية بعد أن تزود بما لا يحصى من الكتب، ورأى كل ما كان يمكن رؤيته، ثم انفتحت المتاهة واحترف الكائن مهمة التيه.
ويلاحظ أنه منذ الصغر لم يكن يراكم ما يكتب بل كان يتلف ما ينجز كلما أمعن في جنون التجربة حتى يصل إلى نص يتحمل المهمة الرحبة لذات تتعدد ومخيلة بلا تخوم. لقد ظل يهجس بكتابة تبحث عن ما يسميه «فلسفة مستقلة للأخلاق» بعيدا عن أي حمولات ميتافيزيقية، وقد أحسَّ أواخر عمره أنه وصل بالفعل لما ظل يبحث عنه في الكتابة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved