الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th January,2004 العدد : 42

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

وتلاشى ظلّها!!

عبدالمؤمن بن عبدالله القين
ليست هذه المقالة رثاء لشاعرة المقاومة الفلسطينية فدوى طوقان التي طالعتنا صحافة يوم الأحد 20/10/1424هـ الموافق 14/12/2003م بنبأ وفاتها عن عمر يناهز خمسة وثمانين عاماً، أقول: إنها ليست رثاء بقدر ما هي ذكرى مع شعرها النابض.. ولا يمكن أن أدعي هنا متابعتي لآخر إنتاجها، ولكنني على الأقل أحتفظ بعدد من دواوينها مثل: «وجدتها، وحدي مع الأيام، أمام الباب المغلق»، منذ اقتنائي لها في عام 1389هـ، 1969م.. وأبدأ هنا بسرد جزء من قصيدة «حياة» في ديوان «وحدي مع الأيام»، التي اقتسبت عنوان المقالة منها، تقول فدوى:
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر، وعود
***
حياتي، حياتي أسى كلها
إذا ما تلاشى غداً ظلها
سيبقى على الأرض منه صدى
يردد صوتي هنا منشداً:
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر، وعود
كانت الرؤية الشعرية عند فدوى طوقان تذوب في غمرات الإحساس، فتحملها نحو الماضي السحيق، فهي تقول في قصيدة «نار ونار» من نفس الديوان:
فها أنا أطفئ مصباحيه
وأعنو لغمرة إحساسيه
فتحملني نحو ماض سحيق
لطيف طفولتي الفانية
بأيامها المرة القاسية
وإذ أنا يا نار شيء صغير
يفتش عن نبع حب كبير
سدى، ويظل لقىً مهملا
فيمضي إلى
رواه، وفي أفقهن يطير
والسؤال هو: هل كان الماضي السحيق عند الشاعرة والذي عاشت فيه طفولتها، موتا هو الآخر يتجدد كل لحظة في حياتها مهما كان «لقىً مهملاً»؟ ولماذا يكون مهملاً؟ والإجابة «نعم، لأنه موت سابق لأوانه، فلا بد أن تهمله الشاعرة لتواصل حياتها، والبحث والتفتيش « عن نبع حب كبير»، ولتظل عين «الخيال الطليق السبوح» مبصرة محدّقة مراقبة لجموح الظلال. حيث تخاطب النار قائلة:
وإذ أنت دنيا غموض تلوح
لعين خيالي الطليق السبوح
فكنت رفيقة أوهاميه
ومسرح أحلام يقظاتيه
وأدفع نحوك جسما وروح
وأخشع قرب لظاك الجموح
وأمضي، وفي انجذاب عميق
أحدق مأخذوة بالحريق
وأرقب في سمرة وانذهال
جموح الظلال
ترجرج فوق الجدار العتيق
ويطول الوقوف ببقية القصيدة، ولكن ظاهرة مراقبة النار نفسها يكفي أنها أهدت إلى الشاعرة فكرة «جموح الظلال».. فأية ظلال هذه؟ إنها لا تثبت فوق «الجدار العتيق» ولكنها تترجرج.. وليتها استخدمت الفعل «تترجرج» بدلا من «ترجرج» فهو الصيغة الفعلية الواقعية الصحيحة لظلال النار التي أشعلتها إسرائيل فوق جدار القدس العتيق حينما أحرقت المسجد الأقصى.. وستظل «تترجرج» ظلال إسرائيل دون أن يكون لها ثبات ورسوخ أبديان، ولن تكون القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ولا بد أن يتطهر المسجد الأقصى من دنس الصهيونية بحول الله وقوته، فهو الذي وعد عباده المؤمنين بذلك ولن يخلف الله وعده..
إن العلاقة الوثيقة بين حياة الشاعرة بماضيها القصير وماضي القدس السحيق تتضح في المقطع السابق، والنار التي ترقبها في مدفأتها المنزلية هي نفس النار التي اشتعلت في المسجد الأقصى في السبعينيات الميلادية، وهنا نضع أيدينا على جوهر النضال في شعر فدوى طوقان.. وهذا الرأي قد يعارضه البعض، لأنه مقتصر على تحليل مقطعين من قصيدة من قصائدها، لكنه ربما يتعزز لو مضينا في تحليل بقية قصائد الديوان وغيره من الدواوين.. وهو رأي أرتاح إلى الذهاب إليه.
رحم الله الشاعرة، وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved