الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th January,2004 العدد : 42

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

النقاد واستخدام الأسلحة
لكل ناقد وجهة هو موليها، أينما يضرب بسوط النقد يمل إليه ما يريد على ما أملت عليه ثقافته، ونبوغ أدواته النقدية، وصهرها في قوالب واضحة لكل ناظر ومتابع، بطريقة النقد الموضوعي والمتزن، بعيداً عن الذاتية، بمسبار الذوق الرفيع، واستطاب روائع المنظوم والمنثور.
لكن ما يشكل على القارئ الفاحص، حين يرى من بعض النقاد تعدياً على تراثه الأدبي وما احتواه من أصالة، سواء أكان بنسق العبارة، أو انتقاء الكلمة، مبدياً أسفه على ما أتى به فحول عصر القدماء، أو لائمهم. متوقفا عند استخداماتهم الجائزة المهذبة لم يكتفِ بهذا النقد الحداثي على أدب القديم فحسب، بل ظهر لنا نقاد يفتركون أيديهم شِرَّةً على من سار على نهج القديم، واقتفى أعباقهم..
فهناك من النقاد من عاب على أدباء هذا العصر الناثرين منهم والناظمين، استخدامهم كلمات لم يعد لها استعمال في وقتنا الآني، فعصرها مضى ودرس، وما بقي سوى النغم منها والجرس.. هذه الأدوات مثل كلمة الخيل للحرب والسيف والرمح والترس والمنجنيق، وما ماثلها من أسلحة الحرب فيما قبل العصر الحديث.. وكان الشعراء يحرضون أقوامهم للإقدام والشجاعة لخوض الحرب، ذاكرين في شعرهم هذه الأسلحة لأنها كانت بين أيديهم آنذاك، وفي عصرنا لم يبق لها وجود.
فلا يحسن ولا يجمل بشاعر يأتي بها في منظومه أو منثوره والحديث للنقاد فهذه أسلحة لا تستعمل في حروبنا، ولم تكن دافعا إلى التحريض للقتال في زمننا، ولا يمكن ان يواجه مقاتل بسيفه دبابة، ولا برمحه ونبله صاروخا، وهذا عيب ونقيصة في انتقاء الكلمات المناسبة للحدث في زمن الحدث، بحد زعمهم.
وسألتفت إلى تفنيد قولهم وانتقادهم هذا بأن اللغة ما بخلت ولن تبخل بتنوع أساليبها وصورها والتفاتها وابنيتها وطرائق السبك والتلون فيها، وما الذي جعل اللغة متينة خالدة في وجه التيارات التي كانت تلوك لها أفظع الحيل للنيل منها واسقاطها، لكن متانتها وصلابتها صدت كل حاقد ومستحدث عليها.
لم يستخدم الأديب والكاتب في وقتنا هذا مثل هذه، إلا لغرض البلاغة وتبريق الجُملة، وإلا: لم وضعت البلاغة؟! فاستعار ألفاظا لأدوات لا تستخدم في حروبنا بأدوات حديثة لها الصولجان في رحى الحرب القديمة.. وهذا لا عيب به أن يرمز الكاتب بالسيف للقوة، وبالرمح للظفر والنيل من العدو..
لأن اللغة احتوت الحقيقة والخيال فصبتهما في قويلبٍ واحد أثرت بساتينها الغناء الوارفة، من المجاز والكناية والاستعارة، والتي تُعجز ببلاغتها مائل اللسان، وتبهر ضعيف البنان.
بهذه الأساليب تقوية للعبارة، وتناغم باللفظة، وتقريب للمعنى، وطبع للصورة في النفس المتذوقة.
هذه الكلمات وغيرها التي لم يعد لها استعمال معنوي، ما كان للنقاد ان يبخسوا ألفاظا عليها معول اللغة، ولسان العرب.
وما أريده من الناقد إلا ان يجعل نقده وتمحيصه في العيوب اللغوية بكل أنواعها النحوية أو الصرفية أو البلاغية أو العروضية، وما اخل بالكلام وانقص العبارة.
فإن كان جادا في نقده، فلا بد ان يقف قليلا عند الألفاظ القديمة، وان يعلم استعارتها إلى الأزمنة الحالية والقادمة، وألا يعمل على كسد وبخس أي لفظة تتعدى عصرها، وألا يضع المتاريس، وكل ما يعوق الشاعر عن إيراد لفظه الذي أراد ان يزين به قصيدته، أو يتم به عبارته.


عبدالكريم بن علي النقيدان
a700r@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved