Culture Magazine Monday  05/02/2007 G Issue 185
فضاءات
الأثنين 17 ,محرم 1428   العدد  185
 

استجواب!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

 

 

زيّن لي الخيال مرة أن أكتب سجالاً ساخناً دارت رحاه بين قارئ وكاتب هذه السطور عبر شبكة (الإنترنت).. فجاء على النحو التالي:

القارئ: عمْ مساءً يا أستاذ (..)

الكاتب: طاب مساؤك بكل خير. كيف اهتديت إلى موقعي؟

القارئ: من سأل لم يضلّ هل تأذن لي بمساحة قصيرة من وقتك للحديث معك حول منهجك في الكتابة؟

الكاتب: هاتِ ما عندك!

القارئ: إنني أقرأ جل ما تكتب..

الكاتب: ما أسعدني بذلك!

القارئ: ولكن لي أكثر من مأخذٍ عليك حول بعض ما تكتب، منهجاً وأسلوب طرح.

الكاتب: ولمَ لا! أنا سعيدٌ بالنقد ما دام يلتزم بشروط ثلاثة: دقة الرصد، وسلامة القصد، وأخلاقية الطرح!

القارئ: لن تسمع مني ما تكرهه بإذن الله. وأبدأ بالقول إنك تكتب بأسلوب لا أنكر جماله، لكنني أشك في قدرته على استقطاب مساحة عريضة من القراء ذوي القدرات المتواضعة في فهم قوالب اللغة وصيغتها الجمالية.

***

الكاتب: أما أنني (أكلف) كثيراً بصياغة ما أكتب، فحق لا أنكره، لكنني لا (أتكلف) قط فيما أكتب، فحق لا أنكره، لكنني لا (أتكلف) قط فيما أكتب.. وما ذكرته أنت تهمة أعتزّ بها، وشرف أتمناه، مؤكداً في الوقت ذاته حقيقة لا تغادرني أبداً، وهي أن لغتنا الجميلة تضم كنوزاً فريدة في مفرداتها وصيغها وقوالبها البلاغية، فما الذي يحول دون توظيف بعض هذه الصيغ والقوالب في التعبير عن هذا المعنى أو ذاك، ما دام استخدامها لا يقترن بتكلف في المبنى.. ولا غموض في المعنى؟!

***

القارئ: لكن هناك من القراء من قد لا يفهم ما تكتب بسبب اهتمامك بانتقاء مفردات اللغة وقوالبها الجمالية؟

الكاتب: فليكن الأمر كذلك وأحسب أنه لن يضير كتابتي أو يعيبها أن زيداً من الناس أو عمرواً لا يفهم أو (لا يريد) أن يفهم ما أكتب!

القارئ: ما الفرق بين الاثنين؟

الكاتب: الأول لا يفهم.. لأنه لا (يقوى) على الفهم، وله كل الحق أن يبحث عن كاتب آخر يكتب له ما يفهم! فالناس، كما تعلم، ليسوا سواء!

أما الثاني فهو لا (يريد) أن يفهم ما أكتبه.. بسبب اختلافه معي في بعض فرضياتي أو مسلماتي اختلافاً يجعله لا (يفهم) إلا ما كان متفقاً مع موفقه هو، وينكر ما سواه. ولهذا القارئ الحق أيضاً أن يفهم ما يريد.. ويرفض ما لا يريد وتلك مشكلته هو، لا أحد سواه!

***

القارئ: إذن، فلمن تكتب، ولماذا؟

الكاتب: بتجرد صريح: أكتب لمن يريد أن يفهم، ويملك القدرة على ذلك، لا لمن تسوِّغ له نفسه فهم ما يريد هو أن يفهم كيفما شاء!

القارئ: ها أنت تعجم لي ما أعربت! وترغمني على السؤال مرة أخرى: ما الفرق بين الاثنين؟

الكاتب: الفرق بينهما واضح وضوح الشمس في كبد السماء! الأول يفهم ويملك الحيلة لذلك، والثاني لا يريد أن يفهم، فليس لي معه حيلة ولا قضية!

***

ودعني هنا (أزيدك من الشعر أبياتاً) فأقول: الأول: يمنحك (تأشيرة دخول) إلى عقله ووجدانه دون قيد ولا شرط، متيحاً لنفسه بذلك خيار الاختلاف معك أو الاتفاق، تبعاً لهوية ومضمون الموقف الذي تطرحه. لا يلزم نفسه سلفاً بشيء، قد يبقيك في ضيافة عقله زمناً طويلاً.. وقد يختصر إقامتك فترحل.. وقد تستفز أنت فيه نزعة الكر والفرّ.. فينازعك في بعض ما تطرح مختلفاً في هذا، مجادلاً في ذاك، مصححاً أو مضيفاً بين هذا وذاك، لكن رده عليك.. واختلافه معك لا يغادر حدود العفة والفضيلة والجمال، وهذا هو الصنف الذي يتمناه كل كاتب يحترم قلمه.. وقارئه معاً.

***

أما الثاني فإنه يمنحك (تأشيرة دخول) إلى عقله، لكنها مقننة سلفاً بضوابط وشروط ومواقف مسبقة الصنع! ثم تعبر (حدود) عقله، إن قدر لك العبور، ويقترن عبورك بشعور فيه شيء من خوف وشيء من حذر، وشيء من قلق، وتظل عاجزاً عن التعرف على هوية الحدث التالي أو التنبؤ به!

***

والحق أنني لأزهد في قارئ كهذا يخضع كتابتي لمحاكمة ذاتية مسبقة، هو المدعي فيها والقاضي، وهو المحامي والشاهد.. وهو الخصم والحكم! وإذا لم يبق في الأرض سوى هذا النمط من القراء، فسأكسر قلمي.. وأودعه غياهب البحر!

***

القارئ: بقي لي مأخذ آخر عليك، استأذنك في طرحه!

الكاتب: أرجو، قبل كل شيء، وبعد كل شيء، أن تكون ممثلاً للصنف الأول من القراء. إما إن كنت خلاف ذلك.. فلا حاجة لي ولك في هذا الحوار!

القارئ: لو كنت خلاف ذلك، ما طرقت بابك محاوراً ولا سائلاً! لكنني، كما أسلفت، أقرأ جلَّ ما تكتب وأفهمه، فأتفق أو أختلف معك، لكنني أحياناً لا أفهم بعض ما تكتب.. ليس لسُقْمٍ في فهمي، ولكن لإفراطك أنت في إيجاز بعض ما تكتب!

***

الكاتب: أقر بالإيجاز في الكتابة لسببين:

أحدهما: أنني أكره الأطناب المخل، وإذا كان الكاتب يحسن التعبير عن فكرة ما في سطر أو سطرين، فلماذا يغرق القارئ ويقلقه بما هو أكثر من ذلك؟!

وثانيهما: أنني أحترم ذكاء القارئ وأزين له استنباط المدلول لما أكتب، ومن ثم منحه فرصة التأويل لذلك المدلول، لأنني في الأصل لا أطرح مواقف ثابتة ترفض التأويل، ولا يستطيع أي كاتب، مهما سما شأوه وعلا شأنه تميزاً في التعبير، أن يدعي ذلك! أما الأمور الاجتهادية أو (الخلافية) التي تتناول شؤون وشجون الناس والحياة، فأرى أن ما أكتبه، أنا أو سواي حيالها صواب يحتمل الخطأ، والعكس صحيح، اقتداءً بمقولة الإمام الشافعي، رحمه الله.

***

القارئ: لقد تعلمت منك اليوم.. ما لم أفهمه عنك منذ قرأت أول حرفٍ لك قبل سنين.. وليس لي من تعليق على هذا الحديث سوى الأمل في أن تستفز بكتاباتك القادمة عقولاً أخرى مثل عقلي.. كي تفهم ما فهمته اليوم منك وعنك!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5141» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة