Culture Magazine Monday  05/02/2007 G Issue 185
ذاكرة
الأثنين 17 ,محرم 1428   العدد  185
 

المكتبات العامة في المملكة ..
إطلالة تاريخية
محمد عبد الرزاق القشعمي

 

 

يذكر العلامة حمد الجاسر - رحمه الله - أن أول من فكر في إنشاء مكتبة عامة في نجد هو الشيخ مقبل الذكير، ولكنه لم يتمكن من تحقيق فكرته، وأن أول مكتبة عامة أنشئت هي مكتبة عنيزة التي تأسست عام 1359هـ تقريباً، وفي سنة 1364هـ أنشأ سمو الأمير مساعد بن عبد الرحمن مكتبة عامة في الرياض تضم أشهر الكتب (1).

كانت هذه المعلومة ختام مقال مطول للشيخ حمد الجاسر بجريدة (البلاد السعودية). ذات الشهرة الواسعة التي كان لها الدور القيادي بين الصحف بعيد الحرب العالمية الثانية، فهي التي خلفت جريدة (صوت الحجاز) التي توقفت أثناء الحرب بسبب شح الورق.

لقد استعرض الجاسر في مقاله (المكاتب في بلادنا) أشهر المكتبات العامة، وقال في مستهله: إنه يصعب معرفة أول مكتبة أنشئت بوجه الدقة، لعدم اهتمام متقدمي المؤرخين.. ولكننا نجد ذكراً لخزائن الكتب في مكة المكرمة في القرن الخامس الهجري.. وذكر أنه يوجد أمام المقام المالكي بالحرم المكي خزانة وجد بها كتاب المقرب ست مجلدات أوقفه الشيخ محمد بن عبد الله بن فتوح المكناسي وقد أوقفه في سنة 488هـ وجعل مقره خزانة المالكية.

وفي القرن السادس أمر ملك اليمن نور الدين بن صلاح الدين في سنة 594 هـ بإنشاء رباط في مكة، في أجياد، وأوقف فيه نفائس من الكتب ذكر منها: المجمل لابن فارس، والاستيعاب لابن عبد البر، وبقي هذا الرباط حتى القرن التاسع من أزهى أربطة مكة، وأحفلها بالكتب .

كما أوقف الأمير شرف الدين إقبال بن عبد الله الشرابي العباسي في سنة 641 هـ كتباً عظيمة في فنون مختلفة في مدرسته الواقعة على يمين الداخل من باب السلام المجاورة للحرم .

وفي القرن الثامن أمر ملك بلاد فارس السلطان شاه شجاع بإنشاء رباط تجاه باب الصفا أوقف فيه سنة 787 هـ كتباً، كما أرسل إلى الحرم المدني خزانة كتب مماثلة.

كما ذكر أن الشيخ أحمد بن سليمان التروجي المتوفى سنة 827 هـ أوقف كثيراً من الكتب في مكة وغيرها. كما أوقف الشيخ عبد الملك الكردي المتوفى سنة 827 هـ كتباً مماثلة. إلا أن أنفس المكتبات مكتبة مؤرخ مكة تقي الدين الفاسي والذي قال عنه: (.. فقد مكَّنته أسفاره المتعددة من جمع كتب عظيمة أوقفها واشترط في وقفه أن لا تعار لمكي، وقد حداه إلى هذا الشرط - فيما يظهر لي - ما قاساه من معاصريه من جحد لفضله ومزاحمة له في وظائفه مزاحمة أدَّت إلى حرمانه من بعض تلك الوظائف، وقد أسند النظر على مكتبته إلى أخيه لأمه الخطيب أبي اليمن النويري، وكان جاهلاً بالكتب فصار يعيرها للآفاقيين أجزاء ناقصة حتى تشتت أكثرها وذهب باقيها بوفاته سنة 845هـ ...) وذكر آخرين مماثلين.. وقال: (.. ولعل أول مكتبة عامة منظمة أسست في مكة هي المكتبة التي أوقفها الملك قايتباي في سنة 882هـ وجعل مقرها مدرسته المعروفة وعين لها خازناً براتب مقرر، وكان لها سجل لبيان كتبها، ويصف القطبي هذه المكتبة في عهده آخر القرن العاشر الهجري بقوله: ولقد استولت عليها أيدي المستعيرين وضيعوا منها جانباً كبيراً وبقي منها ثلاثمائة مجلد، ويصفها السنجاري في أول القرن الثاني عشر بأنها كانت فيما مضى من أجل ما يدخر من الكتب ومن جملتها رَبْعَةٌ مكتوبة بالذهب الخالص من أولها إلى آخرها بقلم الشعر بصورة قلم الثلث.. وقد ضاعت أكثر هذه الكتب لتداول الأيدي واستولى عليها في عصرنا من لا يحسن ذكره في كتاب، نظر الله سبحانه من نظر إليها!! ويروي السنجاري أنه في سنة 1107هـ جرت محاكمة ناظر تلك المكتبة حسين بن حبيب السندي بصدد الكتب المفقودة منها، وأن القاضي بعد أن اطلع على سجلها حكم على الناظر بنحو ستمائة قرش قيمة نحو سبعين كتاباً من الكتب المفقودة ..).

وقال: إن للقطبي المؤرخ مكتبة انتقلت بعد وفاته إلى ابن أخيه الشيخ عبد الكريم المتوفى سنة 1014هـ الذي جمع من الكتب أربعة عشر ألف كتاب، حسب رواية الشيخ محمد بن أحمد الصباغ في كتابه (تحصيل المرام).

أما القرن الثالث عشر الهجري فقد شهد إنشاء عدد كبير من المكتبات العامة الموجودة في الوقت الحاضر، فقد أمر السلطان عبد المجيد بإرسال خزانة كتب نفيسة تحتوي على 3653 كتاباً وضعت في أول الأمر بقبة العباس وهي قبة كانت في الساحة (الحصوة) الواقعة خلف بئر زمزم. وذكر أن كثيراً من تلك الكتب قد غرق بالسيل الغزير الذي هطل بمكة في 8-5-1278هـ.. وفي عام 1299هـ خصصت القبة الواقعة فوق باب الدريبة لحفظ الكتب، فنقل ما بقي من كتب السلطان عبد المجيد. ثم ضم إليها الكتب التي أوقفها الشريف عبد المطلب أمير مكة وكتب الشيخ صالح عطرجي أحد مدرسي الحرم.

وذكر أنه في سنة 1336هـ ضمت إليها المكتبة التي أوقفها الشيخ عبد الحق الهندي العالم الشهير. وفي سنة 1346هـ نقلت المكتبة التي أوقفها والي الحجاز محمد رشدي باشا المتوفى سنة 1292هـ من المدرسة الواقعة عن يمين الخارج من باب أم هانئ، وأضيفت إلى (مكتبة الحرم) التي أصبحت معروفة بهذا الاسم، منذ سنة 1357هـ وقال: إن هذه المكتبة هي أكثر مكاتب الحجاز كتباً، إذ تحتوي على 6894 كتاباً - الآن - وقد يتكون الكتاب الواحد من عدة مجلدات.

ثم عدَّد المكتبات الخاصة خارج الحرم المكي، وذكر منها ( مكتبة الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي (المولود سنة 1286هـ والمتوفى سنة 1355هـ) وتقع في قاعة الشفا بمحلة الشامية، وتحتوي على 1714 كتاباً، ومن نفائس محتوياتها تواريخ مكة المخطوطة.

ومن المكاتب (المكتبات) الخاصة في مكة مكتبة الأستاذ الشيخ عبد الوهاب الدهلوي الواقعة في بيته فوق الصفا، وفيها كثير من نفائس المطبوعات، ونوادر المخطوطات المتعلقة بتاريخ هذه البلاد..).

وتطرق في مقاله إلى ذكر مكتبة محمد ماجد الكردي (المكتبة الماجدية) وأنها تحتوي على نوادر المطبوعات، ونفائس الكتب الخطية، وقد تأسف على مصيرها إذ ماتت بموت صاحبها.

ومكتبة الشيخ عبد الله بن محمد غازي مؤلف كتاب (إفادة الأنام) في تاريخ مكة ومشاعرها في أربعة مجلدات ضخام، ومكتبة المدرسة الصولتية، ومكتبة الأستاذ الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع.

وفي جدة مكتبة فضيلة السلفي الجليل الشيخ محمد نصيف، ومكتبة الشيخ حسونة المغربي.

وفي الطائف ذكر مكتبة خاصة تقع على يسار الداخل من الباب العمومي لمسجد بن عباس التي كانت تحتوي الكثير من الكتب النفيسة، ولم يبقَ منها سوى القليل، وأكثر ما فيها من وقف على حلمي الداغستاني، وعبد الحفيظ وعثمان القاري أحد قضاة الطائف سابقاً.

أما عن تاريخ مكتبات المدينة، فقد ذكر أن ابن جبير قد أشار في رحلته أنه شاهد في الحرم النبوي خزانتين كبيرتين محتويتين على كتب ومصاحف، وقد أهدى ملك فارس إلى الحرم مكتبة جليلة.. وقال: (.. وقد اجتمع في الحرم النبوي كثير من الكتب، ولما احترق سنة 886هـ احترقت كلها... ولما بلغ الملك الأشرف قايتباي خبر هذا الحريق أمر بإرسال كثير من الكتب والمصاحف عوضاً عما احترق..).

ثم أشار إلى مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمة (حكمت) الذي أولع بالمطالعة وجمع نوادر الكتب، والذي جمع ما يقرب من عشرة آلاف كتاب، فأنشأ في سنة 1270هـ مكتبة في المدينة وأرسل إليها نحو ستة آلاف من كتبه.. وقال: إنه أراد أن يأتي ببقيتها بنفسه ليضعها في مكتبته فعاجلته المنية قبل ذلك، وبيعت الكتب الباقية بأبخس الأثمان، وقد أعجب بهذه المكتبة الكثير من الباحثين وذكر منهم (البتنوي) في رحلته سنة 1327هـ، والعلامة محمد كرد علي سنة 1330هـ.. وقد عد صاحب مرآة الحرمين - إبراهيم رفعت - في المدينة ثمان عشرة مكتبة تحتوي على 20774 كتاباً، منها 5404 في مكتبة شيخ الإسلام و 4596 في المكتبة المحمودية و 2063 في مكتبة بشير آغا، و 1659 في مكتبة السلطان عبد الحميد الأول.

واختتم مقاله بالإشارة إلى أحد سماسرة الكتب وهواة جمعها وهو الشيخ أمين بن حسن الحلواني، الذي جمع كثيراً من نوادر المخطوطات، ثم ذهب بها إلى أوروبا فباعها على مكتبة بريل بليدن في هولندا، وقد وضع المستشرق السويدي لندبرج فهرساً خاصاً لتلك الكتب طبع في ليدن سنة 1883م.

***

لإبداء الرأي حول هذا الموضوع، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5820» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة