Culture Magazine Monday  05/02/2007 G Issue 185
ذاكرة
الأثنين 17 ,محرم 1428   العدد  185
 

من راضي إلى أحمد

 

 

الأخ العزيز الأستاذ أحمد المهندس.. حفظك الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

داعياً الله تبارك وتعالى أن تكونوا بخير وصحّةٍ وتوفيق على الدّوام.. كم كان مُذهلاً وعجيباً وصادعاً نبأ وفاتي وانتقالي إلى رحمة الله في الآخرة التي سننتهي إليها جميعاً.. ولَكَم كنت أتمنّى صادقاً لو أن هذا النّبأ الصادع كان حقاً وصدْقاً.. فأنت الأخ العزيز الحبيب الذي اقترب منّي حتّى خالط الرّوح في زمن مبكر، تعلم أكثر من غيرك أنَّ أخاك طوَّف في الآفاق شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً.. وفي جهات أبعد وأعمق من الجغرافيا، حتّى أزهق الدروب والأجواء والموانئ، ولقي من الناس ما يلقاه الزّاهدُ من الجاحد، والعابدُ من الفاسد الكاسد اللئيم.. فأية شهيّة - بعد هذا - يمكن أن تكون قد بقيت في رماد النفس، وأية قطرة ما تزال تُغريني في ثُمالة الكأس؟!

قرأتُ مقالَك الذي بعثت به إليّ.. إنه مرثاةٌ مكتوبة بدموع الإخاء والوفاء، وليس بحبر كذلك الذي يكتب به الكتَبَةُ الأَدعياء من أولئك النَّفر الذين يزدحمون ويتزاحمون في صحافة هذه الأيام..

.. ما كان وفاؤك العظيم، وإخاؤك الكريم، إلاّ صحوةً لي من رقدة أسلمني إليها جحود الأخوة والأصدقاء والتلاميذ.. لقد كانت كلماتك التي أردت لها أن تكون عزاء للبقية الباقية من المحبين، بلسماً لي وأنا أقف الآن عند البرزخ المُفضي إلى غيوب النهاية ومجاهيل الأبدية.

والطّريف في الأمر أنني نُعيتُ إلى أهلي وأحبّائي، مرّتين ثِنْتَين في حياتي. المرّة الأولى عام 1955 حيث أصدرت الجريدةُ المقدسيّة التاريخية الشهيرة (فلسطين) ملحقاً كاملاً يتضمَّن قصائدَ ومقالاتٍ وخواطرَ في رثاء الشاعر الفتى الذي غاب، وهو دون العشرين من العمر، وكان يُبشِّر بعطاء شعري وأدبي جزيل!.. أمّا المرّةُ الثانية فهي تلك التي بشَّرتني بها أنت.. وأنا أقعد ناسكاً متماسكاً عند عتبة السبعين!

بورك بك يا أخي أحمد..

بورك بك أيها العزيز..

بورك بك أيها الوفيُّ الصفيُّ الذي تُبلسِم كلماتُه الوفيّة الصادقة جراحَ السنين.

ما كان أكرمك وأنْبلك وأنت ترثيني بكلماتٍ دامعةٍ وأنا بعدُ ما أزال أدبّ على تراب الحياة.

ما أسعدني برثائك إياي الذي قرأته حيّاً، وسأرحل وهو مذخورٌ في أعماقي.. إلى مجاهيل الحَتْم المُجاب.

شكراً يا أحمد.. وأطال الله عمرَك ومتّعك بشبابك وحياتك.

والله يحفظك ويرعاك.

أخوكم - راضي صدّوق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة