Culture Magazine Monday  05/03/2007 G Issue 189
فضاءات
الأثنين 15 ,صفر 1428   العدد  189
 

مساقات
تداخل الأجناس في بلاغيات النصّ المعاصر (2- 3)
عبدالله بن أحمد الفَيْفي

 

 

-1-

تحدثنا في المساقات الماضية عن المؤتمر الدولي الرابع للنقد الأدبي، الذي أقامته الجمعية المصرية للنقد الأدبي، في القاهرة، في الفترة من 1 نوفمبر إلى 5 نوفمبر 2006م، تحت شعار (البلاغة والدراسات البلاغية). ويعدّ ذلك المؤتمر من مآثر الأستاذ الدكتور عزالدين إسماعيل، رحمه الله، الذي ألمّ به المرض إبّان حضورنا المؤتمر، ليوافيه الأجل المحتوم يوم الجمعة 15 محرم 1427هـ = 2 فبراير 2007م.

وقد سقنا في المساق السابق طرفًا من بحث كاتب هذه السطور في المؤتمر، بعنوان القصيدة- الرواية: تداخل الأجناس في بلاغيات النصّ المعاصر (الحزام) لأبي دهمان: نموذجًا. وأشرنا إلى أن الجديد في (الحزام)، إذا ما قورن ب(سقف الكفاية) لمحمّد حسن علوان، أنه نصٌّ يتجاوز في شعريته أبعاد اللغة إلى البناء الرؤيويّ للنص، من حيث هو يتشكّل في نسقٍ تركيبيّ شعريّ، بدءاً من تراتب عناوين النص إلى تناولات كل عنوان. ذلك أن عناوين محتويات (الحزام) تتالى على النحو التالي:

- مدخل

- تراحيب

- زوجة زوجته

- الوليّ

- العالم الآخر

- أَخَواتي- ذاكرتي

- أسبوع المدينة

- قوس قزح

- ذاكرة الماء

- مدينة السحاب

- زمن الجنّ

- الخروف والكاتب

- التضحية

- خاتمة

لتحيل هذه العناوين، في دلالاتها المكتظة بالإيحاء، إلى رحلة السارد بين: الأسرة، فالقرية، فخصب المدينة، فالتحوّل، فالهجرة. لكن هذا الهيكل- مع بساطته ومنطقيته الواقعية هذه؛ البالغة حدّ السذاجة الفنية من وجهة نظر روائية- يكاد يحمل من الناحية الشعرية قالباً بنائيًّا لقصيدة عربية قديمة. وما على القارئ سوى أن يتأمّل هذه المفردات الشعرية، التي جعلها أبو دهمان عناوين لأجزاء (الحزام)، في تتابعها من المحتويات، ليلحظ أنّها في ذاتها تحمل من الترابط ما يشكّل علائق إيحائية شعرية، تطابق العلائق الموضوعية للقصيدة العربية الجاهلية التقليدية، تحديدًا. حتى إنّه لمن الطريف هنا أن يُجري القارئ مقارنة بين تسلسل هذه المحتويات بعناوينها وتسلسل محتويات تلك القصيدة، انطلاقاً من مطلعها، (مدخلها أو تراحيبها)، إلى عناصر الخصب، فمعادلات التضحية فيها. ومن هنا فإن بناء نص (الحزام) الموضوعيّ لا يكاد يختلف عن بناء معلقة امرئ القيس، أو عبيد بن الأبرص، أو لبيد بن ربيعة. حيث الانتقال بين عناصر الأرض والذكرى، فالتحول، والرحلة، فالتضحية، وصولاً إلى حكمة النص النهائية، وذلك حسب التراتب المعروف للمضامين في القصيدة الجاهلية، النموذج الأمّ للقصيدة العربية.

إلا أن أمر العلاقة بين نص (الحزام) والقصيدة الجاهلية لا يقتصر على البناء الهيكليّ للموضوعات، بل يتجاوزه إلى توظيف الأساطير العربية. ومن تلك الأساطير العربية ما يتعلّق بأسطورة (زواج القمر بالشمس)، ذلك الثنائي المقدّس في جاهلية العرب الوثنية، مكتملاً في عقيدتهم بوليدهما (عثتر أو الزهرة)، حسبما عبّرتْ عنه إشارات القصيدة الجاهلية. إضافة إلى عقائد عربية أخرى وأساطير عجّ بها شعرهم قبل الإسلام.

وذلك ما تتطرق ورقة البحث إلى تحليله بالتفصيل مقارنة بالقصيدة الجاهلية. إلى جانب ما تقف عليه من تحليل ظواهر من تداخل النصوص مع الشعر الجاهلي والإسلامي.

-2-

على أن البحث في شأن الجنس الأدبي ما يزال في النقد العربي جديدًا، ذلك النقد المنشغل إلى وقت قريب بقسمة حدّية للأدب إلى: شعر ونثر، دون النظر في التوالج بين الدائرتين، أو بين عناصر كل دائرة. هذا إضافة إلى ذلك التعليل العام الدارج من (أن التعرّف على الأجناس الأدبية وتحديدها أكثر صعوبة من الفنون الأخرى أو من الأجناس الخطابية غير الأدبية)، كما يذكر شيفير، جان ماري، (ما الجنس الأدبي؟)، ترجمة: غسّان السيّد، (دمشق: اتحاد الكتاب العرب، د.ت.)، 13 ولا يمكن عمومًا القطع بتصنيف واحد ثابت وتعريف محدّد لا يتغير للجنس الأدبي، فالجنس الأدبي كائن حيّ، لا ينمو فحسب، ولكنه أيضا يتغيّر من طور إلى طور، ذلك أن الأجناس الأدبية- بحسب كولب، كليتون، (1975)، (مشكلة التراجيديا كجنس)، جنس، المجلد الثامن،221 عن: شيفير، 21 -: هي (مؤسسات، يجب التخلي عن فكرة تعريفها، إلا بصورة جزئية وضمن سياقات خاصة). وتبعًا لذلك، فإن أسماء الأجناس الأدبية نفسها يجب أن لا تكون نهائية ولا ثابتة. فليس مصطلح (رواية)، مثلاً، الذي عبّر عن نوع سرديّ من النصوص في حقبة ما، صالحًا لاستيعاب دلالة التطوّرات في ذلك النوع، والتحوّلات التي مرّ بها- فضلاً عن تلاقحه وتوالجه مع غيره من الأنواع- في حقب أخرى، ممّا أدّى إلى انزياح معاييره السالفة أو انتقالها عمّا كانت عليه. بل لقد كان هناك التفات منذ وقت مبكر- لدى (ديوميد)، نهاية القرن الرابع، على سبيل المثال- إلى ما يُسمّى: (الجنس المختلط). يُنظر في هذا: جينيت، جيرار، (1977)، مقدمة للنصوص العظيمة، الذي أعيد طرحه (1986) في العمل الجماعي بعنوان: (نظرية الأجناس)، طبعة سوي، سلسلة (بوان)، ص109 عن: شيفير، ص25

ولقد أشار جان إيف تادييه Jean Tadi'e إلى ما أسماه ب(الرواية الشعرية)، معرباً عن أنه يمثل كسراً في قواعد الخطاب الروائي، وذلك حينما تتحول الرواية إلى شكل شعري بكل ما يميّز هذا الشكل من (تناسق) و(خفوت). لكن ما تحدّث عنه تادييه إنما يمثل صراعاً (بين الوظيفة المرجعية ذات الدور الإيحائي والتمثيلي، والوظيفة الشعرية التي تشد الانتباه إلى الشكل ذاته للخطاب). بحيث يغلب أحد الطرفين- الروائيّ أو الشعريّ- الآخر، ومن ثم تفتح (الرواية الشعرية) (في غنائها العميق الأساطير لمتعة الحواس، وتفتح الإحساس لفرحة الأساطير). أي أن ما سماه تادييه (رواية شعرية) تظل رواية كاملة الهوية، ولكنها توظّف الشعرية لأغراض روائية. فهي رواية كلّية، لا تتابع التفاصيل، وإنما وظيفتها رصد الحالة (1). ولعل خير نماذجها في السياق العربي (رامة والتنين) للخراط.

وفي المساق الآتي يتصل الحديث، بمشيئة الله.

(1) Tadie، Jean Yves، (1978)، Le r6ecit po'etique، (Paris: P.U.F)، 11. ويُنظر: بوعلي، عبد الرحمن، (1996)، المغامرة الروائية، (وجدة - المغرب: جامعة محمد الأول)، 248- 249

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5151» ثم أرسلها إلى الكود 82244

* (عضو مجلس الشورى) aalfaify@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة