Culture Magazine Monday  05/03/2007 G Issue 189
فضاءات
الأثنين 15 ,صفر 1428   العدد  189
 
لن نعيش في جلباب أمريكا
أمريكا من وجهة نظر المثقف السعودي * (2)
سهام القحطاني

 

 

فالعالم وفق ما يعتقد السيد بوش ينقسم إلى قسمين (خير وشر) هذا التقسيم اللاهوتي في ذاته، هو الذي يخدم ما سماه الزمل المشروع التوراتي العالمي، لأنه سيمنح أمريكا الحق في ممارسة تطهير العالم من الشر وإبادة الأشرار، ونشر النور (إن كل من لا يتفق معنا.. هو بالتأكيد عدو لنا وإن أقدس واجب علينا يتمثل في سحقه وإبادته، هذا يمثل حقا طبيعيا لنا في الدفاع عن قوى النور في هذا العالم المهدد بالظلام) (31، أمريكا وهيكلة الموت) ذلكم هو المنهج الأمريكي الذي يحاول الزمل أن يرتب مفرداته عبر (نظرية المنفعة) التي تتبناها أمريكا والتي تنطلق من إيجاد مبرر لتجويز الفعل الأمريكي للتطهير منذ الغزاة الأوائل لأمريكا وحكايتهم مع الهنود الحمر، وحتى الإرهاب وحكايتهم مع العرب والمسلمين، لذا فإن (الضمير الأمريكي كان يتعين عليه أن يجد مسوغات معنوية ونفسية تبرر له جوانب العنف والقسوة في مغامراته.... وهنا تأسس فكر... حتى تحول إلى مدرسة بأكملها...) (28 لماذا يكرهوننا) أما مبدأ تلك النظرية فيقوم كما يرى الزمل على (إن الله لم يخلق الأرض وما عليها عبثا، وإنما خلقها لبشر سواهم على مثاله، وإذا كان ذلك فإن هؤلاء البشر على مثل الإله مكلفون بما ينفع الأرض... وإذا كان نفع الأرض هو هدف البشر فإن الأقدر منهم على النفع هو الأحق بالقيام عليه) (28 المصدر السابق) وذلك المبدأ يعني بدوره تقسيم البشر إلى قسمين، قسم يشبه الله وهي إشارة إلى تيمة شعب الله المختار وهو المكلّف بتطهير الأرض وإبادة الأشرار والشياطين، والقسم الآخر من البشر هو الذي يجلب الشر يعني المضاد للقسم الأول، فالشيطان مضاد الله، ولذا لا نتعجب أن يكون شعب الهنود الحمر هم رمز الشيطان في التاريخ الأمريكي، كما يصفهم اليفر كرومويل، ومن يقتلهم (يدخل السرور والبهجة على... الله) وبعد الهنود الحمر يأتي العرب والمسلمون باعتبار أن (الإسلام ديانة شر) كما يرى القس فرانكلين جراهام ولذا يجب (الوقوف بوجه هذا الدين الذي يقوم على العنف) (19 المصدر السابق)، ويتجاوز ما يعتقده فرانكلين الحرية الشخصية، عندما يتبنى ذلك الاعتقاد رئيس وسياسة دولة مثل أمريكا وتُعمم كأداة تقويم لتشريعات وسلوكات الإسلام والمسلمين، فقد (تأثر بوش كثيرا بأفكار القس جراهام وأصبح واحدا من مريديه المقربين، وكان يبدو مقتنعا بما يردده جراهام من أن المسلمين هم الذين يشكلون الخطر الأكبر على عودة المسيح إلى الأرض... وقد دفعت هذه القناعة جورج بوش إلى الاقتناع الكامل بمقولات القس جراهام وابنه فرانكلين) (182 المصدر السابق) قلت إن النظرية النفعية التي يطرح الزمل مفرداتها تعني أمرين، تقسيم البشر إلى قسمين، والأمر الثاني قداسة ما تقوم به أمريكا من أفعال التطهير والإبادة نحو الشعوب التي تمثل الشيطان والشر والظلام، وهي أفعال تدخل السرور إلى الله، ولأنها شعوب غير قادرة على فعل ما ينفع الأرض والبشرية وفق ما يقتضيه منهج الرب، ولذا وجب فناؤهم لتحلّ محلهم شعوب قادرة على نفع الأرض والبشرية أي نشر الديمقراطية والعدالة والحرية والحضارة، وهو ما دفع الغزاة الأوائل لأمريكا من إبادة الهنود الحمر بحجة (وإذا كانت هذه الأرض في حوزة الهنود الحمر منذ نشأة الحياة، ولم يقوموا بحقها فإن مشيئة الله تتحقق بأن يحل محلهم من هو أقدر منهم) (29 المصدر السابق).

ذلكم كان منطق (الحجاج المتطهرين) الذين غزو أمريكا وأبادوا شعبها بكل أنواع الأسلحة بدءا بالبلطة ووصولا إلى الأسلحة الجرثومية، فهل العرب اليوم يتضمنون فرضية احتمال أن يكونوا هنود حمر القرن الواحد والعشرين؟ مقارنة يستحضرها بعض كتّاب العربية، فكم هو (مرعب أن يكون لأمريكا هذه السيرة الشريرة، ومرعب أكثر أن نراها اليوم وقد كثفت كل ما ارتكبته في ماضيها لتلقنه للعالم دفعة واحدة، كأن أمريكا اليوم تعيد اكتشاف الكرة الأرضية لتمارس فيها مسلسل القتل الرهيب، الذي أتقنت فنونه مع الهنود السكان الأصليين لتلك البلاد البكر.. فهل نكون، نحن الهنود الحمر العرب؟ من يدري؟) (ص9 - أمريكا بين الهنود والعرب نبيل خليل خليل) وخاصة أن هناك مشتركات بين الطرفين حسب ما يعتقده السياسي الأمريكي، فهما ممثلا الشر وعدوا الحضارة والديمقراطية، كما أن كليهما يملكان أرض الميعاد، وإن كان الغزاة الأوائل استطاعوا أن يحرروا الأرض الجديدة أمريكا أرض الميعاد الأولى كما اعتبرها الإنجلوساكسونيين من الهنود الحمر، وهو ما يعني أن (مطاردة مهاجري أوروبا للهنود الحمر في العالم الجديد الأمريكي مشابهة لما جاءت به التوراة في مطاردة العبريين القدماء للكنعانيين في فلسطين حسب ادعائهم، وقد أوجد التشابه في هذه التجربة قناعة وفلسفة ووجدانا متشابها ومشتركا بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية في العصر الحديث) (ص21 لماذا يكرهوننا) وهو ما يربط بين أمريكا وفلسطين والعرب والهنود الحمر، فكما حرروا أمريكا فعليهم اليوم أن يحرروا أرض الميعاد الثانية فلسطين من أيدي العرب والمسلمين (إن وسائل الإعلام الأمريكية تستمد غذاءها اليومي من الأساطير التلمودية حيث تمجد الكيان الصهيوني العنصري الغاصب زاعمة بأن قيام إسرائيل هو إرادة الرب لإنقاذ شعبه المختار من أيدي العرب والهمج الصحراويين والمسلمين، المتعطشين للدماء...، هذا الاعتقاد الرجعي ليس عقيدة الشارع الأمريكي.. بل هو أسلوب عمل للرؤساء الأمريكيين اعتبارا من ويلسون وروزفلت وترومان إلى رونالد ريجان مرورا ب(بوش الكبير) ووصولا إلى (بوش الابن) (7، 8 أمريكا وهيكلة الموت محمد مقدادي).

(لماذا يكرهوننا)؟ عنوان يبدأ من قمة الصراع، وعبارة لا شك أن لها دورا مؤثرا في رسم طريقة قراءة الخطاب في هذا الكتاب، وتتحكم في نوعية التأثير الذي يمهد ذهنية القارئ لاستقبال أفكار هذا الكتاب، بمعنى أن الكتاب منذ العنوان يشحن ذهنية القارئ بإيحاء تيمة الصراع مع أمريكا، الذي يطرحها الكتاب في مقدمته من خلال عرض أسباب الموقف العاطفي العربي ضد أمريكا الذي رصدته جريدة (وول ستريت) لتكون خلاصته، أن ذلك الموقف العاطفي هو نتيجة مواقف أمريكا من قضايا العرب في فلسطين، ومواقفها من تقويم السلوك الإسلامي وتعميمه تحت عنوان (الإرهاب) إضافة إلى حشر أنفها في الشؤون الداخلية للدول العربية وأخيرا احتلالها للعراق، كل تلك المواقف الأمريكية بحسب رصد (وول ستريت) التي يعرضها الكتاب هي أسباب كره العرب لأمريكا أو بتحديد أدق السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، هذا الوصف المبكر لعلاقة التوتر بين طرفي القضية، الطرف العربي والطرف الأمريكي، الذي يثيره العنوان، لا شك أنه أوقع الكتاب حينا في استطراد عاطفي، وتشنج في تقدير مسافات بعض المواقف والقرارات التي تتعلق بمفهوم الصراع بين الطرفين ومستوياته والخط البياني لتصاعده، فغلب الأسلوب الفضائحي على الأسلوب التحليلي لمعطيات الحالات المختلفة لذلك الصراع والمراحل التاريخية المتداخلة للعالم العربي الذي وسّعت فكرة، ظنها القارئ من خلال العنوان أنها تقتصر على طرفين محددين وحالة خاصة، أو ظن أن الكتاب سيقدم إجابة وتفسيرا لحيرة وعي المواطن العربي لماذا يحدث ما يحدث؟ فإذا بالكتاب يُدخل رؤوسنا نافذة صندوق الدنيا لنشاهد الماضي والحاضر والمستقبل، على العموم لم تكن مشاعرنا ونحن نحشر رؤوسنا داخل تلك نافذة بمفرحة أو كأقل تقدير مرضية لنا، ونحن نشاهد ماضيا مؤلما وحاضرا كئيبا ومستقبلا مجهولا، وأمة مكشوفة الوجه والجسد والعورة يتجمع عليها الذباب ويضاجعها كل عربيد.. كما لا يعني أنني أنكر طبيعة ذلك التوتر أو أنفي فكرة الصراع بين الطرفين أو أشكك في فكرة المؤامرة، إنما اعتراضي على عرض الفكرة في صورة مضطربة وعصبية وهي حالة عادة ما تضيّق مساحة الرؤية واحتمالات التأويل.

على العموم ليس مقصدي نقد الكتب المطروحة في هذا المحور، بل عرض رؤية أصحابها فيما يتعلق بهذا الموضوع، وهذا لا يعني أنني سأتجاهل وجهة نظري إذا احتاج الأمر ووجدت لها مكانا مناسبا، بحيث لا تسبب إقصاء لرؤية أو محاكمة وجهة النظر المعروضة.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

*من دراسة العقل السعودي في الميزان.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة