Culture Magazine Monday  05/03/2007 G Issue 189
فضاءات
الأثنين 15 ,صفر 1428   العدد  189
 
الرواية السياسية في الأدب السعودي (2-2)
فريال الحوار

 

 

لقد واكبت الرواية السياسية في الأدب السعودي، مثيلاتها في الأدب العربي في عرضها لقضية فلسطين عرضاً موسعاً، إلا أن الرواة في كل بلد عربي كانوا يرصدون عمليات التحول السياسي وتأثيرها على أفراد أمتهم، وأخذوا ينادون ببعض القضايا المتعلقة بهذه التحولات مثل الحديث عن حرية القول والعمل والإقامة والحياة الهانئة وغيرها.

وقد خطا الرواة في مصر والعراق وسوريا والأردن والجزائر وبعض البلدان العربية الأخرى خطوات واسعة في هذا اللون. وكانت الحرية السياسية في الوطن العربي هي مصدر وأساس هذه القضايا التي عرضوا لها، فيما لو علمنا أن مشكلة الحرية السياسية في الوطن العربي، مشكلة متأصلة في التاريخ السياسي العربي منذ أربعة عشر قرناً، عندما أعلن معاوية بن أبي سفيان الخلافة وحدد مفهوم الحرية السياسية، الذي ما زال قائماً إلى الآن بقوله: (نحن، لا نحول بين الناس وألسنتهم، ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا، وقد كتب الروائي الأردني مؤنس الرزاز ثلاث روايات (إحياء البحر الميت) و (اعترافات كاتم صوت)، (متاهات الأعراب في ناطحات السحاب). تعرض فيها للظاهرة السياسية الخطيرة في العالم العربي وهي الدكتاتورية، وقد انتقد هذه الظاهرة نقداً علمياً واقعياً وصادقاً، يستند إلى معرفة حقيقية وتجربة شخصية معهم، فهو يقرأ ما كتبه الكرباج على ظهره، لا على ظهور الآخرين فقط ويكتب، ومن هنا كانت واقعيته الحميمة الأليفة والموجعة في الوقت ذاته.

وقد أرخ يوسف إدريس في روايته (قصة حب) للحركة الوطنية والكفاح المسلح الذي كان دائراً في مصر ضد الاحتلال البريطاني في الخمسينات وفي روايته (البيضاء) صور علاقة الحزب بالسلطة في صراعه من أجل الحرية فقد كانت علاقته سيئة لأبعد حد، بالرغم من أن الصراع الذي كان قائماً كان بين حزب يناضل من أجل الحرية وسلطة جاءت من أجل تحقيق الحرية ممثلة بحركة 1952م إلا أن الدكتاتورات تأكل بعضها.

وقد كتب الروائي الجزائري الطاهر وطار رواياته السبع:

(رمانة)، (اللاز)، (الزلزال)، (الحوت والقصر)، (عرس بفل)، (العشق والموت في الزمن الحراشي - وهي الجزء الثاني من اللاز) و (تجربة عشق) راصداً فيها الواقع العربي في الجزائر رصداً روائياً تاريخياً واقعياً وسجل عبر رواياته هموم وتغيرات وطموحات وآمال هذا المجتمع الذي خرج ظافراً منتصراً، من معركة الحرية بعد نضال استمر 30 عاماً قدم خلالها مليون شهيد. وقد بشر الطاهر وطار في رواياته ليس بالحرية الإنسانية فقط من حيث إنها حرية سياسية، ولكنه يبشر أيضاً بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية، تحقيقاً للحرية العامة من خلال مبادئ الثورة الجزائرية وفلسفتها في الحرية الإنسانية، التي تمثلت في المبادئ التي تشكل فلسفة الزعيم (أحمد بن بله) في الحياة والإنسان وعند متابعة (الرواية السياسية في الأدب السعودي) نجد الأمر مختلفاً، فقد شهد المجتمع هنا هذا التحول، لكنه لم يكن ضد استعمار أجنبي بغيض وإنما كان - أي التحول - صادراً عن رغبة أكيدة في الجمع بين أطراف هذه الأرض، وضمها تحت شعار واحد وعلم واحد باسم المملكة العربية السعودية، وعند البحث عن الرواية التي عالجت هذا التحول في مراحله الأولى لا نجد لها أثراً، ولهذا فالمؤكد هو تخلف الرواية عن الشعر في هذا الجانب إذ أفاض الشعراء في الحديث عن وجود الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ودخوله الرياض، وضمه المناطق الأخرى حتى اكتمل بها هذا الوطن الكبير، وربما كان ذلك راجعاً بالدرجة الأولى إلى عناية البيئة العربية في السعودية بالشعر على حساب بقية الفنون.

وعندما عرض الروائيون في البلدان العربية الأخرى إلى أثر التحولات السياسية على أفراد الأمة، نرى أنهم يوظفون الرمز أداةً وأسلوباً له، وقد جاراهم في ذلك واحد من الرواة الذي ينتمون إلى السعودية بالاسم والجنسية وهو عبدالحرحمن منيف الذي تساير رواياته بما يكتبه بعضهم مثل عبدالرحمن الربيعي، حيث يعتمد كل منهما على المذكرات التي يقولان إنهما يغترفان منها، فضلاً عن الموافقات الأخرى مثل استعمال الرمز، فقد كتب عبدالرحمن منيف خماسيته (مدن الملح) وفي جزء منها (بادية الظلمات) تعرض لتاريخ جزء من الصحراء العربية، وكيف نشأت به دولة، بعد أن كانت أراضي الدولة في البداية مناطق نفوذ فردية تحت إشراف حكام محليين و(بادية الظلمات) ترصد التغيير الاجتماعي وتبدل التركيب الاجتماعي الذي طرأ على مجتمع موران.

فبعد أن كان هذا المجتمع مجتمعاً بدوياً بسيطاً متقشفاً، يعيش على الكفاف (التمر واللبن) ويسكن في بيوت الشعر، في صحراء واسعة شاسعة حرة الأبعاد والمساحات، والمسافات، فأصبح الفرد من طبيعة هذه الصحراء: حراً، سيداً، بسيطاً تغير المجتمع من البداوة بكل عفويتها وطهارتها، إلى المدينة بكل مشاكلها وتعقيداتها وطابعها الاستهلاكي المدمر وأخلاقياتها.

وهذه النقلة من مجتمع البداوة إلى المجتمع المديني هو أهم ما جاءت به (بادية الظلمات) والأجزاء الأخرى من (خماسية مدن الملح) فالقيم الجديدة والأفكار الجديدة لا تولد إلا من خلال التغيير، سواء كان هذا التغيير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ هو من صالح الأفكار الجديدة والقيم الجديدة التي لا بد لها في النهاية من أن تفرض التغيير الشامل لصالح الحياة.

وهذه الأفكار، والقيم الجديدة، التي سرت في شرايين (بادية الظلمات) وفي باقي أنحاء جسم الخماسية عسى أن تكون أرضاً صالحة للتغيير.

وقد قدم غالب حمزة عدداً من الروايات التي تجمع بين التاريخ والسياسة والإعلام وأبرزها دلالة في هذا الجانب رواياته (الشياطين الحمر) و (غرباء بلا وطن) و (احترقت بيروت) فقد وظف فيها قدراته الإعلامية وتميز في هذا اللون وتفرد فيه وقد تحدث في لقاء معه عن دور الرواية وما تقوم به فقال (تساهم الرواية السعودية اليوم في كتابة التاريخ السياسي للأجيال القادمة مما يخلق بلا شك روحاً جديدة معاصرة تمنح العمل الجيد الانطلاق والتحليق والخلود أيضاً) (3).

لكن يلاحظ أن روايات غالب حمزة سواء كانت سياسية أم تاريخية أم اجتماعية أم عاطفية فهي تتخذ من بعض العواصم العربية والأجنبية مسرحاً لأحداثها، حيث يصحب شخوصه إلى تلك البلدان، ويعرض لبعض القضايا الإعلامية التي نجدها في صفحات الحوادث وغيرها، أما القضايا الساخنة في بلده فلا يعرض لها ولا يتحدث عنها.

فروايته (غرباء بلا وطن) رواية سياسية إعلامية تجري أحداثها في القاهرة، أما رواية (المسيرة الخضراء) فيعرض في أحداثها لمشكلة الصحراء الغربية، ومحاولة دولة المغرب استرجاعها بعد أن تدخلت في أطراف أخرى.

وقد انتقل المؤلف بقلمه إلى اقليم عربي آخر، فكتب روايته (واحترقت بيروت) التي جعل مسرح أحداثها (لبنان) والصراع الدائر بين أبنائها الممثل في طوائفه السياسية والدينية المختلفة في ربيع 1974م، وأشرك معهم ضيوفهم الفلسطينيين ولعل الملاحظ في هذه الروايات ارتباطها بالإعلام وابتعادها عن البيئة المحلية.

إن الرواية عمل أدبي يتأثر بالمجتمع، ويؤثر فيه ويعبر عنه من نواحٍ عديدة، ولكن هذا الدور لم ينهض به الرواة السعوديون نهوضاً تاماً إذ إنهم لم يلتفتوا إلى التراث الحاضر أمام أبصارهم، وإلى الصحراء والبادية، وإلى التاريخ الحافل الذي شهدته هذه البلاد إبان توحدها، ولم يستلهموا من كل ذلك أروع القصص والروايات.

فالرواية السياسية المحلية - حتى الآن - لم تصل إلى مرحلة الازدهار، وما زالت تمشي على استحياء وإن انتشارها ضعيف أو متوسط، وإن عدم الازدهار يرجع إلى عدة أسباب منها: طبيعة البيئة الاجتماعية، فمجتمعنا (لظروفه الخاصة) لا يفضل التعرية والنقد، ويرفض الأدب المكشوف، ولا يخفى على القراء الجدلية و النقاشات الحادة التي قامت حول روايات الدكتور الحمد - والبعض - كفره وطالب بإقامة الحد عليه.

-2- تأخر ظهور فن الرواية، إذ إن البداية الحقيقية تعود إلى عام 1959م والمقرونة بظهور أول رواية ناضجة وهي (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري، وهذه الفترة تعد قصيرة من ناحية التجريب الروائي، كما أنها لم تتمخض عن تحولات عديدة في عمر الحياة الاجتماعية يمكن رصدها وتكثيف النشاط الروائي حولها - 3 - تأخر بدء التعليم، فازدهار التعليم يرفع من نسبة الزيادة في عدد الكتاب وعدد القراء أيضاً - 4 - انشغال كثيرة من الأدباء بالشعر والقصة القصيرة، وقد صرفهم هذا - إلى حد ما - عن كتابة الرواية -5 - قلة الاطلاع على الآداب الأجنبية، وضعف الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى -6- احتياج الكاتب إلى التشجيع، والعناية بطبع كتبه ونشرها فأغلبية الكُتَّاب يطبعون نتاجهم في الخارج ويوزع في الخارج أيضاً.

(3) مجلة اقرأ العدد 376 ص 53


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة