Culture Magazine Monday  05/03/2007 G Issue 189
مداخلات
الأثنين 15 ,صفر 1428   العدد  189
 

قراءة وتأمل
في فكر البدوي الحكيم

 

 

أذكر أنني حاولت قبل عدة سنوات أن أقرأ كتاب (حاطب ليل ضجر) للشيخ عبدالعزيز التويجري وقد انتهت هذه المحاولات بقراءة عدة صفحات لا تتجاوز عشرين صفحة فخرجت صفر الفهم - لا صفر اليدين - فلم أفهم تلك اللغة الجافة والتراكيب الصعبة المغرقة في الغموض بل المزعجة لي - في حينه - لأنها تحتاج إلى فهم واسع وإدراك شامل للغة وتعابيرها ومصطلحاتها وخواطر النفس وهواجسها وأغوارها، كما أنها تحتاج إلى عناء وكد للذهن في فهمها واستيعابها والإلمام بمضامينها.

ولا أدعي لنفسي - بعد قراءة بعض كتب التويجري - الفهم الكامل والإلمام بهذه التجربة القاسية وهذا الإبداع الذي هو وليد عقل التويجري ووجدانه وفطرته - كما عبر عن ذلك مقدم كتاب (حاطب ليل ضجر) د. زكي نجيب محمود - فما زلت أجد بعض الغموض في هذه اللغة الصعبة، الحائرة حيرة المتلهف لمعرفة السبيل للخروج إلى النور واليقين.

تساؤلات لا تنتهي.. ظمأ دائم وحيرة وشوق للماضي بكل صعوبته وخشونته.. وأوراق وذكريات مرهقة هي مزيج بين فلسفة المعري وحكمته وصرامة العقاد وعصاميته.

يقول:

(مشيت في الصحراء على قدمي عشرات السنين إلى أن تورمت وقالت: لقد تعبنا وتعبت معنا كل الأعضاء، وعندئذ ساءلت نفسي: أعند هذا انتهى كل شيء، فأقعد كالحجر أنتظر النهاية أم ماذا؟)، ويقول أيضاً:

(ولادة العصر لم تنجب غير المعاناة في بيداء عاصفة بالهموم والضنى).

لكن هذه الحيرة وهذا الضنى ليست حيرة ضال أو أنين غافل بل عصارة تجربة مريرة عاشها الكاتب عبر أجيال متعددة كان أبلغها أثراً وأعظمها عمقاً ورسوخاً في القلب والذاكرة ما عاشه في الماضي من شظف العيش وكدح الحياة.

ورغم أن الكاتب ينعم بعيش هنيء - حالياً - وله منزلة مرموقة في المجتمع إلا أن الماضي بكل عنائه وخشونته حفر في ذاكرته الأرق والألم فأصبح يبكي كما يقول (بكاء أرض عطشى).

هذه التجربة القاسية والذاكرة الغنية بتجارب الحياة والإرث اللغوي الواسع الذي جعل اللغة طبعة لوصف هواجس النفس وخطراتها وآلامها رغم أنها تمتح من معين واحد (الألم) إلا أنها تشكل همسة من كتاب حياته الذي لم يكتب منه إلا أسطراً قليلة.

ولنعود إلى أفكاره وآرائه التي تؤكد إيمانه وخشيته من الخالق - سبحانه وتعالى - لندعم ما ذكرناه من أن حيرته ليست حيرة ضال يقول:

(ليتني أعود إلى الطريق التي مشيتها وأرى كل خطيئة واقفة لي على الطريق تقول لي: ويلك إن لم يغفر لك خالقك..!! والخطايا والذنوب في إحساسي اليوم أخذت حيزاً كبيراً من تفكيري وهو إحساس أحاول ألا أفتقده إلى أن أذهب إلى خالقي فعسى أن يشفع لي ذلك وأرجو ألا يكون لإنسان عندي مظلمة أو حق تجاوزت عليه، إذا سلمت من هذا إن شاء الله فما بيني وبين خالقي غير الأمل بالرحمة والغفران والستر).

وأقرأ ما يقوله في تفضيله للفقر على الثراء الذي يكون مصدره الربا:

(أبويّ: أأنا الإنسان الوحيد الذي يصاب بالأوجاع والآلام كلما طال به السفر على مطايا هزيلة، ضنت عليها سحب الوعي أن تروي عطشها وعطشي أرضها فتربع..؟ أأنا تائه في أسفاري فأعود قصيداً لربة البيت.؟ إذا ضاقت حيلتي وضاقت يدي بما في جيبي وقالت عني: مفلس، أأرابي بالغالي عليّ والعزيز حتى يمتلئ جيبي ويكون ثرياً..؟).

ولعل الرأي الذي طرحه الأستاذ عبداللطيف الأرناؤوط - جريدة الرياض 13086 بتاريخ 3-3-1425هـ - كتفسير للدافع الذي جعل التويجري يسترجع لحظات الزمن الهاربة باحثاً من خلالها عن طفولته وشبابه يعتبر هذا الرأي فيما أعتقد أقرب إلى الدقة والصواب حيث يقول:

(ولا تفسير لذلك إلا الحنين إلى نقطة البدء، فالشيخوخة أقرب نقطة إلى الطفولة في دائرة الحياة، إذ يتجاوز المبتدأ والمنتهى، ومن نافذة الزمن يطل الشيخ على كوة الولادة، فيزيح عن كاهل عبء السنين، وعبث الحياة ومرارتها ليستصفي جوهرها، وأجمل ما فيها، براءتها وعفويتها واستسلامها لبارئها).

للشيخ التويجري كتب قليلة جداً مقارنة برصيده المعرفي وتجربته الواسعة:

- أجهدتني التساؤلات معك أيها التاريخ.

- خاطرات أرقني سراها.

- في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء.

- حاطب ليل ضجر.

- رسائل إلى والدي.

- لسراة الليل هتف الصباح.

- أبا العلاء: ضجر الركب في عناء الطريق.

- رسائل خفت عليها من الضياع.

عبدالله مداري الحربي الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة