الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th April,2004 العدد : 53

الأثنين 15 ,صفر 1425

أعراف
السياب شاهداً
محمد جبر الحربي

أهدِفُ من إعادة نشر هذه القصيدة للشاعر العربي الكبير بدر شاكر السياب (ابن الشهيد) الوصول إلى عدة أمور، وهي باختصار شديد، وامّا احتاجوا خلاصة مفيدة لو كانوا يعلمون:
1 الرد على الكلاسيكيين (لعلها تسمية موفقة) الذين وقفوا ضد موجة الشعر الحديث بصفته فقير لغة، أو هادم لها، وأكثرهم موهبة لا يستطيع الإتيان ببناء فني كهذا.
2 الرد على مروِّجي موجة النثر ممن هب ودب واغلبهم غريبون عن الشعر، من حيث استحالة كتابتهم (لنص) كما يقولون واعني لشعر مثل هذا، أو قصيدة مثل هذه، أو لو احسنا الظنَّ إمكانية فهمه لغوياً، وموسيقياً.
3 الرد على من يريدون إفراغ الإبداع من قيمته العليا خصوصاً في الفترات الحرجة من تاريخ الأمة والانتقال بنا إلى صوالين المتعة، أو قنوات الاستمتاع.
4 الرد على نقاد النكبات الذين يريدون محو الشعر العربي الأصيل، أو نفيه، والقول ان هذا ليس زمنه.
5 التذكير بشهدائنا الذين يسقطون كل يوم.. وبالعشرات على تراب هذه الأمة العربية الإسلامية الطاهر.
6 التذكير بأن الإبداع همٌّ وقضيةٌ وجمال.. لا قضايا خاسرة تهدف أكثر ما تهدف إلى التغييب، أو أنها تصدر عن أناس لا قضية لهم وامتهم تهدد صبح مساء.
ابن الشهيد
وتراجع الطوفان، لملم كل أذيال المياه
وتكشّفت قمم التلال، سفوحها،
وقرى السهول،
أكواخها وبيوتها خرب تناثر في فلاه.
عركت نيوب الماء كل سقوفها ومشى الذبول
فيما يحيط بهن من شجر.. فآه
آهٍ على بلدي، عراقي: أثمر الدم في الحقول
حكا، وخلّف جرحه التتري ندباً في ثراء.
يا للقبور كأن عاليها غدا سفلا وغار إلى الظلام
مثل البذور تنام في ظلم الثمار ولا تفيق
يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام،
حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق
جثث هنا، ودم هناك..
وفي بيوت النمل مَدَّ من الجفون
سقفٌ يُقرمِدُهُ النجيعُ، وفي الزوايا
صُفْر العظام من الحنايا
ماذا تخلف في العراق سوى الكآبة والجنون؟
أرأيت أرملة الشهيد؟
الزوج مد عليه من ترب لحافاً ثم نام
متمدداً بأشد ما تجد العظام
من فسحة: سكنت يداه على الاضالع،
والعيون
تغفو إلى أبد الإله، إلى القيامة: في سلام
رمت الرداء العسكري ونشرته على الوصيد
لثمته، فانتفض القماش يرد برد الموت،
برد المظلمات من القبور
يا فكرها عجباً.. ثقبت بنارك الأبد البعيد،
يا فكر شاعرة يفتش عن قواف للقصيد
ماذا وجدت وراء أمس وعبر يومك من دهور؟
الثأر يصرخ كل عرق، كل باب
في الدار يا لفم تفتَّح كالجحيم.. من الصخور،
من كل ردن في الرداء، من النوافذ والستور،
من عيني ابنك، يا شهيد، تسائلان، بلا جواب،
عنك الأسرة والدروب، وتسألان عن المصير،
مذ البسته آلام ثوبك في مُعَاركَك، الأثير
ويداه في الردنين ضائعتان، والصدر الصغير
في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب
ورنا إلى المرآة.
ابصر فيه شخصك في الثياب
أَبُنَيَّ كان أبوك نبعاً من لهيب، من حديد،
سوراً من الدعم والرعود،
ورماه بالاجل العميل فخر واهاً كالشهاب،
لكن لمحاً منه شع وفض اختام الحدود
وأضاء وجه الفوضوي ينز بالدم والصديد
وكأن في أفق العروبة منه خيطاً من رغاب
وتنفس الغد في اليتيم ومد في عينيه شمسه
فرأى القبور يهب موتاهن فوجاً بعد فوج
اكفانها هرئت
ولكن الذي فيها يضم اليه أمسه
ويصيح ( يا للثأر.. يا للثأر)
يصدي كل فج
وترنّ أقبية المساجد والمآذن بالنداء
وينام طفلك وهو يحلم بالمقابر والدماء.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved