الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th April,2004 العدد : 53

الأثنين 15 ,صفر 1425

التسوّل بالنقد..
العشرة حين تقول للألف: أنتَ سرقتَ مني صفرين!
دعاوى قتلت أصحابها..!
عبد الله خميس

الدعاوى ما لم يقيموا عليها
بيِّناتٍ أصحابها أدعياءُ
علَّمنا ربنا أن نقدِّم البيَّنة والبرهان عند أية دعوى:{قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، غير أن بعض من يحمله الطمع لمال أو مكانة يريد أن يتسلَّق على أكتاف الآخرين؛ لينال حظاً من دنيا أو نصيباً من جاه.
وفي العدد (50) من ملحق الثقافية بجريدة الجزيرة نشر الأستاذ عبد الله السمطي مقالاً خطيراً يتهم فيه الدكتور عائض القرني بسرقة كتاب (قصائد قتلت أصحابها) من كتاب آخر بعنوان (شعراء قتلهم شعرهم) لسمير فراج.
ولقد عنّاني أن أقرأ ما كتبه السمطي حديثُه عن (المنهج الصرف) الذي سيتبعه في تناول الموضوع، فظننت أنني سأقرأ كلاماً علمياً دقيقاً، إلا أنني رأيته يوجه التهمة تلو التهمة، فيتحدث عن (وقوع الحافر على الحافر)، ومحاولة القرني (التعفية على الأثر).
وبين يدي هذا الموضوع أود أن أؤكد على أنني لا أكتب مقالي هذا تزلُّفاً للشيخ القرني أو بغضاً للأستاذ السمطي أو الأستاذ فراج، وإنما دافعي للكتابة هي الحقيقة، بعيداً عن الأشخاص، وبعيداً عن المجاملات، وقد صدق القائل: (فإنه يكاد يكون الإحساس بالحق ونصرة العدل من فطرة البشر، ومن هنا نرانا نهلل للعدل ونمقت الجور، سواء أكنا نحن المعنيين بالجور والعدل، أم كان المعني غيرنا)(1).
وفيما يلي مناقشةٌ للأستاذ السمطي فيما طرح من تشابهات وتطابقات بين كتابي (شعراء قتلهم شعرهم) لفراج، و(قصائد قتلت أصحابها) للقرني، آمل أن يتسع لها صدره:
أولاً: في الموضوع والعنوان
لا مبرر للحكم الذي أطلقه الأستاذ السمطي بدعوى تشابه العناوين عندما تتناول موضوعاً واحداً؛ فهذا أمر وارد، فعلى سبيل المثال كم من كتاب يتناول شعر الحرب يحمل عنوان (شعر الحرب)، خذ مثلاً: (شعر الحرب حتى القرن الأول الهجري) للدكتور نوري حمودي القيسي، و(قصيدة الحرب في التطبيق) لياسين طه حافظ، وهي جزء من كتاب، و(شعر الحرب في أدب العرب في العصرين الأموي والعباسي إلى عصر سيف الدولة الحمداني) للدكتور زكي المحاسني.. والأمثلة أكثر من أن تحصى.
وإذن فموضوعات الأدب العربي تتشابه عناوين المؤلفات التي تناولتها، وقد يأخذ لاحق عن سابق، ولا خلاف في أنَّ من يأخذ من مصدر ما عليه أن يذكره، وواضح أن الأستاذ السمطي قد تصفح الكتابين، ثم أطلق حكمه، لكن كان عليه أن يمعن النظر، وأن يأخذ نفسه بشيء من التأني، وأن يتبع المنهج الذي يوصله إلى حقيقة التشابه الذي وصل إلى حد التطابق في بعض المواضع كما يرى وكما مثَّل.
والسؤال: هل صدور كتاب قبل آخر في نفس الموضوع يعني دائماً أن الأول هو السبَّاق إلى الموضوع والثاني أخذ منه؟
إن كثيراً من المؤلفات تتشابه دون أن يأخذ مؤلفوها من بعضهم، ودون أن يطلع كاتب على ما كتبه غيره، بل إن كثيراً من الكتاب والباحثين لديهم مؤلفات لم يُسبقوا إلى موضوعاتها، ولكنها لم تنشر في وقتها، أو تأخرت في النشر، فسبقتها مؤلفات متأخرة عنها في النشر والصدور، فهناك ظروف ربما منعت أو أخرت صدور مؤلَّف ما.
وكون الموضوع واحداً في الكتابين، فهذا أمر لا حجة فيه على أن القرني أخذ من فراج، فموضوع قتل الشعراء بسبب أشعارهم قديم، وقد كتبت فيه مصنفات ودراسات منها كتاب (أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام وأسماء من قتل من الشعراء) لمحمد بن حبيب، وهو مما حققه عبد السلام هارون في نوادر المخطوطات، وذكره البغدادي صاحب (خزانة الأدب)، وسمى الشق الثاني منه (كتاب من قتل من الشعراء)، وكذلك في المصادر التاريخية والأدبية العامة وردت ترجمات هؤلاء الشعراء المقتولين وأخبارهم، وفي الدراسات الأدبية الحديثة اهتم المؤلفون بدراسة الشعراء وشعرهم وظروف قتل من قُتل منهم، وكثير من هؤلاء الشعراء خصصت بحوث لدراستهم(2)، فالموضوع ليس جديداً إلا من جهة أن كلاً من القرني وفراج أراد أن يخصه بكتاب مستقل، يتناول فيه عدداً من هؤلاء الشعراء الذين قتلوا بسبب أشعار قالوها.
ثانياً: في الشعراء
تضمن كتاب فراج دراسة (15) شاعراً، بينما تضمن كتاب القرني دراسة (10) شعراء، ثمانية منهم ممن ورد ذكرهم في كتاب فراج، وبهذا ينفرد فراج بـ(7) شعراء هم: (كعب الأشقري، عبيد بن الأبرص، أبو العبر، الكميت، أبونخيلة، مزاحم بن عمرو، امرؤ القيس)، والقرني بشاعرين هما: (صالح بن عبدالقدوس، ودعبل الخزاعي)، ومجموع الشعراء في الكتابين (17) شاعراً بعد حذف المكرر.
فالشعراء الذين اشترك المؤلفان بتناولهم (8) من أصل (17) شاعراً، ومجموع ما لم يشتركا فيه (9) شعراء، وعلى هذا فنسبة الشعراء المشتركين أقل من النصف. وأما الاتفاق والاختلاف بين المؤلفين من حيث الشعراء المختارين وترتيبهم، فهذا أمر طبيعي لا غرابة فيه؛ فأي دارس أو باحث في هذا الموضوع لن يخرج عن دائرة الشعراء المقتولين بسبب شعرهم، وهم أكثر بكثير من مجموع ما تناوله القرني وفراج، ومنهم المشهورون، ومنهم المغمورون، فمن المتوقَّع أن يختار باحث في الموضوع بعض الشعراء الأعلام المشهورين، أو من اشتهرت حوادث قتلهم، أو لاعتبار الأمرين معاً، وليست الشهرة هي الاعتبار الوحيد في الاختيار، فقد يجد الباحث في شاعر غير مشهور ما لا يجده في سيرة غيره، أو يجد في قصة قتله ما ينبغي أن يقف عنده ويظهره، فلكل باحث هدف معين، وعلى هذا الأساس كان اختيار الشعراء في الكتابين، ولهذا حصل بينهما تطابق في اختيار بعض الشعراء.
ثالثاً: في الترتيب
وأما مسألة الترتيب فهذه تابعة لمنهجي المؤلفين، ولا بد أن كلاً منهما وضع معياراً معيناً في تقديم شاعر على آخر؛ فاختلاف ترتيب الشعراء المشتركين بين الكتابين، لا يعني أن القرني خالف فراجاً بقصد (التعفية على الأثر) كما يقول السمطي ولكن منهج المؤلف في الكتاب وطريقته في الترتيب هما اللذان يحكمان هذا الأمر، ولذلك كان (المتنبي) هو الأول عند القرني والسابع عند فراج، وكان (هدبة) الأخير عند القرني والأول عند فراج، وهذا لا يعني أن صاحب الكتاب الثاني اتكأ على سابقه، أو أراد تعفية الأثر!
رابعاً: في الأمثلة والنماذج
وهذه هي الحجة التي اعتد بها الأستاذ السمطي في ادعائه بأن القرني أخذ من كتاب فراج ولم يشر إليه، يقول : (أمثلة كثيرة ونماذج عدة للتشابه بين الكتابين، يمكن ملاحظتها لأول وهلة عند تصفح الكتابين، أبرزها: النماذج الشعرية المختارة، وتتالى سرد الحكاية التي تتعلق بسيرة الشاعر مع تعديلات طفيفة وتشابه التعليقات على كل نموذج شعري مساق، فضلاً عن أن تلك الاقتباسات من المصادر والمراجع المختلفة هي نفسها تقريباً في الكتابين..).
وأقول: إن تشابه النماذج الشعرية المختارة أمر وارد، وليس مبرراً أو حجة تؤيد ما ذهب إليه السمطي، فكل واحد من الشعراء المذكورين قتل بسبب شعر قاله؛ بيت، أو أبيات في قصيدة، أو قصيدة بكاملها، فأي كاتب أو باحث يتعرض لشاعر مقتول بسبب شعره، لا بد له من الوقوف عند الشعر الذي قتل بسببه، فجميع الباحثين قديماً وحديثاً محكومون بالوقوف عند نص معين لا خيار لهم في غيره عندما يتعرضون لمقتل هذا الشاعر أو ذاك، فعلى سبيل المثال:
كان مقتل المتنبي بسبب قصيدته المعروفة التي هجا بها (ضبَّة)، وكتب التراث الأدبي القديمة والحديثة عندما تتحدث عن مقتل المتنبي تذكر قصيدته هذه، وما فيها من الفحش الذي كان سبباً في قتله، وقد يذكر الدارسون بيتاً أو أكثر، وربما يورد باحث القصيدة كلها، فهل يجوز بحال من الأحوال أن يُتهم باحث لاحق بأنه أخذ هذه الأبيات من باحث سبقه في التعرض لمقتل المتنبي؟!، هذا ما حصل في كتابي القرني وفراج؛ فموضوعهما واحد (الشعراء المقتولون بسبب أشعارهم)، فمن البديهي أن يُذكر الشعر الذي قتل صاحبه، وقد تختلف رواية الشعر من باحث لآخر، فالأبيات التي قتلت المتنبي قصيدة تقع في (39) بيتاً(3)، نجد منها في كتاب فراج (15) بيتاً، وفي كتاب القرني (17) بيتاً، وقد اختلف الاثنان في رواية الأبيات وترتيبها، وهذا راجع إلى اختلاف المصادر التي أخذا منها، والمنهج الذي مضيا عليه في كتابيهما.
خامساً: في سرد الحكاية
أما من جهة تشابه سرد الحكايات: فهذا مما عده الأستاذ السمطي من الأدلة على صحة ادعائه بأن اللاحق أخذ من السابق، وهذا ادعاء تنقصه الدقة؛ فهناك فوارق في التأتي للموضوع، وفوارق أخرى في تقديم الشعراء:
أأما القرني فقد التزم منهجاً محدداً مع جميع الشعراء في كتابه؛ وذلك في فقرات محددة: ترجمة الشاعر والتعريف به، والتعرض لمكانته الشعرية، وذكر شيء من شعره، ثم قصة مقتله والشعر الذي قتله.
بوفي كتاب فراج نجد كذلك التعريف بالشاعر، وذكر مقتله، وأحياناً يكتفي بوضع اسم الشاعر في بداية الفصل ثم يسرد سيرته إلى أن ينتهي إلى مقتله والشعر الذي قتله دون عناوين جانبيه، فيخرج الموضوع وكأنه مقالة متصلة(4).
وأنا هنا لا أفاضل بين المنهجين؛ فكل باحث يقدم موضوعه بالأسلوب الذي يراه مناسباً، وللقارئ بعد ذلك أن يحكم أي المنهجين أفضل وأيسر، لكنني أود أن ألفت النظر إلى بعض الملاحظات المنهجية في هذا الجانب؛ فكتاب فراج لا نجد فيه ترجمة لجميع الشعراء، فقد يبدأ بالحديث عن الشاعر في جانب من جوانب حياته؛ فمثلاً: بدأ حديثه عن أبي نخيلة (ص107) بقوله: (مدح أبو نخيلة الشعراء، ولم ينقطع لمدح خليفة بعينه، وإنما مدح كل من آلت إليه الخلافة، فهو إذن شاعر المنصب، لا شاعر الشخصية)، بهذا كان مدخله إلى الشاعر، دون أن يعرِّف به، أو يترجم له، أو يذكر عصره، وكأن جميع القراء على اختلافهم مختصين وغيرهم عندهم إلمام بشاعر كأبي نخيلة!
وكذلك فعل مثل هذا مع مزاحم بن عمرو (ص117)، وحماد عجرد (ص187)، دون ترجمة أو تعريف بالشاعر، وربما كان هذا مقبولاً إلى حد ما في الحديث عن شاعر مشهور كما فعل مع المتنبي (ص73)، وطرفة بن العبد (ص127)، وبشار (ص165)، وامرئ القيس (ص22)، ولكنه غير مقبول عندما يكون الشاعر غير مشهور والدراسات حوله قليلة، إن لم تكن مفقودة.
سادساً: في المصادر والمراجع
فالسمطي يرى أن تشابه المصادر أو المراجع يؤكِّد أن اللاحق اطلع على عمل السابق؛ حيث قال: (هذا الاتفاق والاختلاف البسيط لا يعني أن اللاحق لم يطلع على عمل السابق، ولم يتأثر به، بل يؤكِّد هذا الاطلاع عبر الشعراء المذكورين، عبر المراجع والمصادر).
وأقول:
1 أرجو من القارئ الباحث عن الحقيقة أن يعود إلى كتاب (شعراء قتلهم شعرهم) لينظر كيف أن فراجاً سوَّد صفحات كثيرة من كتابه ولم يُشر إلى مصدر أو مرجع واحد، بالرغم من أنه ينقل تراجم، وقصصاً، ونصوصاً شعرية، انظر على سبيل المثال وعلى التوالي فصول:
(هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد، كعب الأشقري، عبيد بن الأبرص، أبو العبر، السليك بن السلكة، من ص 9ص 44)، (وفصل أعشى همدان من ص141 148)، و(فصل وضّاح اليمن من ص151164) (5). ماذا يعني هذا عند السمطي؟!
2وإذا كان السمطي يزعم اطلاع القرني على كتاب فراج وتأثره به، ويدلل على ذلك باتفاق المصادر والمراجع في الكتابين، كما في النص الذي ذكرته آنفاً، فياليته يأتينا بمصدر واحد غير (الأغاني) اعتمد عليه المؤلفان في كتابيهما!، وفيما عدا هذا المصدر سيجد القارئ عزواً إلى كتاب (المتنبي) لمحمود شاكر عند الطرفين:
القرني: (ص21 حاشية (1) في إحالته على ترجمة المتنبي للربعي المنشورة في خاتمة كتاب (المتنبي)، و(ص27 حاشية (1) في إحالته على ترجمة المتنبي لابن العديم المنشورة أيضاً في خاتمة كتاب (المتنبي).
فراج: (ص97 حاشية(2): في الحديث عن مسألة ادعاء المتنبي للنبوة.
وكذلك سيجد القارئ عزواً إلى كتاب (مروج الذهب) للمسعودي عند الطرفين:
القرني (ص 54 حاشية (1) في الحديث عن أعشى همدان ومشاركته بشعره مع ابن الأشعث ضد الحجاج، و(ص56 حاشية (1) في ذكره لأرجوزة الأعشى (شطَّت نوى من داره بالإيوانْ).
فراج (ص 59 حاشية (2) في نقاشه: هل الكميت شاعر سياسي أم ديني؟ علماً أنه ذكر هذا الكتاب نقلاً من كتاب (اتجاهات الشعر في العصر الأموي) للدكتور صلاح الدين الهادي.
وفيما عدا (الأغاني) ومروج الذهب بالرغم من أنه لم يرجع إليه مباشرة لا نجد عند فراج مصادر أخرى يعتد بها في تراجم الشعراء، في حين رجع القرني إلى مصادر أخرى غير (الأغاني)، من أهمها : طبقات فحول الشعراء، والشعر والشعراء، ومعجم الشعراء، والموشح، وخزانة الأدب، والإكليل، والبيان والتبيين، وطبقات الشعراء، وتاريخ بغداد، ومعجم الأدباء، ووفيات الأعيان، وفوات الوفيات، وميزان الاعتدال، ولسان الميزان، وسير أعلام النبلاء، وغيرها.
3وبالرغم من عدم الاتفاق بين الرجلين في المصادر سوى في (الأغاني) كما ذكرت، فهل يعني اتفاق باحثين في المراجع والمصادر أن اللاحق منهما أخذ عن السابق؟
إن اتحاد المصادر لباحثين أو أكثر في موضوع واحد مما يعلل التشابه، لكنه لا يقطع بأن أحدهما أخذ من الآخر، ثم ما الذي يمنع أن يأخذ باحث مما أخذ منه غيره، ما دام قد أحال على المصادر والمراجع؟ لقد حرص القرني على ذكر مصادره ومراجعه للشعراء الذين تناولهم في كتابه، ناهيك عن الإحالات في ثنايا ما كتبه عن كل شاعر ممن تضمنهم كتابه، وقد رأيته ينسب الفضل لمن سبقه ويحيل عليه فعندما أفاد من رسالة (حماد عجرد) للدكتورة نازك سابا يارد قال: (ومنها استفدنا كثيراً مما جاء في الترجمة)(6)، وفي ترجمة وضاح اليمن يقول: (استفدت الترجمة ومصادرها وحواشيها من مقدمة الدكتور محمد خير البقاعي لديوان وضاح اليمن، بتصرف يسير)(7).
بينما أهمل فراج ذلك في مواضع كثيرة من كتابه، بل إن فصولاً بأكملها قد خلت تماماً من أية إحالة أو ذكر لمصدر أو مرجع!، وقد سبقت الإشارة إليها، فإلى أي مصدر سيعود القارئ؟ وكيف يستطيع باحث أن يأخذ أو يفيد من موضوع لا سند له، وبخاصة أن الشعراء المذكورين من القدماء؟
وإذن، فالاختلاف واضح بين كتابي القرني وفراج فيما يخص المصادر والمراجع، وكيفية التعامل معها، وفي هذا دليل واضح على أن القرني أبعد ما يكون عن الاطلاع على كتاب فراج، فضلاً عن أن يأخذ منه. ولقد التمست العذر لفراج في هذا التخبط المنهجي، حيث أهمل ذكر المصادر والمراجع، فقلت: لعله ذكر ما يرفع عنه اللوم في مقدمة كتابه فيكون عذراً له، فأرجعت البصر في الكتاب كرةً وكرتين.. وثلاثاً، فانقلب إليَّ البصر خاسئاً وهو حسير، وكانت المفاجأة أن الكتاب بلا مقدمة!!
هل هذا من المنهجية؟
سابعاً: وقفة أخرى مع النماذج
اتخذ السمطي كما يقول (نموذجاً واحداً من بين نماذج عدة يتبيَّن فيه هذا التشابه)، والنموذج الذي اختاره كان من (فصل هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد)، وبدأ بذكر ما ورد في كتاب فراج عن حكاية مقتلهما، فقال: (أولاً: يبدأ بتعريف نسب هدبة ولقائه مع زيادة بن زيد، ثم ينتقل مباشرة لنموذج شعري لزيادة يتغزل فيه بفاطمة أخت هدبة مطلعه..)، ثم يورد السمطي بيتين من أصل ثلاثة أبيات ذكرهما فراج!.. لا أدري كيف يكون البيتان مطلعاً لنموذج هو ثلاثة أبيات فقط؟، ثم يقول: (ثانياً: يرد هدبة بأن يتغزَّل في أخت زيادة، وكانت تسمى (أم خازم) بنموذج أوله..)، ثم يذكر السمطي ثلاثة أبيات يوهم بها القارئ أن النموذج الذي ذكره فراج يتألف من عدة أبيات، في حين أن النموذج المذكور بجملته هو الأبيات الثلاثة التي ذكرها ليس أكثر!، ويتابع بعدها فيقول: (ثالثاً: يسرد فراج لحكاية الغضب المتبادل بين هدبة وزيادة، وتغزلهما كلٌّ منهما في أخت الآخر..). ويستمر السمطي بوصف ما سرده فراج: (حتى قتل زيادة، ثم اقتص من هدبة وتمَّ قتله بعد عدة سنوات). ثم يقول السمطي: (تسلسل الأحداث نفسه، والنماذج الشعرية نفسها هو ما يأتي به عائض القرني، حيث يبدأ أولا بترجمة موجزة لهدبة وزيادة، ثم يعرض للنموذجين الشعريين اللذين عرض لهما فراج في بداية موضوعه).. ثم يذكر السمطي بيتين فقط أولهما: من قصيدة هدبة، والثاني: من قصيدة زيادة بن زيد.
وأقول:
1إن النموذجين الشعريين اللذين يتحدث عنهما السمطي هما نموذجان قد ذكرا في كتاب القرني، ولكن الفارق الذي تجاهله السمطي أن فراجاً ذكر لكل من هدبة وزيادة (ثلاثة أبيات فقط)، بينما ذكر القرني ستة أبيات لزيادة، وسبعة أبيات لهدبة أقفلت ببيت ثامن هو عبارة عن شطر.
وهذه الأبيات مصدرها (الأغاني)(8)، فلا فضل لفراج على القرني في هذا الأمر، علماً أن القرني أحال على قصة مقتل هدبة وزيادة على أربعة مصادر(9)، بينما لم يحل فراج حتى على مصدر واحد !
2نقل السمطي فقرتين نثريتين للمؤلفين ليدلل على التشابه الواضح بينهما، وبالتالي يتخذهما شاهداً على أن القرني أخذ من فراج دون أن يشير إليه، وفيما يلي سرد الحكاية كما وردت عند القرني وفراج، وكما نقلها السمطي:
أفراج (ص9): (فسبه زيادة، ورد عليه هدبة، وطال بينهما ذلك حتى صاح بهم القوم: اركبا لا حملكما الله، فإنا قوم حجاج، وخشوا أن يقع بينهما شر، فظلوا يعظونهما حتى سكت كلٌّ منهما على ما في نفسه، لكن هدبة كان أشد حنقاً على زيادة، ورأى أنه غلبه وضامه، فقد تغزَّل في أخته فاطمة وهي حاضرة سامعة، بينما تغزَّل هدبة في أم خازم أخت زيادة وهي غائبة لا تسمع غزله فيها، فمضيا ولم يكلم أحدهما الآخر، حتى قضيا حجهما وعادا إلى مضارب قوميهما).
بالقرني (ص176): (فلما سمع زيادة هذا الرجز شتم هدبة، فرد عليه هدبة السب، فصاح بهما القوم: اركبا لا حملكما الله فإنا قوم حجاج، وخشوا أن يقع بينهما شر، ووعظوهما، حتى أمسك كل واحد منهما على ما في نفسه، وهدبة أشدهما حنقاً، لأنه رأى أن زيادة قد ضامه، لأنه رجز بأخته وهي تسمع قوله، ورجز هو بأخت زيادة وهي غائبة لا تسمع قوله، فمضيا ولم يتحاورا بكلمة، حتى قضيا حجهما ورجعا إلى عشائرهما).
ويعلِّق السمطي على النص المروي في الكتابين، فيقول: (إن التشابه واضح تماماً في الفقرتين، ولكن ربما يُعزى ذلك على طريقة نقل الحكاية من كتب التراث، لكن السؤال: أتنقل الحكاية بالتعبيرات والألفاظ نفسها، وعدد السطور تقريباً دون تبديل لمعنى أو كلمة؟)..
هنا لم يقع السمطي على الحقيقة، ولكنها أبت إلا أن تظهر على الرغم من التعمية التي مارسها، فهو يضع احتمال أن يُعزى هذا التشابه إلى النقل من كتب التراث، وهذه ال(ربما) دليل صارخ على أنه لم يرجع إلى المصادر، بل أخذ يقارن بين الكتابين فقط، ويرى أنه وبما أن كتاب فراج صادر قبل كتاب القرني، فلابد أن اللاحق قد أخذ من السابق، هكذا فكر، ثم قدَّر، ولو أنه أنصف واحتكم إلى مصادر التراث لما وقع في هذا الخطأ، ولعرف يقيناً أن القرني لم يطلع فعلاً على كتاب فراج، ولم يكن يعرف عنه شيئاً البتة، وإنما أخذ من مصادر التراث الأربعة التي ذكرها في أول فصل (مقتل هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد)، بينما لم يرد لها أو لغيرها ذكر عند فراج. والفقرة التي حصل فيها التشابه بين كتابي القرني وفراج مأخوذة من كتاب (الأغاني) (10)، وفيما يلي نص الفقرة كاملة:
(قال: فشتمه زيادة، وشتمه هدبة، وتسابا طويلاً، فصاح بهما القوم: اركبا، لا حملكما الله، فإنا قوم حجاج، وخشوا أن يقع بينهما شر فوعظوهما، حتى أمسك كل واحد منهما على ما في نفسه، وهدبة أشدهما حنقاً، لأنه رأى أن زيادة قد ضامه، إذ رجز بأخته وهي تسمع قوله، ورجز هو بأخته وهي غائبة لا تسمع قوله، فمضيا ولم يتحاورا بكلمة، حتى قضيا حجهما، ورجعا إلى عشيرتيهما). هذا هو نص الفقرة كما هي في مصدرها الأساس، الذي ذكره القرني ولم يذكره فراج، فليقارن السمطي إن أراد الإنصاف نص الفقرة في الكتابين بنص (الأغاني)، وبعد ذلك سيعلم من أين أخذ القرني، وكيف تصرف بنص أبي الفرج لا بنص فراج!..؛ لقد أخذ القرني من المصدر المذكور، وتصرف ببعض العبارات؛ ربما لأنه وجدها غير واضحة للقارئ العادي، خاصة في أول الفقرة؛ إذ وردت في (الأغاني) هكذا: (فشتمه زيادة، وشتمه هدبة)، والمعنى أن كلاً من زيادة وهدبة شتم الآخر وسبَّه، فتصرف القرني في العبارة كما سبق. وكذلك في عبارة (الأغاني): (إذ رجز بأخته وهي تسمع قوله، ورجز هو بأخته وهي غائبة)..، فعود الضمير المتصل (الهاء) في كلمة (أخته) الثانية قد يوقع القارئ في التباس، فصاغ القرني العبارة، بحيث وضع (زيادة) بدلاً من الضمير فقال: (ورجز هو بأخت زيادة وهي غائبة).
ثامناً: المشهد الأخير من الحكاية بصياغة المؤلفين
بعد أن رجع هدبة وزيادة من الحج تطورت الأحداث، وتبادل هدبة وزيادة الأشعار في خصومة حادة، يقول صاحب الأغاني(11): (فلم يزل هدبة يطلب غرّةَ زيادة حتى أصابها، فبيّته فقتله)، فآلت القضية إلى سعيد بن العاص وكان والياً على المدينة، فحبس هدبة، وفيما يلي المشهد الأخير من الحكاية بصياغة المؤلفين، كما ينقله السمطي من الكتابين؛ إذ وجده في نصين متشابهين، وليته تحقق: لماذا كانا متشابهين؟
1 فراج: (أراد سعيد بن العاص أن يبذل محاولةً أخيرة، فقال لعبد الرحمن أخي زيادة: اقبل الدية، وأنا أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، أعطيك مائة ناقةٍ حمراء، ليس فيها جداء ولا ذات داء، فقال عبد الرحمن: والله لو نقبت لي قبتك هذه ثم ملأتها ذهباً، ما رضيت بها من دم هذا الأجدع، فلم يزل سعيد يسأله، ويزيد في عرضه فيأبى، ثم قال عبد الرحمن: إنه قال بيتاً لو لم يقله لقبلت الدية، أو صفحت بغير دية، والله لو أردت شيئاً من ذلك لمنعني قوله:
لنجدعَنّ بأيدينا أنوفكم
ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فدفعوا بهدبة ليقتل، فبدت في عينيه حسرة، وما ندم بشر على قول كما ندم هدبة على قوله هذا البيت، واستأذن أن يصلي ركعتين، فأذن له، فصلاهما وخفف، ثم التفت إلى الناس حوله وقال: لولا أن يظنّ بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجاً إلى إطالتهما، ثم التفت إلى قوم زيادة قائلاً:
فإن تقتلوني في الحديد فإنّني
قتلت أخاكم مطلقاً لم يُقَيّدِ
فقال عبد الرحمن: والله لا نقتله إلا مطلقاً من وثاقه، ثم قال:
قد علمت نفسي وأنت تعلمه
لأقتلنّ اليوم مَنْ لا أرحمهْ
ثم دفع السيف إلى المسور بن زيادة، وقال له: قُمْ فاقتل قاتل أبيك، فقام المسور فضربه ضربتين قتله فيهما).
2 القرني: (فسأل سعيد بن العاص أخا زيادة أن يقبل الدية عنه، وقال له: أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، أعطيك مائة ناقةٍ حمراء ليس فيها جداء ولا ذات داء، فقال له: والله لو نقبت لي قُبتَكَ هذه، ثم ملأتها ذهباً، ما رضيت بها من دم هذا الأجدع، فلم يزل سعيد يسأله ويعرض عليه فيأبى، ثم قال له: والله لو أردت قبول الدية لمنعني قوله:
لنجدعن بأيدينا أنوفكم
ويذهب القتلُ فيما بيننا هدرا
فدفعه حينئذٍ ليقتله بأخيه، فلما قُرِّب ليُقتل استأذن أن يصلي ركعتين، فأُذن له، فصلاَّهما وخفف، ثم التفت إلى من حضر وقال: لولا أن يُظن بي الجزع لأطلتهما، فقد كنتُ محتاجاً لإطالتهما، ثم أنشأ يقول:
فإن تقتلوني في الحديد فإنني
قتلتُ أخاكم مطلقاً لم يُقَيَّدِ
فقال عبدالرحمن أخو زيادة: والله لا أقتله إلا مطلقاً من وثاقه، فأُطلق له، فقام إليه وهزّ السيف ثم قال:
قد علمتْ نفسي وأنت تعلمُه
لأقتلنّ اليوم مَنْ لا أرحمُهْ
ثم قتله ، غفر الله للجميع).
هذا هو نص الفقرة مما تشابه في الكتابين، وقد أخذها القرني من (الأغاني) المشار إليه مع مصادر أخرى في أول الفصل(12)، وقد نقل القرني هذه الفقرة من الأغاني(13) بالنص، ما عدا التصرف في العبارة في ثلاثة مواضع كالتالي:
الموضع الأول في (الأغاني): (قالوا فدُفع إلى أخي زيادة ليقتله)، وعند القرني: (فلما قُرِّب ليُقتل)، والموضع الثاني، في (الأغاني): (وقال قبل أن يُقتل)، وعند القرني: (ثم أنشأ يقول)، والموضع الثالث، في (الأغاني) قول أخي زيادة: (..لا قَتَلْتُه)، وعند القرني: (لا أقتله). وزاد القرني (غفر الله للجميع)، وما عدا ذلك فالنص مأخوذ كما هو من الأغاني.
وأما في كتاب فراج فإنه كذلك أخذ الفقرة من (الأغاني) مع تبديلات وتصرفات في العبارات أكثر، ولم يشر إلى المصدر، بل لم تكن لديه أية إحالة كما سبق، كذلك فإن الفقرة تنتهي في الأغاني، ببيت لأخي زيادة وبعده جملة (ثم قتله)(14)، إلا أن فراجاً يتجاوز عبارة (فأُطلق له، فقام إليه وهزّ السيف)، التي جاءت في (الأغاني) قبل بيت أخي زيادة ليذكر بيت أخي زيادة مباشرة ثم يقول بعده: (ثم دفع السيف إلى المسور بن زيادة، وقال له... إلخ)، ومعنى هذا أنه أخذ ما روي عن حمّاد، وهي رواية أخرى، حسب منهج الأغاني(15)، لكنه لم يُشر إليها أيضاً، وإذا تجاوزنا هذا باعتبار أن المهم في الخبر قتلُ هدبة بزيادة، فثمة خطأ آخر وقع فيه فراج، حيث صوَّر هدبة ساعة القصاص نادماً متحسراً فقال: (فبدت في عينيه حسرة، وما ندم بشر على قول كما ندم هدبة على قوله هذا البيت)( 16)، يريد قوله: لنجدعن بأيدينا أنوفكم.. (البيت)، ثم إن فراجاً بعدها بسطر يناقض نفسه حين نقل دون أن يحيل طبعاً! قول هدبة بعد أن صلي وخفف في صلاته: (لولا أن يظن بي الجزع لأطلتهما..)(17) فهل هذه حال نادم متحسر أم شجاع رابط الجأش لا يهاب الموت؟!، ولو أن فراجاً حرص على صحة المعلومة، واهتم بالمصادر لما وقع في مثل هذا الخطأ، فالمشهد الأخير من خبر هدبة ومصيره؛ تكمن فيه النتيجة التي ينتظرها القارئ وهو يتابع تطوّر الأحداث في سياق الخبر عبر الروايات، فالنتيجة تتمثل بحال هدبة ساعة القصاص، قبيل قطع رأسه بلحظات، فبينا هو يطلب من أبويه الصبر، ويوصي زوجته، وينشد الشعر، ولا يرضى أن يُقتل إلا مطلقاً (غير مقيد) وغير وجل ولا جزع، نجد فراجاً يصوّره على حد قوله(18) متحسراً وما ندم بشر كندمه!
هذا نموذج للتشابه الذي أثار تساؤلات السمطي، فأطلق ادعاءً باطلاً لا سند له من الموضوعية ولا أساس له من الصحة، لم يختبر مستوى التشابه، وأسبابه، وطبيعته، ولو أنه احتكم إلى المصادر في مقارنة الكتابين، لأنبأتْه المصادر بالحقيقة التي يرمي إليها كلُّ ناقد نزيه وكاتب منصف.
تاسعاً: القضية في وجهها الآخر
بدا السمطي غير مطلع على كتابي القرني وفراج الاطلاع اللازم والدقيق، فغرّه هذا التشابه الحاصل بين الكتابين ولا سيما في فصل (هدبة بن خشرم) أو (مقتل هدبة بن خَشْرم وزيادة بن زيد)، على اختلاف العنوان بين الكتابين.
ومن خلال تناوله للقضية اتضح بأنه لم يطلع أو يرجع إلى مصادر هذا الفصل على الأقل، وعلى الرغم من ذلك بادر باتهام القرني بأنه ألف كتاب (قصائد قتلت أصحابها) بالاعتماد على كتاب (شعراء قتلهم شعرهم) لسمير فراج، دون الإشارة إليه، ومعنى ذلك أن القرني قد اقترف سرقة أدبية، وأنه نفذ فكرته على شكل (وقوع الحافر على الحافر)، وما الفروقات بين كتابه وكتاب فراج إلا أسلوب من أساليب (التعفية على الأثر) !
لن أتهم الأستاذ السمطي بأن وراء مقاله قصوراً في الاطلاع، أو عدم معرفة بأساليب النقد، وللحق فالسمطي ناقد له كتاباته المتميزة، وجهوده في إثراء الساحة الأدبية والنقدية، ولكنني أرى على الأقل من وجهة نظري أنه تولَّى الدفاع عن قضية خاسرة وفكرة ميتة، لم يكن من المقبول أن يزج نفسه أو يسمح بأن يُزَجَّ به فيها، قضية ظاهرها ثقافي أدبي وباطنها النيل من شخص القرني خلف ستار المنهجية والنقد الهادف، لست مجاملاً للقرني، ولست مولعاً بنظرية المؤامرة، ولكن هناك قرائن تؤكِّد أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك غاية واضحة هي هدف هذه الإثارة، وإلا فما معنى أن يتعرض السمطي في نهاية حديثه إلى أن فراجاً لم ينل على كتابه سوى مكافأة زهيدة من لدن الناشر؟ وما معنى تعرضه لمؤلفات القرني بالغمز واللمز، حيث يقول: (من الطريف أن المؤلفين السابق واللاحق كلاهما يقرض الشعر، وكلاهما له مؤلفات نقدية وأدبية، بيد أن كتاب سمير فراج طبع مرة واحدة في سبع سنوات لقاء مكافأة زهيدة من لدن الناشر كما يقول فراج نفسه ! فيما طبع كتاب عائض القرني، صاحب مؤلفات: بيت أسس على التقوى، والإسلام وقضايا العصر، وفاعلم أنه لا إله إلا الله، وتاج المدائح ثلاث مرات في عام واحد).
وأقول: إذا كان كتاب سمير فراج، لم يطبع سوى طبعة واحدة في سبع سنوات، فهذا يعني عدم رواجه، وأنه لم يكن كتاباً جيداً ولا ناجحاً لافتقاره (على الأقل) إلى المصادر وهي أساس البحث العلمي بالقياس إلى كتاب الدكتور عائض القرني، الذي طبع (ثلاث مرات) في عام واحد. ولعل السمطي يريد أن يقول: إن كتاب القرني أخمل كتاب فراج، (رغم السنوات السبع بين الكتابين!) فإذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن ما فيه فائدة قد أقبل عليه الناس، وما كان دون ذلك أهمل، وهذه مسألة مرتبطة ب (القبول) الذي يهبه الله لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء !
وعلى أية حال: هل يلزم الشيخ القرني أن يعوّض (فراجاً) الذي لم يستفد شيئاً من كتابه وترك للقرني أشياء كثيرة؟!، واضح هذا المقصد، ومضحك أيضاً!.. فما دخل القرني في عدم استفادة فراج مادياً من كتابه ؟ وما علاقته بالناشر الذي لم يعط فراجاً إلا مكافأة (زهيدة) على حد زعمه ؟
وهل معنى هذا أن على القرني أن يسعى لدى الناشر كي يدفع المبلغ المناسب لفراج، أو أن يقوم هو نفسُه بهذا الدور فيدفع المبلغ؟!
لقد كان واضحاً أن السمطي قد كتب مقالته متكئاً على حديث بينه وبين فراج، الذي أخبره بأنه لم ينل من الناشر إلا مكافأة زهيدة، هكذا (كما يقول فراج نفسه) للسمطي. فإذا كان لفراج حق عند الناشر فليتدبر أمره، وليسع إلى تحصيل حقه بالطريقة المناسبة، فثمة محاكم وقضاء، وجهات مختصة، مع تقديري واحترامي لمكتبة مدبولي الصغيرة بالقاهرة.
وأما مسألة طبع كتاب (قصائد قتلت أصحابها) وغيره ثلاث مرات في عام واحد، فربما يُعدُّ هذا قليلاً بالنسبة لمؤلفات القرني الأخرى، من حيث عدد الطبعات، فضلاً عن كميات الطبعات، وإذا أراد السمطي أن يعرف شيئاً عن ذلك، فليسأل دور النشر التي تولَّت طباعة كتب القرني عن أرقام التوزيع وعدد الطبعات لمؤلفاته وليس عن كتابه (قصائد قتلت أصحابها) فحسب، ولا أظن أن المسؤولين في هذه الدور سيبخلون عليه بالإجابة.
عاشراً: كلمة أخيرة:
أحب أخيراً أن أقدم نصيحة منصفة للأستاذ السمطي أرجو أن يبلغها صديقه (سمير فراج)، فإذا كان فراج واثقاً من دعواه بأن القرني سرق كتابه، فأرجوه أن يرفعها إلى المحاكم الشرعية والجهات المسؤولة، وسينصفه القضاء العادل، وإن كنت أخشى أن يسبقه الشيخ عائض إلى القضاء طالباً إنصافه ممن ظلمه وأساء إليه !
قفلة
قال الرافعي رحمه الله :
قالت العشرة للألف : أنتَ سرقتَ مني صفرين !
هكذا رأيتُ غرور بعض أُدبائنا(19).
الحواشي:
(1) أديب عباسي، مجلة الرسالة، ع (106)، 1935م، ص 1170
(2) انظر على سبيل المثال كتاب (شعراء قتلتهم أشعارهم وحبهم)، خازن عبّود، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، 2003م. وقد حصل التشابه إلى حد كبير بينه وبين كتاب فراج في العنوان، والموضوع، وتسعة شعراء. ألم يلفت هذا نظر فراج والسمطي؟!
(3) انظر ديوان (المتنبي) بشرح العكبري، تحقيق عمر فاروق الطباع، دار الأرقم، ط1 1418هـ 1997م 1 195 200
(4) انظر فصول: هدبة بن خشرم، كعب الأشقري، السُّليك بن السلكة، الكميت، أبو نخيلة، مزاحم بن عمرو، طرفة بن العبد، وضاح اليمن، حماد عجرد، امرئ القيس.
(5) في حديثه عن وضاح اليمن لم يذكر أي مصدر خلال الصفحات المذكورة سوى في ص 162 عندما تحدث عن الروايات حول مقتل وضاح، وأحال في المتن على (الأغاني)، لكنه لم يذكر لنا الجزء أو الصفحة ولا حتى الطبعة !
(6) قصائد قتلت أصحابها، ص 95،حاشية (1)
(7) السابق حاشية ص45
(8) انظر: (الأغاني) لأبي فرج الأصفهاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط4، 1422هـ 2002م، 21260262
(9) وهي كما سردها القرني : معجم الشعراء للمرزباني (ص483)، وأسماء المغتالين لأبي جعفر بن حبيب (نشره عبد السلام هارون في نوادر المخطوطات المجلد الثاني)، والأغاني 21277 298، والشعر والشعراء ص 416. انظر قصائد قتلت أصحابها حاشية ص 173
(10) الأغاني، ط دار الكتب العلمي 21162
(11) الأغاني 21265
(12) انظر: قصائد قتلت أصحابها، حاشية ص 173
(13) الأغاني 21273
(14) انظر الأغاني 21274
(15) انظر الأغاني 21274
(16) شعراء قتلهم شعرهم ص 12
(17) السابق نفسه.
(18) انظر شعراء قتلهم شعرهم ص 12
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved