الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 05th June,2006 العدد : 156

الأثنين 9 ,جمادى الاولى 1427

ماذا تريد الصالونات الثقافية من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني؟
محمد بن عبدالله المشوح
تشكل المنتديات والمجالس والصالونات الثقافية والأدبية في المملكة العربية السعودية أحد المشاهد المهمة للحراك الثقافي والفكري السعودي.
وإذا كانت تلك المنتديات تتزايد يوماً تلو الآخر في تباين في فاعليتها وتأثيرها فإن المؤكد أنها جاءت امتداداً للمجالس والصالونات القائمة في عدد من الأقطار العربية المجاورة قديماً وحديثاً.
بل إن البعض يعيدها إلى قرون متقدمة إبان الخلافتين العباسية وقبلها الأموية وما تلاهما.
حيث كانت تقام لدى بعض الخلفاء والوزراء مجالس للأدب والشعر والحوار.
إلا أن المجالس الحاضرة اليوم شهدت مساراً حديثاً تتسابق فيه نحو إشعال المشهد الثقافي العام.
وإذا كان هناك من يرغب التفصيل في فكرتها ونواة أهدافها فإن عدداً من القائمين على تلك المجالس يجمعون على أن ما يجمع حراك تلك المجالس عفويتها السهلة ومساحة الحوار المشرعة للحضور عبر المشاركة الشفهية التي يتداولها المتحدثون. وإذا كان ثمة آراء صريحة في هذا فإن البعض يعزو توافد الحضور وتقاطرهم عليها بسبب الإشباع الكلامي الذي يروق للبعض تسميته حيث يبحث عن متنفس صوتي تعلو فيه نبرته وتتعالى عبر منبره كلماته.
وهو ما لا يتاح في كثير من المقاعد الثقافية الرسمية.
وهناك سمة بارزة لتلك المنتديات وهو التعارف الشخصي من خلال نافذة الحوار المفتوحة التي تتيح للكثيرين المعاينة الشخصية وجهاً لوجه لكثير من الأسماء التي يسمع عنها ولا يراها إضافة إلى إبداء الرأي والمناقشة وحرية الاعتراض أو التأييد. وهناك صوت راصد آخر يعزو اختراق تلك المنتديات للمؤسسات الرسمية إلى الاحتفاء الممنوح للشباب حيث يجدون فيه فرصة سانحة لإبداء مهاراتهم الثقافية سواء كانت شعراً أو نثراً ويشاهد ويعاين أمامة ثلة من الرموز الثقافية التي سيجد منها الثناء والتشجيع لموهبته أو الإصلاح والتوجيه والصقل لفكرته. وهناك فئة إعلامية تلاحق تلك المنتديات حيث تجد فيها مادة دسمة في النقاش والحوار وطرح مالا يجوز السؤال عنه في هذا المكان حيث تعارفوا أنه ترفع المحرمات وتبعد الحواجز هناك.
إننا أمام عدد ليس قليلا من المجالس والمنتديات متناوبة على أيام الأسبوع جميعها بل حتى أوقاتها فتجد في اليوم الواحد أكثر من منتدى أو مجلس وصالون.
لقد سعت هذه الصالونات والمنتديات إلى أهداف عميقة مهمة من الممكن إيجازها بالآتي:
1 - السعي إلى التقديم وإعطاء الحضور زاداً معرفياًُ وثقافياً سهلاً وعمارة المجالس العامة بتلك الفوائد والقلائد التي ينثرها الضيوف خلال حواراتهم ونقاشاتهم.
2 - لفت نظر المهتمين إلى عدد من المبرزين في العلوم الثقافية والاحتفاء بإنتاجهم وتكريم وتقدير جهودهم وخصوصاً من جيل الرواد الكبار.
3 - بث روح الحوار وتقريب وجهات النظر المتباينة حول بعض الرؤى والطروحات وتعويد الأجيال الناشئة على حسن الاستماع إلى الآخر وحسن الظن به وتلمس موضوع الصواب عنده وعدم التعالي عن قبول الحق وسماع المخالف.
4 - إشاعة روح الحراك العلمي والثقافي خصوصا بين المثقف والشباب من خلال اللقاء الشخصي المباشر والمفتوح في جو تسوده روح الود والنقاش العلمي المؤصل وإبعاد أوهام الحساسية والندية والانكفاء.
5 - التأكيد على الهوية الثقافية الأصلية لبلادنا المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن الجسور والتواصل مع الثقافات الأخرى والاستفادة منها بما تتماشى مع هويتنا ومبادئنا.
6 - المساهمة في التعريف بما تعيشه المملكة العربية السعودية من نهضة علمية وفكرية وثقافية وحضارية شاملة خصوصا في الإنتاج الأدبي والثقافي الفكري وانتشار الكتاب وشيوع المكتبات.
7 - التأكيد على الحضور والتواجد المثمر الفعال في شتى المناسبات الوطنية التي تعيشها بلادنا المباركة والمشاركة فيها والعمل على تفعيلها والإفادة منها خصوصاً لشرائح المجتمع المثقفة.
8 - المشاركة بالقضايا الاجتماعية الآنية وطرحها للحوار والنقاش والسعي لإيجاد الحلول المناسبة لها خصوصاً ما يطرأ من إصلاحات سياسية واجتماعية تقوم بها الدولة في ظل المؤسسات الثقافية والاجتماعية.
وتتعدد الطروحات حول تلك المنتديات فأصوات تطالب بمزيد تنظيم عبر إلحاقها بالمؤسسة الثقافية الرسمية؛ لينضم لذلك صوت آخر يطالب بالدعم المادي لتلك المنتديات وتشجيعها بصفتها تمثل صوتا مدنيا حراً.
إلا أن آخرين يراهنون على النجاح واستدامته إذا امتدت يد المسؤول إلى مائدة المنتديات وصوت معتدل آخر يسعى إلى استجلاء الحقيقة وإيضاح الفرق بين يد المسؤول المتسلطة أو السلطوية فالأولى مرفوضة والأخرى لها اليد ممدودة.
واسمحو لي بالتوقف عند هذه النقطة ذلك بأن تحرير هذه القضية الشائكة الجدلية المتعلقة بالدور المنتظر من قبل المؤسسة الرسمية تجاه هذه الصالونات والمنتديات يحتاج إلى تفريق واضح في نظري بين الدور السلطوي القائم لأي نشاط داخل رواق الدولة.
وهذا أحسب أنه لا داعي للحساسية تجاهه أو الاستعجال بالرفض المطلق. سيما مع إمكانية قيام تفاهم وتعاون بناء بين المؤسسة الرسمية الراعية وتلك الصالونات والمنتديات.
وحين يشير البعض إلى أن تلك دور وبيوتات خاصة يحرم التدخل فيها أو الرقابة عليها فهذا يقودنا حتماً إلى الحديث عن الدور المتسلط من قبل المؤسسة الرسمية والذي من الممكن أن يتشكل في تدخلات مخلة في شأن ودور ورسالة ودقائق وتفاصيل تلك الصالونات. ومن هنا فإني أرى أنه يتعين التفريق ويستلزم الاعتدال في النظر إلى دور المؤسسة الرسمية بعيداً عن الشطط والإسفاف أو التهويل والتخويف. وإن بإمكان رواد ومشرفي تلك المنتديات طرح رؤية متوازنة تهتم في مسيرتها وتدفع نحو نجاحها بتعاون بناء صادق غير متوجس من الطرفين عبر إشادة جسر من الثقة المطلقة المتبادلة.
ومن هنا فإن تلك التساؤلات وغيرها الكثير والذي يمتد حتى إلى البحث والتنقيب عن النيات والمقاصد ومساءلة كل ساع إلى مثل هذا عن مرماه ومبتغاه.
إضافة إلى ضرورة المراجعة العاجلة إلى دور تلك المنتديات وفاعليتها وهل من الممكن أن يأتي يوم وكل بيت فيه صالون ومنتدى؟
لقد تعمدت طرح تلك المساءلة في صدر حديثي المناط لأدلف من خلاله إلى السؤال المهم الذي طرح في هذه الورقة: ماذا تريد الصالونات الثقافية من مركز الملك عبدالعزيز الوطني. ولا أحسب إجابة ترد دون الإشارة إلى الدور الرائد لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في إشاعة روح الثقافة الحرة والرأي المتبادل والحوار الهادف البناء تحت سقف من الاحترام.
وإذا كانت كثير من الدراسات والرؤى البحثية تشير إلى ضعف الثقافة الحوارية لدى المجتمع السعودي.
فإن من المهم الإشارة إلى جانب آخر لا يعتريه ظلم أو هضم للمجتمع السعودي حيث أظهرت إحدى إحصاءات المركز أن غالبية المجتمع السعودي لديه استعداد لتقبل ثقافة الحوار؛ ما يعني أنه وإن كان هناك ثمة ضعف لكن هناك استعدادا بحاجة إلى رعاية وعناية.
وأشارت إحصائية أخرى إلى أن 22% من عوامل التأثير في رفع ثقافة الحوار تعود إلى اللقاءات والأنشطة الثقافية مقتربة بالتالي إلى عوامل أخرى فاعلة كالتعليم والتربية الأسرية والإعلام.
ومن هنا فإن بروز وتنامي حركة المؤسسات الثقافية الخاصة في المشهد الثقافي السعودي مؤشر واضح وبين على الوعي والتحولات التي يشهدها المجتمع السعودي المتطور.
إن من المؤكد أن الثقافة مثاقفة وهي نتاج بشري بحت يصدر عن ذوات الناس وحراكهم. ومتى ما أشرعت الأبواب لنشوء وتطور الثقافة الشخصية من غير وصاية أو تبعية فإنه بالتالي سوف تشهد البناء المتوخى والمنتظر.
لقد أصبح من المسلمات الواقعة أن الثقافة في تكونها ونشأتها وبروزها مشروع خاص يصعب احتكاره وتمثيل السيطرة عليه وهذا واقع التجربة السعودية القديمة والحديثة وواقع التجربة البشرية عموماً ويتأكد في خضم هذا الحشد الهائل من التقنيات والسباق الإعلامي المتسارع الذي يشهده الفضاء. والفرد بطبعه وتكوينه ينزع إلى الاستقلالية في تفكيره ورؤاه بعيداً عن ثقافة الشراب الذي يبتلعه أحيانا ولا يكاد يسيغه.
ويجب النأي به عن ثقافة الذات والانغلاق المجرد الذي يحدث غالباً ردود فعل عكسية على الفرد المتلقي ومن ثم على ثقافة المجتمع عموماً.
لقد عاش المجتمع فترات من التوتر الثقافي المتأزم عبر الاستفزازات المتبادلة وتداول الاتهامات وتحميل الأقوال والأفعال ما لا تحتمله حقيقة.
وتحويل الوقوعات الاجتماعية إلى نوازل جماعية؛ ما أضعف كاهل المثقفين وبث بين البعض القطيعة أو الكراهية وسرت في نفوس آخرين مراحل ما أطلق عليه البعض التكتم والتكتل. وأصبحت الطبقات والأطياف الثقافية أحوج ما تكون إلى التهدئة واستصحاب حسن النوايا بالآخرين بعيداً عن التأنيب والتجهيم.
لقد وجد في المجالس والمنتديات الادبية محاضن مهمة تسعى إلى تحقيق هذا التوافق المهم بين المد الثقافي وذات المثقف. وتمكينه من أداء دوره المنتظر في نضج تام بعيداً عن المجاملة والتمرير الذي يغشى غير المثقف. وهو ما يقول عنه أحد الباحثين: (إن وعي المثقف وعي متجاوز يجعل من الحس الانتقادي شرطاً أساسياً في تحقيق جودته).
ولعله يشير في موضوع آخر إلى نقطة جوهرية ينعكس الحديث حولها عن نجاحات المجالس الثقافية الخاصة وضمور وفتور المؤسسات الثقافية الرسمية في ترتيب العلاقة حيث يقول: (ذلك الموقف الانتقادي هو ما يجعل العلاقة مضطربة بين المثقف والمؤسسة الرسمية التي لا ترى فيه غير كائن اشكالي انتقادي معارض لا يكاد يرى غير الثغرات والهفوات وتقابل بينه وبين جماعات الخبراء والتكنوقراط والذين يعملون في أجهزتها ويسعون إلى تطوير مشاريعها والدفاع عن قراراتها فيزداد توجسها منه وتتسع شقة الخلاف بين الطرفين على نحو يجعل المثقفين مصدر قلق من المؤسسة الرسمية من ناحية ويجعل المؤسسة الرسمية طوق حصار على المثقفين من ناحية أخرى حتى باتت أطروحة المثقف والسلطة أكثر الاطروحات تداولاً في الفكر الحديث بين مختلف المهن ضاق هامش الديموقراطية فيها أو اتسع). وإذا كان الشعور نحو المؤسسات الرسمية بهذا الوجل من المثقف فإن الدور المنتظر من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وعلاقته بتلك المجالس والمنتديات يجب أن يبدأ من هذه الإشكالية وتحريرها. وإن سعى المركز إلى المباركة الفاعلة لأي دور ثقافي من الممكن أن تقوم به تلك المنتديات لمن محامده المنشودة والمشكورة. كما أن من اليقين أن يسعى بجدية إلى إذابة الجليد الجاثم في طريق المثقف وعلاقته بالسلطة ومد جسور التواصل والقبول بين الجميع.
وإذا كان البعض ينحي باللائمة دوماً على المؤسسة الرسمية وتكريسها مبدأ الخيار الأوحد فإنه في ذات الوقت يتعين على المثقف ذاته أن يدرك أنه ليس صاحب حق مشرع مطلق ينسحب عليه التسليم والإذعان لكل ما يصدر منه بحجة الثقافة وعليه أن يعلم يقيناً أن من الحق أن يسمع له لا أن يستجاب وينفذ ما يطرحه ويراه وهناك فارق بين الأمرين. إنني أحسب أن للمركز دوراً منتظراً في إعداد وثيقة توافقية تصالحية تستفيد من احتواء المنتديات للمثقف واحتفائها به واستماعها إليه وإلى نقده الاجتماعي والثقافي وتزيل الهوة الواقعة بين المثقف والمؤسسات الرسمية. إن المنتديات والمجالس والدور الثقافية وهي يلتئم شملها بين يدي مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وهو حامل مشعل الحوار الهادف بين شتى الأطياف والتنوعات لترنوا إلى تحقيق بعض الطموحات والأهداف والتي منها:
أولاً: اعداد مذكرة تنسيق وتعارف متبادلة بين المركز وتلك المنتديات يتم من خلالها اطلاع المركز على كافة المناشط الثقافية المقامة في تلك المجالس والمنتديات وإمكانية استفادة المركز من تلك الطروحات ضمن مسيرته في تدعيم وترسيخ ثقافة الحوار.
ثانياً: أن يقوم المركز بتشجيع تلك المنتديات بصفتها أحد مظاهر الرقي الحضاري والثقافي للمجتمع مبرزة التنوع الثقافي والفكري للمشهد السعودي.
ثالثاً: تفعيل مشاركة القائمين على تلك المنتديات والمجالس في حلقات الحوار الوطني التي يقيمها المركز وتقديم رؤيتهم تجاه القضايا المطروحة.
رابعاً: قيام المركز بتشجيع تلك المنتديات عبر مباركته ودعمه لها وحث الجهات ذات العلاقة على التعاطي البناء مع تلك المنتديات وعدم التدخل في فعالياتها ومناشطها.
خامساً: تزويد تلك المنتديات من قبل المركز بالرؤى المستخلصة من خبرته في استطلاعات الرأي تجاه القضايا الوطنية والاجتماعية والثقافية المطروحة.
سادساً: قيام المنتديات والمجالس بتزويد المركز برؤيتها تجاه حلقات الحوار الهادفة التي يقدمها المركز وإعداد دراسة توثيقية مقارنة بين تجربة المركز وتجارب المنتديات والمجالس الثقافية.
سابعاً: التأكيد من قبل المركز وكافة القائمين على تلك المجالس والمنتديات على ترسيخ مبادئ الوطنية والمحافظة على المكتسبات والبعد عن المهاترات الشخصية والخلافات المذهبية أو العنصرية والشخصية، وأن يبرز دور المركز لينهض بالمجهود الاصلاحي المنتظر. كما يستلزم المسارعة إلى دفع المسيرة الثقافية عبر تلك المنتديات في إشاعة روح الحوار ومد الجسور ونشر الود بين الأطياف عموماً.
ومن المسلمات المتواترة أنه ما لم يكن هناك متسع من الرأي والحوار والسماع لوجهات النظر وإن كانت مقلقة وجريئة. لقد أشاعت المجالس والصالونات أجواء من الحراك والاشتعال الثقافي الذي ما فتئ يشكو من خبو شعلته وبرود مشهده وغياب رواده ومريديه.
فجاءت إضافة مهمة للواقع الثقافي السعودي وما يشهده من فاعلية على المستوى الرسمي والشعبي. لقد استطاعت هذه المجالس والصالونات أن تشيع مساحة واسعة للتواصل الثقافي والعصف الفكري للآراء والتوجهات وفق آلية تليق بالمثقف السعودي.
***
مصادر ومراجع بحثية
1 - التكتم والتكتل د. حسن الهويمل.
2 - المؤسسات الثقافية الخاصة الواقع ومأمول د. زياد بن عبدالرحمن السديري.
3 -حق المثقف في ممارسة دوره أ. سعيد السريحي.
4 - قواعد ومبادئ الحوار الفعال د. فهد السلطان.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved