الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 05th June,2006 العدد : 156

الأثنين 9 ,جمادى الاولى 1427

المرتكزات النقدية في كتاب (أسرة الوادي المبارك) الخطراوي (2-2)
د. أسماء أبوبكر أحمد
ثانياً: وظيفة الناقد
وتكاد المفاهيم النقدية التي طرحتها أسرة الوادي المبارك أن تتماس ولو جزئياً مع بعض النظريات النقدية الحديثة من حيث تعويلها على وظيفة الناقد وثقافته وعلى النقد الفطري والنقد الحيادي والناقد الافتراضي والناقد المبدع ومقوماته واختلاف ذوق المبدع.. فنجد محمد الرميح يحدد وظيفة الناقد الأدبي بالمستوى التأثري الجمالي الذي يمتلكه كل إنسان بطبيعة تكوينه حين يمارس النقد بالغريزة مع ملاحظة أن النقد ذاته ينطوي ضمناً تحت هذا المفهوم.
كما نجد الكاتب يعدد أنواع النقد الأدبي محدداً ثقافة الناقد وحياديته كمقياس لذلك ثم يشترط للناقد الحيادي أن يتجرد في نقده من جميع الرواسب الشخصية والمآرب الخاصة وإلا سيكون مستحقاً للقب الخيانة العظمى، كما يشترط في الناقد أن يتفهم - بعمق - صاحب الأثر مبلوراً بذلك بعض ما جاءت به النظريات النقدية التي تختص بالمبدع.
ومن ثم يحدد الكاتب مقومات الأسس النقدية وذلك بالتعمق في العمل الأدبي ودراسة نفسية صاحبه والتوغل إلى ما وراء العمل الأدبي وليس الحكم عليه من الخارج، وهو بذلك يناهض بعض المدارس النقدية التي تعتمد في تعاطيها النقدي على شكلانية النص ويتهم أصحابها بأنهم يصدرون أحكامهم من خارج الأعمال الأدبية فتجيء كتاباتهم متسمة بالنظرة الضيقة لأنهم يعالجون الأعمال الأدبية من خارجها ويهملون الناحية المهمة. والكاتب بذلك يوجه النقد إلى اكتشاف المقومات الأساسية للمضمون ليخرج الأدب من قواقعه وانطوائيته وليجمع إلى طابعه المحلي صفة العالمية، مؤكداً على ان اختلاف ذوق الناقد يمثل إشكالية في النقد العربي، والكاتب بذلك يتفق مع بعض آراء ميخائيل نعيمة في كتابه الغربال التي يبلورها من خلال المنهج التأثري الانطباعي.
ثم يبرز مفهوم (النقد الجديد) من خلال الربط بين الحركة النقدية المحلية والحركة النقدية العربية.. والرميح ينحاز إلى النقد الجديد الذي يعني به مدرسة التحليل النفسي التي برزت في مصر وهو بذلك يريد للنقد أن يجمع بين تراثيته وأصالته، تراثيته المتمثلة في الإلماحات النفسية والوجدانية في كتب النقد الأدبي القديم سيما على يد ابن قتيبة والجرجاني، وبين طابعها الغربي المعرّب في نظرية التحليل النفسي الجديد فيما يبدو عند من تأثر ببعض الأقلام العربية مثل محمد خلف الله وعز الدين إسماعيل ومحمد مندور، ثم يحدد الكاتب وظيفة النقاد الجدد بإدراكهم أهمية وجود قواعد وأسس حديثة للأعمال النقدية الجادة وإتاحة المجال لها.
ثالثاً: تعدد مستويات التلقي
يعد كتاب أسرة الوادي المبارك موسوعة أدبية تحمل بذورا نقدية لاتجاهات متعددة، كما تناولت مفهوم التلقي بما يمكن أن يحسب تماساً مع المفاهيم الجديدة لجماليات التلقي على يد (آيزو ياوس) ولكن من خلال آراء فردية متناثرة في ثنايا بعض المقالات، فنجد محمد العامر على سبيل التمثيل يشترط حضور الحس الجمالي كي يتمتع المتلقي بموسيقى القصيدة وايقاعاتها، وان الجمال لا يرتبط بمستوى ثقافي محدد؛ فالأميون يستشعرون الجمال ويتمايلون طرباً لسماع الشعر، كما يشترط امتلاك القدرة والموهبة كشرط أساس لفهم الصوت الداخلي للشعر الذي يستقطب الحواس الشعورية للمتلقي، متعايشاً مع الشاعر في تجربته وفي معاناته، متقمصاً روحه ليشارك في ولادة القصيدة، وهو ما حددته نظرية التلقي الجديدة (بالمتلقي المبدع - أو المنتج للنص) وبذا يفرق الرميح بين القراءة الاستهلاكية والقراءة الإبداعية، محدداً لذلك مفاهيم نقدية مثل التأثير والصدق والصوت الداخلي، ثم يبرز دور الشهية المشتركة بين المبدع والمتلقي؛ وذلك لتفهم الأبعاد الخلفية للصوت الداخلي في القصيدة.
والرميح مع تفريقه بين مستويات التلقي يجعل ذلك منوطاً بدرجات الموهبة والمؤهلات الفطرية والثقافية والذكاء والتكوينات الذهنية بافتراض أن الكاتب هو مبدع النص الأول والمتلقي هو مبدع النص الثاني، وبالتالي تتماس هذه الآراء النقدية مع مفاهيم بعض النظريات الغربية.
إطلالة أخيرة
وتعد هذه إطلالة سريعة لم تغط كثيراً مما ورد في الكتاب من مفاهيم، ولكن هناك بعض الملحوظات وهي:
1- يستشهد الكتاب بنصوص انتقائية ولكنها ليست شاملة للآراء وللاتجاهات النقدية؛ ما يستلزم الوقوف على المقاييس النقدية بصفتها الشاملة.
2- كما أن ما أورده المؤلف تحت عنوان (منجزاتها وإسهاماتها) يمكن إدراجه تحت عنوان: (آليات تفعيل الأسرة الأدبية)؛ إذ إن العنوان الأول قد همّش دور أسرة الوادي المبارك الذي يمتد ليضم شعراء معاصرين ولاحقين لها؛ إذ نجد المؤلف يحدد منجزات أسرة الوادي المبارك باسهاماتهم في الحياة الاجتماعية أو الثقافية وذلك بقراءة ملحوظات الكتب في جلساتها الأسبوعية أو قراءة ما ينشره في الصحف فيما يتصل بالثقافة والأدب، والاستماع إلى بعض إبداعات الأعضاء شعراً ونثراً أو مناقشة كتاب ثقافي وكذلك استقبال الضيوف من الأدباء وكبار الشخصيات الذين يزورون المدينة المنورة.. وهذه المنجزات على الرغم من تنوعها وقيمتها إلا أنها تمثل آلية من آليات تفعيل الحضور الأدبي للأسرة وليست منجزاتها.
3- كما جاء العنوان الموسوم ب(أثرها على الواقع الأدبي) ليرمم الفجوة التي أحدثها العنوان السابق، وهذا العنوان على الرغم من تكثيفه الذي أخلّ قليلاً برصد أثرها إلا أنه مثّل بؤرة مركزية في الطرح النقدي للمدرسة، وتمثل هذا الأثر في تغذية الصحافة الأدبية بالبحوث والدراسات، وهو ما يستلزم عرضاً وتحليلاً للوقوف على الدور الرائد لهذه البحوث وخوض المعارك الأدبية التي يحجم المؤلف عن سردها سوى في بعض الجمل السريعة في حين أن عرضها يمثل مادة ثرية تعمق قيمة الكتاب.
4- كذلك أورد المؤلف نشر المدونات الأدبية في جملة موجزة مكثفة في حين يزداد الكتاب عمقاً لو أن المؤلف عرض أبرز التطبيقات الشعرية التي تمثلت فيها السمات الفنية والخصائصية والتشكيلية والقضايا المضمونية لجماعة أسرة الوادي المبارك بصورة أكثر إبرازاً وتحليلاً للوقوف على الجانب التطبيقي ومدى تمثل هذه الظواهر في شعر الشعراء.
5- كما جاء العنوان الموسوم ب(توجهاته الأدبية) ليقف فقط عند مدارس ثلاث (الرمزية والكلاسيكية والرومانسية) في حين سقط حضور المدرسة الواقعية التي يندرج تحتها كثير من النتاجات الإبداعية لهذه الأسرة، كما كان حضور هذه الاتجاهات حضوراً سريعاً ينقصه روح التحليل حين يفتقر إلى المنظور النقدي المتعمق والمتبوع بنماذج تطبيقية وتحليلها.
* * *
ونهاية، فإن كتاب أسرة الوادي المبارك يمثل ركيزة من ركائز الفكر والأدب والنقد لها أهميتها في مسيرة الحركة الثقافية في المملكة؛ فقد أشعل الضوء ليبرز رموزاً أدبية لها دورها المهم في تاريخ المملكة، فنفخ عنها الغبار وأزال عن طريقها الصدأ ودفع بها إلى دائرة الضوء، وقد تناولها من خلال منهج تاريخي انتقائي وصفي؛ ما يجعل الكاتب يؤسس اتجاها أدبياً عربياً يمكن أن يتضاف إلى مثيلاته من الجماعات الأدبية سيما جماعة أبو للو الرومانسية؛ ما يؤهل هذا الاتجاه الذي يؤسس له الكتاب أن يتعاطى مع المنجز النقدي من خلال رؤية نقدية صحيحة تنظر إلى الشكل كما تنظر إلى المضمون، وهو عمل يجب أن يستنفر غيره من الأقلام الواعية لتنظّر وتقعّد لاتجاهات أدبية أخرى برزت في الواقع الثقافي السعودي، وبذلك قد تستطيع هذه الأقلام المتآزرة أن تؤسس لنظرية نقدية حديثة تتكئ على حركة هذه الاتجاهات الأدبية.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved