الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 05th June,2006 العدد : 156

الأثنين 9 ,جمادى الاولى 1427

على ضفاف (حمزة شحاتة) «2»
نايف فلاح
لقد جازف (شحاتة)، على حد قوله، حينما تقدم محاضراً عن (الرجولة عماد الخلق الفاضل). واليوم من مسيرة سبعين عاماً تقريباً عن تلك المحاضرة يأتي من يجازف ويتحدث عن (حمزة شحاتة)؛ ليمسي ذاتاً مدروسة تلو ما كان ذاتاً دارسةً. والحديث عنه هو في صميمه عدة أحاديث؛ ففضلاً عن كونه حديثاً عن أهم شخصية ثقافية أدبية مرت في هذا العصر على هذا الوطن؛ فهو من جهة حديث عن فترة ثقافية، فلو كانت اللحظة الثقافية التي قال بها (سارتر) تتفق في شخص بعينه لكان (شحاتة) محلها وتعينها، وهي على نحو تعريج على طفرة أدبية رغم ما رصد منها سوى أنها لما تزل مجهولة بمعنى من المعاني. ومن جهة أخرى حديث عن النهضة الفكرية الحقيقية التي هي بالكاد تواصل ما مع التراث، تواصل لا يلغي أي تواصل آخر... فذكرنا الشيء لا يقتضي نفي غيره.
هذا التواصل أو التحاور الذي تارة يكون تواصلاً موجباً وتارة تواصلاً سالباً.. فالتواصل الذي يمدّ ما بين الابن والأب بقدر ما يبت هو التواصل الناهض المنتج.. ونحن على الدوام نتحرّى تواصلاً يظل لكل ابن فيه أب شرعي معروف؛ فلقد تواصل أفلاطون إيجاباً مع سقراط، ولم يحصل هناك تناسخ أو تطابق، وتواصل أرسطو سلباً مع أفلاطون، ولم تحدث إذ ذاك قطيعة معرفية، وابن عطاء سلباً مع البصري، والنظام إيجاباً مع ابن عطاء، والأشعري سلباً مع الجبائي.
ومما ينعي على أدبنا نظرة إلى الفاصل القاطع أحدّ من نظرة إلى الواصل الجامع؛ فنحن لا نجيد محاورة الأجيال، ورأس الأسباب في هذا هو الولع بالجدة، والخوف من عدم اللحاق بما يفد من رياح الشمال.. هذا ما أغرى كثيرين بأن يطمعوا في مركز الريادة عبر نظرية عصرية.. فكل من توسم في نفسه وثبة أو في فكره إماضة، قدم نفسه على أنه مؤسس؛ لذلك أمست الحالة الأدبية أو الفنية متقطعة لا رابط بينها سوى العمامة والعقال؛ فالإركام في العلوم الإنسانية أولى وأجدر من الاستئناف، حتى التناقض قد يصير ركماً، لكن متى ما كان في الدائرة ذاتها فالحوار السالب هو المحتم للحوار الموجب.
نحن، إذن، إزاء ثلاثة مباحث؛ مبحث عن (حمزة شحاتة)، وثان عن الفترة التاريخية التي عنها تمخض (شحاتة) وأترابه، وثالث عن كيفية تلك النهضة الثقافية المحترمة التي لم يكن الحاضر فيها يئن، كما هو الحال الآن، بين نقلين، نقل من الماضي من إرثنا العربي الإسلامي، ونقل من المستقبل الذي هو الغرب، نقل وُسم بالتقليد، ونقل وُسم بالحداثة، وإن كنت أتحفظ على اسم الحداثة من حيثيات متباينة، أهمها من حيث الجذر اللغوي، ومن حيث الموقف الحضاري، ولا سيما أن الحداثة تقع في المقابل لما يسمى بالتقليد، وهذا خلل ينمّ عن خلل اشتقاقي بين المتقابلين، بله الخلل الاصطلاحي؛ فالأولى بالتقليد مقابلته للاجتهاد من ناحية الوضع الاصطلاحي، أو للتفرد والاستقلال من ناحية الوضع اللغوي. والأولى بالحداثة، هذا إذا ما قررنا أنها في ضابط البعض أو الساكن في جوف الكثيرين لا تعدو كونها شيئاً رياضياً يتصل بالقرن العشرين. ومن تبصّر العلوم الإنسانية، يعلم أكيداً أن هذه العلوم في حالة دورية حضوراً أو غياباً؛ فالأولى بها أي الحداثة أن تقابلها القدامة، أو الماضوية.
ومن الطريف لدى بعض المحدثين أنه يتنطع بأقوال الرواقيين أو أفلوطين المصري، باعتبارها حداثة، ويعزف مثلاً عن ابن رشد باعتباره تقليداً، وهذا مضى على عكسه موقفه الرياضي، لكن الأسماء وصوت الألفاظ تكسب هوية ما وتسقط نظاماً ما.
وليت شعري، هل يفهم استطرادي هذا انتصاراً لفريق على فريق وكسب النقاط لطرف على حساب طرف، أم لعله سوف يفهم في مساق المحاضرة على أننا نئن بين نقلين، فما كان الأنين ضاجاً في ذلك العصر.. عصر (شحاتة) وإن برز في أحايين، لكن بروزه ليس كبروزه في هذه الفترة الأدبية.
وكما أسلفت فنحن أمام مباحث ثلاثة ليس في متناول المحاضرة أن تحوطها كلها، بل ليس في متناول المحاضر وقدرته على أن يضرب إلى حقيقة مبحث واحد منها، لكنه سيكتفي بما يشبه الإشارة والتنويه.


nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved