الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 05th June,2006 العدد : 156

الأثنين 9 ,جمادى الاولى 1427

حمزة شحاتة (1909 - 1972م) (3- 8)
د.سلطان سعد القحطاني

تحدثت في الحلقة السابقة عما ذكره محمد حسين زيدان عن حمزة شحاتة ونستكمل الحديث اليوم، حيث يضيف زيدان: إن حمزة سأل الشيخ محمد بن مانع عن مسألة في الدين، فأفتاه فيها، لكن حمزة لم يقتنع بالفتوى، فرجع إلى أمهات الكتب الدينية في الفقه، مثل (المحلى) لابن حزم و(المغني) لابن قدامة، وغيرها، حتى أقنع نفسه بالحقيقة.
ويضيف زيدان على ذلك ما وجده في روح حمزة شحاتة من الرفض، ليس لمجرد الرفض، ولكن لما يتمتع به من إدراك لمعارفه وقدرة على إتقانها، فيقول: إنه يحب أن يشبع غلواء نفسه بحب المعرفة والتفقه في كل شيء (هكذا حمزة شحاتة شبع فكره بالدرس، وأشبع أسلوبه بفكر نظيف، ولكن إياك أن تلمزه في معارفه حتى لعبة الكيرم، حتى نغم على وتر العود، كأنما هو أراد أن يكون موسوعة ثقافية متحركة) ويتضح من الدراسات التي أجريت على أدب حمزة شحاتة وشخصيته العلمية والاجتماعية، أنه مولع بالتعلم، وهذا يدل على تطلعاته العلمية والاجتماعية، أنه مولع بالتعلم، وهذا يدل على تطلعاته في الحياة وعدم قناعته بما وصل إليه، لأن طموحاته أكبر مما وصل إليه.
ومما ذكر زيدان في مقالته هذه، معرفته للعزف على آلة العود، ويذكر الدكتور الغذامي هذه الهواية بقوله: (وفي ذلك إشارة إلى إجادة شحاتة للعزف على العود، وهي هواية مارسها في حياته وبرز فيها، حتى إنه كان يتسقط غلطات الملحنين المشهورين، مثل محمد عبدالوهاب ويكشفها ويعيد أصولها إلى أساتذة الموسيقى الأولين مثل سيد درويش وسواه، ولكن هوايته هذه ظلت ممارسة خاصة لا يتمتع بها سوى الصفوة) نحن لا نراهن على حب شحاتة للمعرفة أيا كانت، سواء أكانت معرفة علمية أو فنية، فلم تصرفه الحياة العلمية والمناقشات المطولة عن متابعة الفن، إلا أن المناخ الفني في زمنه لم يرق له فلم يدخل في هذا المجال، وأبقى هذه الهواية من ضمن الهوايات الخاصة، يمتع بها نفسه ومريديه في أوقات تروق له، فلم يحترفها مع قدرته عليها كما يذكر الغذامي استدراكاته على المحلنين.
والقلق الذي عاناه شحاتة في حياته جاء من مصادر متعددة، استنتجناها من مقالاته وشعره، أما مقالاته، فيكفي في هذا المقام ما ذكره في مقال بعنوان (بين النقد والجمال)، حيث يقول: (ليس أحب إلي من النصب في سبيل تعديل الموازين ومعاناة الحقائق واحتمال مشقة الهدم والبناء في نفسي وفكري، فإن كانت الحياة حياة باستمرار حركتها، وتجدد دواعيها وتعدد صورها، فالنفس ما تكون النفس العميقة إلا بما يجيش بها من أسباب التغيير والتحول والتقدم والتقهقر) إن من يحلل هذا المقال يجد فيه الروح الوثابة، التي تنشد الكمال، وإن كان الكمال نسبيا، لكنها عادة العباقرة والمصلحين الصبورين على المشقة والأذى في سبيل المصالح العامة، فهذه الشخصيات - في قلقها الدائم - تجد لذة في سبيل الوصول إلى الحقيقة مهما كلف الثمن، والتغيير والتجديد سمة من سمات المبدعين، وإلا كيف يكون إبداعا إن لم يكن كذلك!! ولا شك أن هذه الشخصيات تعاني رفضها للممارسات الخاطئة، والجمود الفكري.
إن كل مبدع يعاني من النقص، ويحاول أن يعوض عنه بطلب الكمال، وليس النقص مدعاة للفشل، بل هو حافز للإبداع، فهناك من تحدى هذا النقص، وجاء بما هو أحسن مما قام به الآخرون الذين استكانوا لمعارفهم المحدودة، وركنوا للكسل، واكتفوا بالقليل عن غيره، ولكن لكل شيء ثمنه وضريبته، فقد أسرف شحاتة على نفسه، وترك ملذات الحياة لغيره في سبيل البحث عن المعرفة الحقيقية، في زمن كان أقرانه يتسابقون على كسب المال، والتقرب بالنفاق، وتحاشي المواقف المحرجة، أما هو فقد قبل التحدي، لكنه تحدي الواثق بعلمه ومعرفته، بعد الرجوع إلى مصادر العلم والمعرفة، في كل شيء، فلم تسيطر عليه الأكاديمية الضيقة ولا الفكر المحصور في (أيديولوجيات) بعض من يسير على مقولة دريد بن الصمة، الذي لم يقتنع بما يفعل قومه، لكنه يسايرهم مرغماً:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
وكان شحاتة شديدا في قول الحق، لا يتنازل عن معنى من المعاني يراه حقا مشروعا، وكان يجد في النقص - الذي يراه بعض الناس مدعاة للشفقة - كمالا وسبيلا للوصول إلى الهدف الأسمى، بل يجد فيه ما وجده علماء النفس في عقدة النقص، على أنها أقوى حافز على تحقيق الرغبات شبه المستحيلة، فعلى الرغم مما عاناه في حياته من ظلم ذوي القربى - الذي يرى أنه أشد من ضرب الحسام المهند - إلا أنها فجرت فيه ينابيع الحكمة والدأب على مواصلة البحث عن الحقيقة والمعرفة، بذا تميز عن أبناء جيله في كثير من الصفات، أولها صدق عاطفته الجياشة بشعر لم يقلد فيه، وحتى الذين وجدوا في بعض قصائده صورة للشريف الرضي، أو النابغة، أو أبي الطيب المتنبي، وغيرهم، لنا عليها بعض الملاحظات، وسنأتي عليها في تحليل شخصيته من خلال شعره، والنقص طبع في الناس وليس عيبا، فمن يرى أن النقص يعيب شخصية الفرد، فإنه قد جانب الحقيقة، ويروي الدكتور عبدالله الغذامي، قصة روتها له السيدة شيرين، ابنة المذكور، ملخصها: إن أحد الموظفين في دائرة حكومية ما، طلب من حمزة شحاتة اسمه الثلاثي، لكن حمزة رفض وأصر على أن اسمه (حمزة شحاتة) وكفى، ولن يقبل بأكثر من هذا ولا أقل، وقال: لو زدت فيه حرفا واحدا، فكأنك نقصت منه، أنا حمزة شحاتة فقط، وهذا دليل غباء النظام) هذا هو أنا: حمزة شحاتة، اسما ثنائيا فقط.
كان حمزة شحاتة مولعا بالمحاجة والجدل، لكنه جدل المنطق والعلمية الموثوق بها، وما ذلك إلا نتيجة معرفته وسعة اطلاعه، وقد ضحى بالكثير من مصالحه - إن لم نقل كلها - في سبيل استقلال منهجه ودفاعه عن الحق، الذي يرى فيه جودة المنطق، وتصحيح مسارات الحياة، فيما يتعلق بالأنظمة والقوانين العمياء والبائدة، وقد ذكر عنه الكثير من المصادمات والتعنت في سبيل ما يرى أنه حقيقة، ولو كذب الإنسان على نفسه في بعض المواقف مرة، فلن يجدي نفعا في المرات القادمة، يروي الدكتور الغذامي - في نفس المصدر - قصة مماثلة حدثت لشحاتة في القنصلية السعودية في القاهرة نقلا عن ابنته شيرين، مؤداها أنه كان يريد توثيق عقد زواج إحدى بناته، فطلب منه الموظف إحضار البنت للتأكد من شخصيتها، لكنه رفض ودخل في جدل استغرق أربع ساعات، بيّن للموظف غباء النظام، وقال: أستطيع أن أحضر لك أي امرأة من الشارع على أنها ابنتي، فهل تعرفها؟ وما كان من الموظف إلا أن اقتنع وصدق العقد. وللحديث بقية.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved