الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th July,2004 العدد : 66

الأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

مساقات
سُلَّم الشِّعر لدى العرب

د. عبد الله الفَيْفي
الحلقة الثانية
( 1 )
تطرق المساق الماضي إلى أربع درجات من ألقاب الشعراء، تمثل الفئة الأولى من فئات الألقاب الشعرية، وهي تلك التي تحمل شهادة بتميّز الشاعر في عموم شعره: (الفحل، النابغة، المحبّر، الشمّاخ). ويظهر أن لقب (الصنّاجة) هو أليق الألقاب بالدرجة الخامسة من تلك الفئة، فصاحبه (أعشى منفوحة) شاعر مطرب بشعره، صوتيًّا؛ لشعره جلبةٌ، إذا أنشدتَه يخيل إليك أن آخر يُنشد معك. لكنه ليس معدوداً في زمرة الفحول لديهم، حسب الأصمعي، وإن عَدُّوه في الطبقة الأولى، حسب الجمحي، وإنما كان يقدّمه أهل الكوفة، محتجّين بأنه أكثر الشعراء عروضًا، وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جديدة، وأكثرهم مدحًا وهجاءً وفخراً وصفة، وأنه أول من سأل بشعره، لكنه لم يكن له مع ذلك بيت نادر على أفواه الناس، كأبيات أصحابه، وقدّمه خَلَفٌ الأحمر على الشعراء لمثل تلك الأسباب، وكذا الأخفش وأبوعمرو ابن العلاء.
(ينظر في هذا: ابن سلام الجمحي، (1982م)، طبقات الشعراء، مع تمهيد للناشر الألماني: جوزف هل، ودراسة عن المؤلف والكتاب لطه أحمد إبراهيم، (بيروت: دار الكتب العلمية، 44 45) غير أن حمّادًا الراوية وهو من هو لم يَرْضَه في أصحاب المعلّقات كما فعل (المفضّل بن عبدالله الضبّي)، وقد أشار إلى رأيه تلميذه (أبو زيد القرشي،1981، جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، تح. محمد علي الهاشمي ، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، 1: 218 219) بل استبدل به الحارث بن حلّزة، وهذا الخلاف يدعو إلى التنبيه إلى جملة نقاط:
أولاها: أن تلك المعايير والأحكام والألقاب كانت ذات طبيعة ارتجالية، تنبني على ذوق القائل بها وما يتطلّبه في الشعر ومن الشعر، وإن كان هذا لا يقلّل من أهمية بحثها لسبر الوعي النظري العامّ بالشعر في المخيال العربي،
الثانية: أن اللقب الواحد من تلك الألقاب التقييمية ليس حُكمًا مستوعبًا لكل خصائص الشاعر، وإنما هو التفاتةٌ إلى الأبرز من خواصّ شعره، ومن هناك قد لا يصلح اللقب وثيقة على المنزلة الشعرية للشاعر نفسه الذي مُنح إياه، لكنه كصفة يَضع بين يدينا منزلة هذه الخصلة أو تلك من خصال الشعر في المنظور العربي القديم، فيُستنتج مثلاً: أن صفة الفحوليّة لديهم أعلى من صفة النبوغيّة، وهذه أعلى من صفة التحبيريّة، والتحبيريّة أعلى من صفة الشموخيّة، والشموخيّة أعلى من أن يكون الشاعر صنّاجة، وهلم جرا، وإلاّ فإن الشاعر الواحد قد يستأهل أكثر من صفة من هذه الصفات، كأن يكون نابغة وفحلاً، أو محبّراً وفحلاً، أو شمّاخاً وفحلاً، بحسب زاوية الحُكم على شعره. ومع هذه الاحترازات فلقد غلبت دلالات هذه الألقاب على آراء النقّاد وتصنيفهم لطبقات الشعراء، بدليل ما أشير إليه من ترتيب الشعراء وفق ذلك الترتيب للألقاب: (الفحل، النابغة، المحبّر، الشمّاخ، ثم الصنّاجة)، استناداً إلى قاسم مشترك يتمثّل في قرب الشاعر أو بعده من محورٍ يسمونه: (الفحولة).
الثالثة: أن الشعراء الذين لم يشتهروا بألقابهم الشعرية يشاركون أقرانهم من الشعراء الملقّبين في اكتساب منازلهم من الشعر وطبقاتهم بين الشعراء، وفق المعايير التي مُنِحتْ على أساسها تلك الألقاب، فما اللقب بسوى نعتٍ فنيّ يحظى به بعض الشعراء دون بعضٍ في سياق ما، فيغلب على أسمائهم ويشتهرون به، فما ينفكّ مؤشّراً على خصلة فنّيّة وراءه، تصدق على سائر نظرائهم من الشعراء، ملقّبين وغير ملقّبين.
( 2 )
ويبقى من الفئة الأولى، المتعلّقة بالبراعة الفنّية العامة، لقبٌ أو لقبان، أقلّ شأنًا من الألقاب الخمسة السابقة: (الفحل، النابغة، المحبّر، الشمّاخ، الصنّاجة).
أولهما: لقب (مقّاس)، الذي مُنح ل(مسهر بن النعمان بن عمرو العائذي القرشي)، وهو شاعر جاهليّ مقلّ، موصوف بجودة شعره، ومنه ذلك الشعر الذي يذكرون له في (كتاب بني أبي ربيعة بن ذهل) في ذِكْر (بطون قريش). وله المفضليّتان الرابعة والثمانون والخامسة والثمانون من مفضليّات الضبّي. وقيل في تفسير لقبه: إنه يَمْقُسُ الشعر كيف شاء، أي يقوله. وإن كان قد عُلّل لقبه ببيت من شعره كالمعتاد.
ويظهر من هذا اللقب أنه يشير إلى قلّة شعر هذا الشاعر، فهو شاعر مقلّ؛ فكلمة (مقّاس): من مقس وتمقّس، إذا غثتْ نفسه وتقزّزتْ. فهو قليل الشهية في الشعر ما لم يكن من جيّده، وعليه فكأن كل مقلّ من الشعراء مقّاس. وبذا يظهر معنى مترتّب على ذلك، وهو أن يصطفي الشاعر من شعره اصطفاءً، ولا يرضى بغير ما انتقَى من رائق ما يتوارد على خاطره، فكأنه لقبٌ يرادف لقب (الذائد)، الماضي الكلام عنه في أحد المساقات، وهذا إذن لقبٌ يحدّد منزلة الشاعر بين المقلّين، وإن كان قليلهم جيداً مستحسنًا، هو لقبٌ إذن يقيّم الشاعر من حيث حجم الشعر الذي كان معياراً مهمًّا كما مرّ في تحديد منازل الشعراء يوازي لقب المهلهل، الذي اتّخذوه مؤشّراً على هلهلة الشعر ورداءة نسجه، وإن توفّر على معيار التقصيد وغزارة الشعر، وشبيه بلقب المقّاس لقب (المتنخِّل)، المطلق على الشاعر (مالك بن عمرو الهذلي جاهليّ).
يقال: تنخَّل الشيء وانتخله، أي صفّاه واختاره، وكلّما صُفّي ليعزل لبابه فقد انتُخل وتُنُخِّل، فيبدو أن المتنخِّل لُقِّب بلقبه هذا لانتخاله من الشعر مستجاده.
يدلّ على ذلك أن الأصمعيّ، كما يذكر (ابن قتيبة، الشعر والشعراء)، قد استجاد قصائد له جاءت على رَوِيَّات نادرة: كالزاي، والطاء، وإن كان قد أخذ عليه قصر تلك القصائد.
أمّا (المنخّل) اليشكري، فهذا اسمه كما تدلّ المراجع وليس بلقب له، واللقب الآخر والأخير من هذه الفئة، هو لقب (الأفوه)، الذي أُنيط ب(صلاءة بن عمرو بن مالك الأوديّ، من سعد العشيرة من مذحج، ت.570م).
وقد جمع بقايا شعره عبد العزيز الميمني في كتابه (الطرائف الأدبية)، ويبدو لقب الأفوه صفة مرادفة (للمفوّه)، أي: الناطق ذو الكلام الحلو الرشيق.
(انظر: العاني، سامي مكي،1971، معجم ألقاب الشعراء، النجف العراق: مطبعة النعمان، 25)، ولعله إنما اكتسب لقبه هذا للخطابية الحِكَمية التي يكتسي بها شعره.
وللبحث صلة.
مقام:
ذئباً
يتخلّق من حبّي وحناني..
يا جلجلةَ الأصواتِ تُحِيْلُ الليلَ نهارا !
aalfaify@hotmail.com
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved