الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th July,2004 العدد : 66

الأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

زوايا ...
قضية المرأة.. هي قضية المجتمع!!
* أمل عبدالله زاهد
صرح أحد المشاركين في المؤتمر الثالث للحوار الوطني لجريدة الشرق الأوسط بأن طروحات الرجل خلال جلسات الحوار المنعقدة كانت أشد قوة وأكثر عزماً ومضاء وجرأة من عروضات المرأة، وأنهم كرجال كانوا يواجهون باحتجاجات من بعض الشيوخ حين يتحدثون عن حقوق المرأة، قائلين لهم: هل قامت النساء بتوصيتكم للتحدث في ذلك؟ ورغم أن بعض المشاركات رددن على اتهام ذلك المشارك ودافعن عن طرح المرأة ووصفته بأنه كان متوازناً وبنَّاء وليس ضعيفاً، إلا أني أكاد أجزم بأن تصريح ذلك المشارك الذي رفض أن يذكر اسمه لم يجانبه الصحة ولم يبتعد عن الحقيقة، فقد اعتادت المرأة العربية على التشبث بصوت ذكوري تقف وراءه؛ لأنها غالباً ما تعرض قضيتها في خجل ومواربة واستحياء، فيأتي صوتها خافتاً ضعيفاً باحثاً عن رجل يشد من أزره، ويقوي شوكته، ويرفع من نبرته، ويشد الخطى خلف مَن يقف عن قضاياها منافحاً، وعن حقوقها مدافعاً ومبارزاً.
وأنا هنا لا ألوم المرأة، ولا ألقي بحجارة التقريع على رأسها، فالأمر يتعلق بتلك الجذور التي تمد جسد الثقافة من عروقها وتدخل في صلب تكوينها، تلك الجذور الضعيفة الواهية التي تتغذى منها المرأة، فتصبح كورقة هشة تعبث بها أنواء الحياة، وتجرفها أمواج المجتمعات الذكورية مكتسحة معها حتى أبسط الحقوق التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية السمحة، فالمجتمعات الأبوية الذكورية تحيط المرأة بجدار سميك من الوصاية والحماية، تفقد معه القدرة على الحكم الصحيح على الأمور والتمكن من النفاذ إلى عمق الأمور وحقائقها، فتنشأ ضعيفة الشخصية، مستلبة الإرادة، فاقدة الاستقلالية تبحث دائماً عن حائط ذكوري تختفي خلفه وتحتمي بحماه، وعن صوت رجل يتحدث عنها ويدافع عن قضاياها، ويرفع صوته محتجاً بجرأة وشجاعة لا تملك هي القدرة على التفوه بها. وحتى بعد أن تتعلم المرأة وتتثقف وتدرك أبعاد حقوقها تمام الإدراك يسيطر الموروث الخاطئ المتلفع بثوب الدين على اللاوعي داخلها، وتفشل في أن تجتث جذوره من أعماقها، ويبقى هو الدافع الرئيسي لسلوكياتها، فالعقل الباطن لا يستطيع أن يتخلص مما تشعَّب وتجذَّر داخله بسهولة ويحتاج إلى كثير من الوقت حتى يلفظ الموروث من جوفه، وحتى تحتل القناعات الجديدة الصحيحة المكان المنوط بها سكناه، لتصبح هي المسيطرة والمهيمنة على سلوكيات الفرد. وقد جاء القرآن الكريم لينبهنا إلى سنن الله في الأمم وفي الكون، ويطلب منا التفكير والتدبر والنظر في الآفاق، ويحذرنا من مغبة اتباع الآباء والأجداد دون إعمال العقل، والتمعن في حقيقة الأمور ووزنها بميزان الحق والباطل، وليس بميزان التقاليد والموروث والمتعارف عليه، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}.
وأحب أن أشدد على أن قضية المرأة هي قضية المجتمع برمته، وهي معركة في سبيل النهضة والحضارة والتنمية والتقدم، معركة في سبيل اللحاق بركب راح وخلَّفنا وراءه نضرب كفاً بكف، نتباكى على المجد الذي راح، والعز الذي ولَّى، وليست معركة بين الرجل والمرأة. والتحدي الذي نواجهه كحضارة يجب أن تتضافر من أجله جهود الرجل والمرأة، حتى نستطيع أن نواجه العواصف التي تكاد أن تجتث حضارتنا وكينونتنا من أصولها. ويساعدنا في مواجهة هذا التحدي إيماننا بأنفسنا وبقدرتنا على التغيير، كما أن المرأة والرجل شريكان في بناء البنية الأسرية التي تتكون من لبناتها المنظومة الاجتماعية، ولذلك يجب أن يتناغما ويتكاملا ويتعاونا في سبيل بناء حجر الأساس الذي يقوم عليه البنيان. ولقد أكد مالك بن نبي المفكر الإسلامي المعروف بأنه ليس للمرأة مشكلة معزولة عن مشكلة الرجل، فمشكلتها هي مشكلة الفرد في المجتمع، وتجزئة قضيتها هي تشويه لحقيقة الصراع الحضاري، وتساهم في خلق معركة مختلفة بين أفراد المجتمع الواحد والأسرة الواحدة، وبذلك يُصرف الاهتمام عن القضية الرئيسية، ويتحول الصراع من صراع المجتمع ضد التخلف الحضاري إلى صراع داخلي تدور رحاه في المجتمع ذاته وبين أفراده، وبذلك يتم تلهيته عن الهدف الجوهري وهو التصدي للتحديات.
وغالباً ما يُرمى الرجل المنافح عن قضايا المرأة بشتى أنواع الاتهامات، فهو تارة يدعو للتغريب، وأخرى يريد إفساد المرأة وإخراجها من محارتها المكينة إلى عالم تعصف بها فيه كافة أنواع المخاطر والمزالق، وثالثة لا يهتم بالدين ولا بتشريعاته التي خطَّها ونظمها لحضور وتواجد المرأة في المجتمع، وقد يصل الأمر إلى اتهامه بأنه يجلد ذاته كي يتملق المرأة ويداهنها حتى يفوز برضاها، مع أن الداعين إلى إعطاء المرأة حقوقها، ومنحها ما كفله الله سبحانه وتعالى لها من امتيازات ينطلقون دائماً من منطلقات الدين نفسه ومن مبادئه السامية السمحة. ولكن ما أسهل إلقاء التهم جزافاً، والحكم على نوايا القلوب ودواخل النفوس عند بعض البشر!! وما أهون تفريغ شحنات العداء المحتقنة في وجه مَن يخالفهم في الرأي أو لا يتفق معهم في نظرته إلى الأمور!! وكأنما نُصبوا قضاة بأيديهم الحكم بالإعدام على شخص لرأي ارتآه أو فكرة تبناها، وهذا هو الإرهاب الفكري الذي يحاول كبح جماح العقول التي تجرؤ على التفكير بطريقة مختلفة أو تقول كلاماً يخالف ما ألفه الناس وما اعتادوا عليه، حتى لو كان يستقي منابعه من جذور الدين الصحيحة.
نحتاج إلى التعالي على الرغبات البشرية المضخمة لذاتنا، وإلى الترفع عن النزاعات الصغيرة والخلافات التافهة، وإلى التخلي عن العزة بالإثم في حال معرفتنا بأخطائنا، والتركيز على تفعيل العملية النهضوية التنموية التي لا يمكن أن تتحقق بمجتمع مبتور الأطراف، تُقصى فيه المرأة عن دائرة الفعل. هذا فقط ما سينتشلنا من مستنقعات التخلف التي وجدنا أنفسنا نخوض فيها غير قادرين على سحب أنفسنا من دوامتها.
amal_zahid@hotmail.com
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved