الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th July,2004 العدد : 66

الأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

رسالة الأدباء .. بين دهاليز العتمة وإغراء الأضواء!!

* الثقافية س. ز :
الأدب رسالة ، يعمل عليها دؤوبون صادقون لا تثنيهم عنها مثنيات ، ولا تخطف أبصارهم وألبابهم أضواء أو فلاشات ، سيماهم في مؤلفاتهم لا تأليفاتهم ، وفي كتبهم لا كلامهم إذا علموا عملوا ، لا إذا جهلوا تعالموا ، أولئك أحبهم الخالق فأحبهم الخلق ، فطوبى للصادقين. وعلى النقيض نجد الأدعياء لا الأدباء ، أوصياء بلا وصاية ، يتثاقفون أينما يُثقفون.
حول هذين الفريقين يشاركنا أديبان حقيقيان ألّفا فأثريا فإلى ذلك:
المثقف المحلي وغياب الأثر الحقيقي :
الروائي المعروف الأستاذ عبده خال، شاركنا قائلا :
هي ملاحظة جديرة بالتوقف معها فثمة أسماء كثيرة تجول في ذاكرتنا المحلية وليس لها ما يساندها من تأليف ويصبح السؤال مشرعا وباهتا عن الإجابة، هل نبدأ في التخمين سأبحر مع جملة أسباب يمكن لها أن تؤدي بنا إلى اكتشاف هذه الآفة إن صح التعبير.
أول تلك الأسباب، هل نرجع الأمر إلى كوننا مجتمعا قادما إلى الكتابة منذ وقت قصير، أي أننا كنا نحتفي كثيرا بالشفوي وعادة المجتمعات الشفوية أنها تكون وتترك لذاكرة المجتمع الحفظ أو النسيان، وبالتالي يصبح كثير من مبدعينا الذين نفخر بهم هم أمناء لهذه الذاكرة.
لو تحررنا قليلا من هذه الخطوة وانعطفنا للبحث عن سبب آخر ربما سنجد أمامنا إرثا يضاف إلى تراكمية الذاكرة الشفوية، ذلك الإرث خلفته الحركة الثقافية الحديثة في بلادنا، حيث مثلت شريحة كبيرة من أدبنائنا الطلائعيين (إن جاز هذا المسمى على أدبنائنا) خلفوا عادة سيئة تتمثل في عزوفهم عن النشر والتأليف، منطلقين من أسباب عديدة يأتي في مقدمتها صعوبة النشر في تلك الفترة، واقصد بصعوبة النشر عدم تسامح الرقابة مع ما يكتبون، يقابلها موقف العزوف عن النشر الخارجي بحجة أن رسالتهم موجهة للقارئ المحلي، ولأن الدور الخارجية تبحث عن مقابل مادي باهظ للنشر لهم.
ولو واصلنا في تنقيبنا لأسباب هذه الظاهرة لربما قلنا ان هؤلاء لم يتخذوا الثقافة كرسالة حقيقية، من مهامها الأساسية العمل الدؤوب وإحداث الأثر بالفعل الكتابي بعيدا عن الذاكرة الأم (الذاكرة الحافظة).
قد نقسو على أحبتنا لأنهم كانوا يتقاسمون الجد والتقاعس في هذا الجانب، وغياب العمل الدؤوب في نظري لم يتخلف عن شائبة النرجسية التي طغت على الكثيرين منهم، كون المجتمع لا يقرأ وان المجتمع يستهلك الآني، وتصبح الحجة لديهم أن توفير كتاباتهم يدخل في باب العبث، أو أن مواصلة الكتابة عبث آخر، وهذه الشريحة شريحة كبيرة وأي فئة تسير بهذا الترفع لا يمكن لها أن تحدث أثرا، ربما يكون هذا القول تهمة قاسية لأحبائنا لكنني في الوقت نفسه أتساءل أين الأثر الفعلي للمثقف المحلي في مجتمعه، فمنذ سنوات طويلة لم يحدث الأثر التوعوي الذي حمل لواءه شريحة المثقفين، وعدم المصداقية والدأب في العمل أسقط هؤلاء من ذاكرة المجتمع، وتم استهلاكهم استهلاكا آنياً.
من هنا يمكن أن نسل خيطا يشير لونه إلى أن الأديب لدينا ركن إلى الخمول في أوقات كثيرة عازفا عن الكتابة أو مكتفيا بما ينشر في الدوريات والصحف، وهذا النموذج اختفى بالمريدين لتوزيع أدبه أو مقولاته.
تغدوا هذه جملة تخمينات تبرهن بالتفوه بها في ظل غياب حجج هؤلاء الأدباء، وهو انتداب غير رسمي للحديث عن أناس ملء السمع والبصر الآن. ربما تكون جملة التخمينات هذه مسفهة من هؤلاء الأدباء وربما يملكون حججا مقنعة لعزوفهم عن النشر، وبالتالي يغدوا انتدابنا للحديث عنهم حديثا غير شرعي وممجوج بالنسبة لهم.
زهد المثقف الحقيقي وأشباه الأدباء :
أما الناقد الأستاذ عبد الله السمطي فجاءت مشاركته كما يلي :
الشهرة تبعا لمقولة شكسبيرية كظل الرجل، عريضة إذا جاءت أمامه، هزيلة إذا جاءت خلفه، وفي عالم الأدب فإن فضاء الشهرة يرتبط بأمرين :
أولهما : قيمة الإبداع الأدبي، ومستواها الفني.
وثانيهما : السياق الثقافي العام الذي يمتزج بالسياقات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية.
إن المشتغل بالأدب حين تتجلى كتاباته بشكل إبداعي عال لا ينتظر الشهرة، إنها تأتيه حتى عتبات بيته، و بمعنى آخر حتى صفحات كتاباته، هي شهرة تلقائية، صدى آخر عفوي غير مصنوع ولا مسنود بوظيفة، أو منصب، أو سلطة، أو جاه أو مال، الأديب هنا أديب حق، إنه يزهد في الشهرة، لا وقت لديه يضيعه كثيرا في وسائل الإعلام، إنه مخلص لكتاباته، المهرجانات والدعايات، اللقاءات، المؤتمرات، الندوات، الحوارات المتلفزة، المسموعة والمطبوعة، إنه يزهد فيها جميعا، هي لا تهمه كثيرا قدر ما يهمه تطوير تجربته الإبداعية، وتعميقها وتنسيجها، بمعنى أن تصبح نسيجا خاصا به وحده،
إن المبدع الحقيقي ينشغل بتوصيل أصواته موهبته التي حباه الله بها، رؤيته، موقفه من العالم، من طبقات الوعي الإنساني، ينشغل بالكشف عن حجب الواقع لأنه يرى بعيون أخرى، بحواس متجددة، قل ذلك عن مبدعين كثيرين في القديم والحديث، قله عن امرئ القيس الذي لم ينشغل كثيرا بالسلطة، كان بحق (الضليل) الذي يبحث عن قصيدته، عن تلقائية حياته، غزله، وفخره، وعن عمر بن أبي ربيعة، ابي نواس، المتنبي، أبي العلاء، وكثير من علماء اللغة والأدب، والتأليف الموسوعي في القرون الخالية،
قل ذلك أيضا عن شوقي، نجيب محفوظ، صلاح عبد الصبور، دنقل، سعدي يوسف، نزار قباني، محمود درويش، أدونيس، الماغوط وغيرهم ممن لم تأخذهم الحياة إلى الانصراف إلى خديعة الشهرة، ولم تصرفهم الأضواء عن متابعة إبداعهم.. في إحدى المرات صرخ فينا محمود درويش، وكنا نطارده لإجراء مقابلة صحفية في القاهرة : (لست نجما سينمائيا، أرجوكم أنا شاعر فقط)، وعند جلوسي معه قال : (كل ما أحاوله هو تعميق المعنى الجمالي والإنساني).
على النقيض من ذلك يأتي الأمر الآخر وهو الشهرة المصنوعة بفعل السياق الثقافي العام، أو السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فقد تأتي الشهرة بسبب أن السياق الثقافي ليس في حالته الجيدة المثلى، بحيث يزهد المثقف الحقيقي في الظهور، فيما يتقدم الساحة أشباه الأدباء، وهي ظاهرة عامة اليوم في مجتمعاتنا العربية، ونظرة واحدة على أغلب الأسماء المشاركة في الندوات والمهرجانات وعضويات اللجان تكفي.
وقد تأتي لأن هذا الحزب أو ذاك، أو أن المستوى المادي أو المنصب أو الطبقة الاجتماعية لهذا الأديب أو ذاك تفرض حضوره بشكل معين، وبصورة وجيهة في وسائل الإعلام المختلفة. هنا يستحضر الأديب المشهور سلطويا ونسقيا دوره اللاهث، إنه يظهر في كل وسائل الإعلام ويكرر صوته ومقولاته التي يحفظها لمناسباتها في كل وقت، وتراه لا يكتفي بالأدب وحده، بل تراه حكيما، حصيفا، فيلسوفا، عالم نفس وعالم اجتماع، ومفكر .. الخ، المهم أن يغطي الفترة الزمنية الإعلامية له.
وللأسف فإن كثيرا من المثقفين ينساق وراء هذا الوهم، وهم الشهرة، مع أنه لو تأمل كثيرا لرأى أن المثقف العربي اليوم يأتي في ذيل اهتمامات الدول العربية، نعم يسكن في الفنادق، ويحضر الندوات، ويستضاف في وسائل الإعلام، لكن صوته يذهب أدراج الرياح، بل إن برامج الفضائيات المنوعة الرديئة أكثر تأثيرا في الناس، وفي ستار أكاديمي، الهوى هوانا، ووزنك ذهب أو فضة الدليل.
المثقف اليوم مشهور أو غير مشهور، أو عاكف على القصائد لا أثر له، ولا حضور، كأنه يعيش حياته فقط بين محبرته، أوراقه، خياله الشاطح، تلك هي المسألة، تلك هي المسألة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved