الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

الفلسطيني: الأرض وحق العودة
د. أحمد برقاوي*

حينما نطرح قضية فلسطين من زاوية الأرض والعودة فإنما نطرح قضية معنى الوجود الإنساني وقد أخذت صيغة الوعي بالهوية والكفاح العملي لتحقيقها الواقعي.
فحالة سلب العربي الفلسطيني حقه بالوجود الإنساني المتعين بوطنٍ هو أمام العين الباصرة أرضه وتاريخه ولغته وطبيعته حالة هي من الشذوذ بحيث لا نجد مثيلاً لها في عالمنا المعاصر.
ويزداد انحراف الحالة لما هو سوي في التاريخ ولما هو مناقض لمنطق الحياة حين يطلب من العربي والفلسطيني صاحب الحق أن يعترف عنوة لغيره بحقه بما سلب.
ويبدو أن الحقيقة في معمعان السياسة الدولية واستمرار العجز العربي قد فقدت وضوحها وتميزها.تقول الحقيقة التي لا يمكن دحضها لا بمنطق السلاح ولا بسلاح المنطق: إن فلسطين أرض لشعب متعين واقعياً هو الشعب العربي الفلسطيني وإن لهذا الشعب أرضاً متعينة جغرافياً هي فلسطين كلها.نحن لا نذكر أحداً ما بهذه الحقيقة، لأنها ببساطة لم تغادر ساحة الذاكرة أبداً إنما ندعو إلى ممارسة تصب في مسار تعيين هذه الحقيقة واقعياً.
ومن الحقائق ما يستطيع الإنسان تجاهلها وقد يحيا دون أن يأخذها بعين الاعتبار أما حقيقتنا فهي من قبيل الحقائق التي مصيرنا في هذا العالم ولهذا فالعلاقة بين الفلسطيني وأرض فلسطين هي علاقة حية جداً بحيث لا يستطيع مزاح التاريخ الثقيل أن يلغيها.
فالأرض الفلسطينية ليست فكرة مجردة اخترعها الفلسطيني اختراعاً، ولم يفتش عنها في ثنايا كتب أسطورية صفراء، ولم يستقوا بأحد من الخارج لامتلاكها، إنها وقائع حياته اليومية، وتاريخية الموصول دون انقطاع، وتربة تضم رفات من أحب ويحب، وأغنية عمرها مئات السنين، ولغة أنتجت أجمل الشعر والقول والأمثال، وفوق هذا وذاك أرض زرعت بأقدس الأرواح ورويت بأطهر الدماء.
ما كانت لهذه العلاقة العاطفية بفلسطين، علاقة الحب الجارف لها أن تكون على هذا النحو الجميل لو لم تتوحد الحقيقة مع الإنسان.
وبالتالي فالعربي الفلسطيني لم يتوسل حقه من قرارٍ هنا أو إعلان هناك، فكل القرارات تتضاءل أمام الحقيقة الناصعة التي ذكرت.
هل هي عودة إلى خطاب طوباوي أتى عليه الزمان؟
أقول لا.فليس انتصار الوهم بالواقعة التي يجب أن نستسلم لها.وليس انهزام الحقيقة بالأمر الذي يدعونا للاعتقاد بوهم عدونا.
إن الانطلاق من حقنا الأبدي في فلسطين هو الاعتراف بالحقيقة دون لبس، والانطلاق من هذه الحقيقة هو المعيار لتقويم أي سلوك سياسي ماضٍ أو حاضر مستقبلي.
إن الحقيقة التي هي كما قلت جزء منا تواجه على نحوٍ واضح كل أشكال التزييف الواقعية.فليس كل واقع يحوز على الحقيقة وليس كل حقيقي يحوز على تعينه.
إن (وجود دولة إسرائيل) واقعة لا مجال للشك فيها تماماً كما هو الشر الذي يصادر نزوع الإنسان نحو الخير وإسرائيل شر مطلق وبالتالي إن وجودها ليس حقيقياً إطلاقاً.
وأية ذلك أن العلاقة بين اليهودي وفلسطين علاقة خارجية تقوم على الاحتلال والاغتصاب والتهجير والقتل والسجن واستمرارها مترابط بعامل خارجي، فهي موجودة بغيرها واستمرارها مترابط بعامل خارجي، فهي موجودة بغيرها وليس بذاتها، بينما نحن لا نحتاج إلى أي عامل من الخارج لنوجد، فرغم اللجوء والتشرد وسلب الحق التاريخي، احتفظ الفلسطيني العربي بوحدته مع أرضه، وحدة لم تزلها حالات الانشطار ومنطق القوة الذي ما برح يجهد لتحقيق الانفصال بين الأرض والفلسطيني.
يطمئن الفلسطيني لمصيره وهو يواجه منطق القوة، بينما يحمل اليهودي الصهيوني نفسية اللص الخائف دائماً إمكانية القبض عليه.
والمدقق في فكرة الأمن الذي يسعى إليه الصهيوني يكشف دون عناء عقلية اللص حيث الخوف جزء لا يتجزأ منه.وبالتالي فهو فاقد لشعور الحرية، وبشكل دائم، وإن من فقد شعور الحرية على أرض لا علاقة داخلية فيها، لا يمكن إلا أن يعول على الإجرام كطريقة مثلى لإكساب الأمن، ولكن هيهات للمجرم أن يحصل عليه حتى ولو قدم له صاحب الحق الفدية التي يطلب.
لنزع علاقة العربي الفلسطيني التي لا تنفصم مع فلسطين يطرح اللص المحمي أمريكياً كل ما من شأنه تحويل غايته إلى واقع.
يطرح الحكم الذاتي: والحكم الذاتي إسرائيلياً هو التالي: تحويل السكان الأصليين في وطنهم إلى بشر من الدرجة الثانية غير حائزة على حق الإنسان بالتصرف الحر على أرضه التي يراد لها أن تكون أرض إسرائيل .
يطرح: التعويض على الذين شردوا عنوة، فيغدو المال مقابل الوطن.
يطرح التوطين: أي عش أيها الفلسطيني حيث أنت أو حيث يشاء الآخرون أن تعيش، متخلياً عن هويتك الأصلية .
ببساطه لديهم وهم أنهم قادرون على أن يصنعونا على هواهم، يرفض الفلسطيني كل هذا.
يرفض الحكم الذاتي لأن بالأصل يعرف حق المعرفة الوطن ويسعى إليه ويبحث بالأصل عما يجعله مواطناً بالمعنى الحقوقي، السياسي يحمل صفة وطنه.
يرفض الحكم الذاتي، ولأنه اعتراف للعدو بحق من حقوقه المطلقة ألا وهو حقه في فلسطين كلها .
يرفض التعويض:لأنه ما من إنسان يبني العلاقة العاطفية والتاريخية على وطنه مستعدٌّ لاستبدال الوطن بحفنة من الدولارات .
يرفض التعويض: لأن كرامته الوطنية لا معنى لها خارج نزوعه العملي والنفسي للعودة إلى أرضه .
يرفض التوطين: لأنه ليس خياره الحر، ولن يحوز على الحرية في مكان آخر غير وطنه.
إذن لا شيء سوى حق العودة وحق العودة فقط، يجب أن نجعل من هذه الفكرة حية في ضمير العرب قاطبة.يجب أن تظل عاملاً مؤرقاً للص الذي لن يهنأ في فلسطين طالما عامل السلب الفلسطيني والعربي حاضراً.
لا شيء سوى حق العودة لأنه وحده الذي يعبر عن الترابط الموضوعي بين الفلسطيني وأرضه.لاشك أن سبل الوصول إلى هذا الحق صعبة ومعقدة لكن الفكرة يجب أن تظل حية لأن التخلي عنها لا يعني سوى الاستسلام لواقع وهمي وتنكر لحقيقة التي نجهد لتحويلها إلى واقع.


*رئيس قسم الفلسفة بجامعة دمشق

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved