الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

النظرية العربية عند النقاد القدامى من منظور حديث 2
الحياة الثقافية في زمن ابن طباطبا
د. سلطان سعد القحطاني

هو ابن طباطبا: محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم طباطبا، المولود، والمتوفى في أصبهان، من أسرة عربية شريفة تعود إلى علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) فإضافة إلى هذا النسب العربي الشريف، كانت له مكانة أدبية كبيرة، فهو شاعر وكاتب ومؤلف، ويتمتع ابن طباطبا بذائقة فنية عالية، فهو ناقد، ممارس للحياة الأدبية بشقيها (الإبداعي والنقدي) وكان موقفه في ذلك العصر المضطرب أدبياً بين تيارين متضادين، تيار أدب الطبقة المترفة من الشعراء والكتّاب المقربين من هذه الطبقة، وتيار الشعراء (الكدية) أولئك الشعراء المتكسبين بشعرهم، تحت وطأة الحاجة، ومن هذا المنطلق ظهر نوع من التقديس للحكام، حتى أن البعض ساوى بالحاكم الإله، وهي زندقة من الديانات الفارسية القديمة، ولم يخضع ابن طباطبا كغيره من الشعراء والنقاد إلى هذه السُّنّة، لسببين - في نظري -: الأول: أن ابن طباطبا عربي أصيل لم تهن كرامته ولا دينه لهذه العادات الوضيعة - كما قدمت قبل قليل - ونورد مثالاً واحداً يكفينا عن بقية الأمثلة، حيث يقول أحدهم في ذلك الزمن:
صلِّ يا ذا العلا لربك وانحر
كل ضد وشانئ لك أبتر
كلما خر ساجداً لك رأس
منهم قال سيفك: الله أكبر
ولعل هذه المبالغات قد أثرت في حياة ابن طباطبا، لما عكسته من تصرفات ليست من طباع العرب ولا من دينهم، يؤكد ذلك الباحث محمود غناوي الزهيري، حيث يقول: (وهذا التقديس للحكام أمر لا تعرفه النفسية العربية، وإنما هي ردة فارسية، لا تبدو في هذا الجانب فقط، بل تبدو أيضاً في تشجيع الأعياد الفارسية والتهنئة بها، وإشعال نار المجوس) والثاني: لم يكن ابن طباطبا محتاجاً للمال، فقد ذكر في أشعاره أنه من الموسرين، وربما لم يكن من الأثرياء! وقد غلب عليه الترفع وغنى النفس أكثر مما يعنيه الثراء في حد ذاته، فبالرغم من أن صلاته برجال الدولة العباسية كانت قوية، وله معهم صولات وجولات في المجال الأدبي (شعراً ونثراً) فلم يكن متكسباً بشعره ولا محتاجاً لغيره، لذلك كان صريحاً مع الجميع، فعندما يختلف مع أحد منهم - مهما يكن منصبه - لا يتردد في هجائه، فقد ذكر الكثير من مؤرخي الأدب مدى صراحته، في زمن ساد فيه النفاق، بالرغم من منادمته للقضاة والوزراء، وبعضهم من ولاة الخراج، وكان المعهود في ذلك الوقت مجاملة هذا الصنف من الناس، وكان أحدهم صديقه وهو القاضي أحمد بن عثمان البرِّي، قاضي أصبهان، فقد اختلف معه لدرجة الخصام، فهجاه بقصيدة، منها:
شيئان قد حار الورى فيهما
بأصبهان: الفيل والقاضي
ليس يرى هذا ولا ذاك فكم
من ساخط منا ومن راضي
الفيل يُرشى عند سنديه
فأين سنديك يا قاضي؟!
وكانت له منزلة عالية عند العالم الناقد، عبدالله بن المعتز، وقد ساء كل منهما ما يدور في هذا العصر من شعر وسياسة، وقد ضمن كتابه المعروف (البديع) بعضاً من شعر ابن طباطبا، وكان به وبشعره معجباً، بالرغم من أنهما لم يلتقيا، كما تؤكد المصادر، بيد أن كلاً منهما كان شغوفاً بالآخر، ولا أود أن أسرف في تقديم شخصية ابن طباطبا ولا الحياة الثقافية في عصره، كي لا تكون على حساب الهدف من البحث وتقسيماته الفنية عند الناقد.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved