الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

فشلنا الثقافي
الدكتوراه..؟
خالد أحمد اليوسف

دأبت الدولة رعاها الله منذ سنوات طويلة - ومازالت - على رعاية العلم وأهله.. علماء ومتعلمين، ثم كعادتها كثفت الجهود من أجل تسهيل بلوغ شبابنا المميزين والمتفوقين أعلى الدرجات العلمية، فمنحت الفرصة للراغبين في إكمال الدراسات العليا وفي التخصصات النادرة داخليا وخارجيا، وقد بعث المئات للحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه في علوم وفنون مهمة ومطلوبة في حياتنا العلمية والعملية، وبما أننا في عصر التخصص والتعمق في العلم، فقد عاد إلى أرض الوطن على مدى ثلاثين عاما مضت، المئات من حملة الشهادات العليا، وأثبت كثير منهم ومن خلال الواقع العملي والتسلسل الوظيفي، أنه على قدر تحمل المسؤولية العلمية والوظيفية، وأخفق عدد كبير إما علميا ونجح وظيفيا!! أو العكس حيث نجح وظيفيا وفشل علميا!!، وقليل جدا من وصلت المعلومات عنه بفشله علميا ووظيفيا؟؟
وهنا في مجالنا الأدبي والثقافي ما هو مصير هذا العلم بكل فروعه، وما يتصل به من علوم وفنون؟؟، وهل هو علم مكتسب من الحياة ومن قدرات الشخص في الاطلاع والقراءة والتبصر..؟؟ أم هو علم يكتسب من الدرس والتعلم والترحال والحصول على الشهادات لكي يقال: فلان من الناس حاصل على درجة الدكتوراه تخصص ثقافة؟؟، فلان من الناس تخصصه كتابة!!، فلان من الناس تخصصه إلقاء وخطابه؟؟، فلان تخصصه إبداع.. شعر أو قصة قصيرة أو رواية؟؟ وقد حصل عليها من جامعة كذا وكذا في دولة كذا!!.
إن الثقافة مهارة واكتساب وحذاق عقل، والثقافة قدرة غير عادية تصاحب الإنسان منذ صغره، وهي فطنة تبرز مع مرور الأيام لدى كثير منا عند محك حواري أو نقاش دائري أو تسابق منبري؟؟، تعتمد على الذكاء وسرعة البديهة والحفظ، ومصادرها القراءة ثم القراءة ثم القراءة والاطلاع والبحث والتقصي، والاعتكاف بين المكتبات ومراكز المعلومات على الكتب والبحث في أمهاتها وفي المراجع المباشرة، واثق أن كل قارئ لهذه المقالة سيتفق معي على ما أوردت، حيث إن الشواهد لدي ولديكم لا حصر لها، أما التي لدي فمثلا: هل رئيس الكتبة العلامة محمد بن عمر العقيل (أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري) والأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي والأستاذ محمد منصور الشقحاء والأستاذ صالح إبراهيم الحسن وغيرهم كثير هل هؤلاء يحملون شهادات عليا تخصص ثقافة وبصورة أدق بحث وكتابة وتأليف ونشر وفي مجالات متنوعة من الثقافة؟؟؟؟
طبعا لا؛ لأن صفة العلامة للأستاذ العقيل (الظاهري) لم تأت من فراغ حيث إنها اجتمعت في هذا العالم الذي استطاع البحث والكتابة والتأليف في كل العلوم النظرية، من غير إحصاء أو تدقيق أو تحليل، بل كان له بصمات من صفاته الثقافية والعلمية على كل موقع تولى إدارته كالنادي الأدبي بالرياض، اللجنة الثقافية بجمعية الثقافة والفنون، مجلة التوباد، وغيرها.
الأستاذ القشعمي مر بنجاحات إدارية شبابية وثقافية لفترة طويلة، ثم بعد تفرغه من الوظيفة الإدارية، اتجه إلى البحث والكتابة حيث كشف لنا عن موهبة أخرى: الكتابة في السيرة والتراجم، والصحافة والأدب، والتحليل الإعلامي الموضوعي، وهناك كتابة تنحصر في الجمع والتجميع والإعداد المميز، والكتابة التاريخية.. وقد يكون هناك مقدرة لم يعلن عنها!! ولكن بالتأكيد سيكشف النقاب عنها في يوم ما.
أما الأستاذ الشقحاء فقد برز من خلال القصة القصيرة والشعر والمقالة والتحليل الأدبي، ثم برزت ثقافته المتنوعة من خلال النادي الأدبي بالطائف الذي كان رئيسه الخفي لسنوات طويلة، واستطاع من خلاله أن يقدم كثيرا من النجاحات الثقافية للوطن، وفي مكتبة الطائف العامة زاد نشاطا وتحركا بصورة أكبر وحالفه النجاح في ذلك، ولم يصمت بعد ذلك بل بدأ التحرك بشكل أوسع لوضع اللبنة الأولى في جمعية الأدباء السعوديين ورابطة الكتاب والأدباء، وهي النقلة الثقافية لكل مساحات الوطن.
أما الأستاذ الحسن فهو القاص والروائي والباحث اللغوي والتاريخي والناقد الأدبي، كتب ونشر في الصحافة المحلية وشارك في حضور فعال في المنابر والملتقيات الثقافية، وألف عددا من الكتب المتخصصة في الثقافة العربية.
لم أطرح هذه الأمثلة لبعض الشخصيات الثقافية في بلادنا إلا تحفزا وإضاءة لجوانب مهمة، وهي أن الشهادات العليا لم تخلق أو تنجب قدرات ثقافية، لكن من المفترض أن تكون هي بوابة الدخول إلى الثقافة الواسعة المفتوحة المتعددة، الثقافة التي تجمع الشهادة التخصصية بالقدرات المكتسبة، حيث إن المثل الآخر لا حصر له - كذلك - ولعلي أكتفي بشخصيتين ممن جمع بين الشهادة والثقافة، بل هو بثقافته الواسعة وسام فخر واعتزاز للشهادة التي يحملها؛ لأنها لم تضف له شيئا ولم تغير من تكوينه السابق: الدكتور يحيى محمود جنيد (الساعاتي) وهو علم لا يحتاج إلى تعريف، الدكتور عبد العزيز محمد السبيل وهو من الأسماء المعروفة في جوانب كثيرة، وأخيرا تسلم وكالة وزارة الثقافة والإعلام، وكلاهما لا يقبل وضع اللقب العلمي في غير مكانه، أو مناداته إلا بكنيته التي يحبها، ونحن هنا نؤكد على ألا تكون إدارة منابرنا ومؤسساتنا وهيئاتنا الثقافية من قبل حملة الشهادات العليا لأنهم يحملون صفة دكتور فقط، لأن الوطن منحنا كل شيء وهو يريد منا شيئا واحدا: الوفاء.. الإخلاص.. الصدق.. الوطنية، وهو حين يهب المنصب لأحد أبنائه فإنما يخصه بسبب تميزه العقلي والفكري والمقدرة على تسيير المركب، وليس بسبب شهادته فقط؛ لأنها ليست واجهة اجتماعية!!؟
إن تقديرنا لحملة الشهادات العليا المتميزة لا حدود له.. واحترامنا وتبجيلنا يفوق كل شيء، ووقوفنا تحية طويلة له ولعلمه ولتواضعه لا يساويه أي فعل!!، كيف لا وهو من وهب عمره في سبيل العلم والبحث، وقد أعياه السفر والاغتراب والسهر من أجل الوطن، فإذا أضاف لهذا كله ثقافة واسعة في تراثنا وأصالتنا وثقافتنا، فمن المؤكد أنه هو مطلبنا وسينال رضا مؤسستنا أو هيئتنا أو إدارتنا الثقافية القادمة!!، وإلا الخبرة الثقافية فوق كل اعتبار، والمقدرة الإدارية في شخصيات ثقافية - تشابه من ذكرت - أخرى هي من يتفق عليها كل من ينتسب إلى الثقافة الواعية النزيهة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved