الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

أبناؤنا والأمن النفسي..!!
أمل زاهد
بعض الممارسات التي تعبر عن عدم الإحساس بالمسؤولية والصادرة من بعض المعلمين والمعلمات في مدارسنا لا بد وأن تشعر كل أب وأم منا بالخوف على براعمنا اليانعة وبعدم الاطمئنان على صحتهم وتوازنهم النفسي وأمانهم المعنوي والروحي (وفي بعض الأحيان الجسدي) وأن ذلك الأمان معرض دائماً لأعتى العواصف وأقسى الزلازل.
فما بين الفينة والأخرى تطرق مسامعنا أنباء عن ممارسات في منتهى البشاعة تنتهك بها براءة الطفولة ورهافة تكوينها في مدارسنا، أو نقرأ في الصحف عن بعض الانتهاكات لمهنة التعليم المقدسة أو تزورنا في عقر صناديقنا البريدية الالكترونية أخبار مرعبة عما وصل إليه حال بعض المعلمين والمعلمات في قطاع التعليم عندنا.
وفي الحقيقة هذه الممارسات ليست جديدة على مدارسنا ولكن الجديد في الأمر أن الإعلام أُعطي مساحة أكبر من الحرية كي يسلط الضوء على بعض هذه الانتهاكات التي تحدث بحق الطلبة والطالبات وتشوه مهنة التعليم وتنتهك قداستها، فزمن التعتيم وردم الجحور وهي تزخر بسوسها ودودها قد ولى وانقضى، والانفتاح الرقمي ساهم دون شك في كشف الأقنعة عن كثير من هذه الممارسات التي توجه للتعليم تهماً لا يفترض أبداً أن تقترب قداسة هذه المهنة وحساسيتها من مجرد ملامستها. وإبان قراءتي لخبر ضرب معلم لطفل في الابتدائية بسلك بطريقة ممعنة في القسوة وتوثيق هذه الحادثة بتصويرها بكاميرا جوال وذلك في صحيفة الشرق الأوسط على موقعها الالكتروني، قرأت الكثير من تعليقات القرآء على ذلك الخبر وبالطبع كانت هناك الكثير من التعليقات المستهجنة للخبر، ولكني فوجئت ببعض التعليقات حاول بعض القرآء فيها الدفاع عن المعلم والتحسر على الأيام الخوالي يوم كان للمعلم حق تأديب طلابه بأقسى الأساليب وأعتاها دون أن ينبس الأهل ببنت شفة، والحديث عن استهتار الأجيال الجديدة وانفلات الأهل وعدم حزمهم في التربية.
هذه التعليقات تغافلت عن العقد النفسية الناتجة عن أسلوب الشدة والعنف في معاملة الطلاب في الأجيال القديمة وتلال المشاكل النفسية المترسبة في نفوسهم والتي أثرت في مسار حياتهم ووشمتها بندوب ليس منها خلاص!! وكم من كلمة أو ضربة من معلم أو مرب كان لها وقع الرصاصة التي تترك جروحاً لا تزول ولا تشفى!!
دون شك التمعن في حال بعض الطلبة والطالبات في وقتنا الحالي يؤكد أن هناك مشكلة تضرب بجذورها في البنية النفسية للأجيال الجديدة وأن هناك استهتاراً ولا مبالاة وإحساساً باللاجدوى وبعدم الانتماء عند بعض الطلاب، وعلى الجانب الآخر هناك تشدد وتطرف وتنطع في الدين وتغييب عن واقع الحياة، فالأجيال الجديدة تفتقر إلى التوازن النفسي وتتأرجح دائماً ما بين اتجاهين متعاكسين، ولذلك يجب القيام بدراسات اجتماعية ونفسية يحاول فيها المختصون التنقيب عن جذور هذه المشكلات والبحث عن حلول لها. بعض هذه التعليقات أيضاً كانت تتساءل عن وجاهة السبب الذي دفع المعلم لضرب الطفل وعن احتمالية استحقاق الطالب لذلك العقاب.
وبغض النظر عن الذنب الذي اقترفه الطالب فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتعرض طفل لكل ذلك الكم من القسوة والعنف كعقاب، فهناك وسائل تربوية متعددة للعقاب ولكن يبدو أن ثقافة المعلمين والمعلمات النفسية والتربوية لا تستطيع أن تتسامق و تتطلع لمحاولة التعرف على هذه الوسائل ناهيك بالطبع عن عدم الاطلاع على ما يجد من نظريات تربوية وطرق مستحدثة للتعامل مع الطلاب، بل إن النظريات القديمة والتي تدرس حالياً في كليات التربية لا تجد حظاً من التنفيذ أيضاً على أرض الواقع وغالباً يتم التعاطي مع مشاكل الطلاب بطريقة عشوائية، والطالب الصعب (الشقي) لا يعدو أن يكون حقل تجارب تجرب عليه كافة الوسائل من ضرب وإهانة وإهدار للكرامة الإنسانية حتى يتم ترويضه ووضعه مرة أخرى على مسار القوانيين المدرسية المقررة.
ولا تسأل أيضاً عن محاولة أدلجة الطلاب وضمهم إلى جناح التشدد والتطرف، وما علينا كآباء وأمهات إلا محاولة تبييض عقول آبنائنا مما يضخ فيها ويبث في تلافيفها بعد عودتهم من المدارس، حرصاً على توزانهم النفسي وعلى علاقة سوية تربطهم بالخالق سبحانه وتعالى وبدينهم بدلاً من العلاقة الوسواسية القائمة على الخوف والتي يشحن وعيهم بها وخوفاً أيضاً من إمكانية تحولهم إلى قنابل بشرية موقوتة في يوم ما.
ومن نافلة القول أنك تحتاج أيضاً إلى أن تطمئن أنفسهم وتهدئ أرواحهم القلقة إذا ما تعرضوا لشرح (ترهيبي) على هامش مواد الدين نفسها. وعلى سبيل المثال عانى ابني في الصف الثاني الابتدائي من ليالٍ من القلق والألم وكانت كل محاولاتي في تسكين روعه تبوء بالفشل عندما تبرع معلم الدين بنفحه بمعلومات إضافية على هامش درس (الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها) في مادة التوحيد. فقد شرح لهم ذلك المعلم الجهبذ أنهم سيتعرضون للمساءلة في القبر عن معرفتهم لتلك الأصول، وإما تفتح للميت طاقة على الجنة إذا تمكن من معرفة الإجابة وإما تفتح له طاقة على جهنم في حين فشله.
ولك أن تتخيل ماذا يمكن أثر هذا الكلام في نفس طفل في السابعة من عمره، ابتلي برهافة الحس وبعقدة الكمال، فقد ظل يبكي لوقت طويل قائلاً لي إنه خائف من أن ينسى إجابة تلك الأسئلة إذا مات!!
وإن كنت قد ابتليت بكونك والد أو والدة وفلذات أكبادك يرتادون المدارس فإنك لا بد وأن تتعرض لعشرات الحوادث التي ستتسرق النوم من عينيك وأنت تشعر أن ابناءك ليسوا في مأمن من معلم مسكون بالتطرف، أو معلمة تقرر بسادية عالية الدرجة أن تعرض على طالبة من طالباتها مقطع الانتهاك البشع للقيم الانسانية والأخلاقية في حادثة الاعتداء على فتاتي حي النهضة المشهورة بحجة شرح أهمية وضع العباءة على الرأس !!!
وكانت صحيفة الوفاق الالكترونية قد نشرت ذلك الخبر عن هذه المعلمة التي تدرس في مدرسة أهلية بمدينة الرياض وشرح الخبر أنه قد تكررت شكوى أولياء أمور الطالبات من هذه المعلمة وذلك لسوء التصرف مع بناتهم وتمرير بعض الأفكار المتطرفة عبر المحاضرات التي تقدمها في المدرسة وعدم استخدام الحكمة في الدعوة، ولكن صاحب المدرسة كان يؤكد لهم أنه لا يستطيع فصل تلك المعلمة إلا بقرار من الوزارة.
يجب على وزارة التربية إتخاذ اجراءات حاسمة وحازمة بحق كل من يحاول العبث بالأمن النفسي لأبنائنا ومن يندب نفوسهم الغضة بتشوهات لا يمكن إزالتها بأي عمليات تجميلية!!


Amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved