الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

(الكبار)!!..لا يعترفون
مما يؤسف بحق أن ينبري فلان من الناس ممن هم محسوبون على الطبقة المثقفة -أو هو من المثقفين فعلاً إذ لا يمكن اتهام الناس جزافاً- أن ينبري لإبداء وجهة نظر معينة تخص موضوعاً أدبياً أو تعليقاً أو دراسة.. ليس المؤسف هذا الانبراء ولكن المؤسف ألا يمتلك هذا المنبري الأدوات المناسبة للتعبير عما يريد، وأساس هذه الأدوات هي اللغة السليمة التي نشتاق أن نراها مسطورة على الصفحات أو نسمعها من أفواه المذيعين أو المحاضرين أو المتكلمين على اختلاف مشاربهم إلا من رحم ربي.
لا يهمنا في هذه الأسطر البحث أو الانتقاد لمحتوى تلك الموضوعات أو إن كان انتقاد فلان لفلان صحيحاً أم أنه هو أيضاً بحاجة إلى انتقاد، ولكن المهم أن الأداة الرئيسة (لغتنا الجميلة) تئن أنين المتوجِّع كل يوم بل ربما كل ساعة تحت أقلام تدعي ما تدعيه وهي عن أساسيات اللغة العربية السليمة بعيدة كل البعد.
كما أنني أتمنى وكذلك جميع الغيورين على لغتنا الجميلة أن يعترف المخطئ بخطئه، وهذا ما ورد بذهني عندما قرأت لأحد الكتاب (الكبار) الذي لم يجد إلا أن يعلق أخطاءه على مشجب غيره ليبرر ما يقع فيه من أخطاء يخجل أن يقع فيها طالب المرحلة الابتدائية، ذلك الكاتب المعوج أخذ يتباهى بثقافته ولكن بكلمات معوجة لغة وإملاء وأسلوباً، ثم في النهاية يقول إن قسم التصحيح قد غيَّر بمقالي وقدم وأخر حتى ظهر المقال بثوب غير الثوب الذي كنت أريد أن ألبسه إياه؟!.
أما ما جعلني أعقب على ذلك ليس تشهيراً بأحد وليس انتصاراً لأحد أيضاً - والله يعلم السر وأخفى- ولكن غيرتي على لغة القرآن الكريم كانت دافعي الأول والأخير؛ إذ كيف أصبحت تتلوى من الألم بفعل أناس يهملونها أشد الإهمال، بل زيادة في ذلك تراهم أحياناً يكيلون أشد العبارات استهزاءً بمن يقومون برعايتها سواء كانوا مدرسين أو مصححين في المجال الإعلامي أو النشر أو غيرهم...
ولو أن هذه الأفعال كانت صادرة من أناس يجهلون أهمية اللغة في حياة الشعوب أو ليس لهم نصيب من الثقافة لكان الأمر سهلاً!. لكن هذا التساهل والاستهزاء يصدر ممن يجب أن يكونوا في خط الدفاع عن هذه اللغة -هذا إن كانت متَّهمة أصلاً- لا في خط الهجوم عليها أو على حاملها، وربما تذرع أحدهم ب(العولمة) أو (الانفتاح) وما إلى ذلك من كلمات رنَّانة جعلها ستاراً يخفي خلفه جهله ببديهيات اللغة العربية، وليس ذلك فحسب بل من المؤكد أنه يجهل حتى هذه المصطلحات التي يفتخر بها ويرددها ليل ?نهار إذ إنه لا يدري أنها لا تتماشى مع ثوابت الشعوب والركائز التي من ضمنها اللغة والأرض والتاريخ.. فتتحول هذه المصطلحات إلى طبول فارغة بل ومثقوبة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وسأضرب مثالاً على أحد هؤلاء، ذلك أننا كنا مجموعة من الزملاء في مكاتب العمل (من جنسيات مختلفة) إذ دخل علينا أحدهم موجهاً كلامه إلى أحد الإخوة المصريين: أنتم أيها المصريون تحرفون اللغة العربية وتقولون ل(ذكي) (زكي) أي أنكم تلفظون الذال زاياً.. اعتبرت ذلك ملاحظة جيدة وأثنيت في نفسي على المثقف الغيور على لغته.. ولكن ما هي إلا لحظات حتى انقلب إعجابي به إلى أسف عليه وعلى الذين يحاولون إظهار ما لا يملكون، فبلحظات انهار هذا البناء الشامخ، ذلك أنه عندما سأله أحد الزملاء عن أديب عربي مشهور قال: هو (TOP) أي هو في القمة!!.. يا سبحان الله، يعيب على الناس استبدال حرف بحرف ولا يعيب ?على نفسه خلط الكلام العربي بالإنجليزي!!. ولو كانت هذه الكلمة الإنجليزية لا بديل لها بالعربية لوجدنا له عذراً لكن البديل العربي هو نفسه إن لم يكن أفضل تعبيراً وبلاغة.
قوبل هذا الشخص مباشرة بالخطأ الذي ارتكبه، فارتبك وقال: أنا لم أبدل بين الأحرف ولكنني أتيت بمصطلح.. وأنا كذا وكذا... وما إلى ذلك، ثم أضاف: أنتم الرجعيون تتشددون، ويجب أن تواكبوا التطور، و.. و... ثم خرج مسرعاً هارباً من موقف حرج.
إن أشد ما يخاف منه الغيورون على لغة القرآن هو وجود أشخاص كهؤلاء (المتعولمين) الذين سينسوننا ليس فحسب لغتنا ولكن سننسى أنفسنا لنصبح عالة على غيرنا (حتى في اللغة) التي كنا في يوم من الأيام (نفرضها) ونفتخر بها، وأصبحنا في هذا الزمن (نرفضها) ولا مكان للافتخار.
فيا أيها المنبريون: إن لم تعطوا العربية عنايتكم فمن سيفعل؟!.
إننا لا نريد أن يأتي يوم لنصبح... عفواً.. لا نصبح فيه.


أحمد إسماعيل عزو - الرياض
ahmadez69@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved