الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 06th March,2006 العدد : 143

الأثنين 6 ,صفر 1427

درويش وطوقان في حوار حول الأرض المغتصبة
عبدالله خلف

عايش مأساة العصر وأدرك أن الاحتلال الصهيوني تم بمؤامرة كبرى اشترك فيها أباطرة وقياصرة وملوك وأصحاب رؤوس مالية تتلاعب بالإعلام العالمي من صحافة وإذاعة وتلفزيون وتغلغل الأثر الإعلامي في الثقافات وأدخل زيفه في علوم التاريخ.. قام الاحتلال بإشعال أرض فلسطين بالظلم والاضطهاد مستعيناً بقوة السلاح حتى تتابعت الهجرات من موطنها إلى مواطن الشتات وإلى السبل المجهولة.
وبقي الشاعر محمود درويش محتضناً الأرض والوطن متقبلاً مرارة العيش على هجر الوطن وفي أعماقه غربة موحشة عبر عنها في مواطن إحساسه..
وفي حوار شاعري مؤثر كان ذلك الحوار بين جرحين عميقين الأول للشاعرة فدوى طوقان والثاني لمحمود درويش..
زارت الشاعرة فدوى حيفا والتقت بشعراء فلسطين في الأرض المتبقية من الأرض المحتلة وقد نتج عن هذه الزيارة هذا الحوار:
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعى من بناها الدار
وأن القلب منسحقا
وقال القلب:
ما فعلت لك الأيام يا دار
وأين القاطنون هنا
وهل جاءتك بعد النأي أخبار
هنا كانوا
هنا حلموا
هنا رسموا مشاريع الغد الآتي
فأين الحلم والآتي
وأين همو؟
ولم ينطق حطام الدار
ولم ينطق هنا سوى غيابهم
وصمت الصمت والهجران
وكان هناك جمع البوم والأشباح
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوم في حواشيها، يمد أصوله فيها
وكان الآمر الناهي وكان وكان
فأجابها الشاعر محمود درويش رغم الأسى والحزن والشعور بالغربة إلا أنه مع احتضانه الأرض والتصاقه بوطنه فانه يحس بنبضهما وكأنهما كائن حي يجاوره بلحمه ودمه يعبر عن مأساة ضياع الوطن بقتال مرير بالكلمات وبفن التعبير مصوراً ما في أعماقه:
نحن في حل من التذكار
فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليل
لا تقولى: ليتنا نركض كالنهر إليها
لا تقولي..
نحن في لحم بلادي.. هي فينا
لم نكن قبل حزيران كأفراخ الحمام
ولذا لم يتفتت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه، من عشرين عاماً
نحن لا نكتب أشعاراً
ولكنا نقاتل..
* * *
فدوى طوقان متممة حوارها:
احبائي، مسحت عن الجفون ضبابة الدمع الرمادية لألقاكم وفي عيني نور الحب والإيمان.
بكم، بالأرض، بالإنسان.. فوا خجلي لو أني جئت ألقاكم
وجفني راعش مبلول
وقلبي يائس مخذول
وها أنا يا أحبائي هنا معكم
لاقبس منكم جمرة
لآخذ يا مصابيح الدجى من زيتكم قطرة
لمصباحي وها أنا يا أحبائي
إلى يدكم أمد يدي
وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي
وأرفع جبهتي معكم إلى الشمس
وها أنتم كصخر جبالنا قوة
وها أنتم كزهر بلادنا الحلوة
فكيف الجرح يسحقني
وكيف أمامكم أبكي
يمينا بعد هذا اليوم لن أبكي
* * *
ويستمر الحوار لإحياء الأمل الكبير، إن الأمل واقع أساسي رغم ما يحمل القلب من هم في أعماق جوارحه.
هم إنسان أمام مؤامرة كبرى أكبر من حجمها المنظور في التاريخ المزيف، لم يحن بعد كتابة التاريخ الحقيقي لاغتصاب الوطن ومع هذا فالشهادة أمنية يتدافع الشباب لنيل شرف الحصول عليها لأجل حياة الوطن وحياة الشعب إنه من جيل المحنة الكبرى وإنه من هذا الواقع المؤلم والكفاح أمانة والجهاد أمانة ولا خلاص من الهم ومهما أحس به الغير فليس كإحساس حامل الجرح الذي يكابد آلامه.. ويستمر في حواره مع الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان:
هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء
تعد الصيف بقمح وكواكب
فاعيديها
نحن في أحشائها ملح وماء
وعلى أحضانها جرح يحارب
دمعتي في الحق، يا أخت
وفي عينيَّ نار
وتحررت من الشكوى على باب الخليفة
كل من ماتوا
ومن سوف يموتون على باب النهار
عانقوني، صنعوا مني قذيفة..
* *
فدوى:
أحبائي حصان الشعب جاوز كبوة الأمس
وهب الفارس منتفضا وراء النهر
أصيخوا، ها حصان الشعب يصهل واثق النهمة
ويفلت من حصار النحس والعتمة
ويعدو نحو مرفئه على الشمس
وتلك مواكب الفرسان ملتمة
تباركه وتفديه
ومن ذوب العقيق، ومن دم المرجان تسقيه
ومن أشلائها علفاً وفير الفيض تعطيه
وتهتف بالحصان الحر:
عدواً نحو عين الشمس عدواً
يا حصان الشعب
فأنت الرمز والبيرق
ونحن وراءك الفيلق
ولن يرتد فينا المد والغليان والغضب،
ولن ينداح في الميدان فوق جباهنا التعب
ولن نرتاح حتى نطرد الأشباح والظُّلمة
* * *
محمود درويش:
منزل الأحباب مهجور
ويافا تُرجمت حتى النخاع
والتي تبحث عني
لم تجد مني سوى جبهتها
اتركي لي كل هذا الموت يا أخت
اتركي هذا الضياع
فأنا أُضفره نجماً على نكبتها
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
إنني العاشق والأرض حبيبة
* *
هكذا كان الحوار عن الأرض المنكوبة والبيوت المهجورة والأسيجة التي جزأت الأرض والشهداء الذين يروون الأرض لتنبت وتحيا وتربو من جديد ودم الشهداء غذاء ورواء للأرض..
هذا حوار مقتطع من (يوميات جرح فلسطيني) لمحمود درويش وتضمن القصيدة الرائعة لشاعرة فلسطين الكبرى فدوى طوقان.
حوار تعالت منه الصرخات ليتردد بين السماوات والأرض كدعاء المظلوم الذي يصل إلى الخالق عز وجل دون حجاب يصده ويمنعه.
إن الشكوى (للخليفة) لم تعد نافعة وحصان الأمس قام من عثرته وكبوته النكبة الأولى لم تفت عضده وكذلك الكبوة الثانية بعد 1967جعلت من صاحب القضية وحامل الجرح قوة اندفاع للشهادة.. وكما أن حبة القمح الواحدة تنمو وتزاحم تراب الأرض لإظهار ثمارها للجميع كذلك يكون دم الشهيد فتكون منه الحياة والهم وآلام الجرح لا يضيعان الأمل ولا يحجبان النور والضياء وما اغتصبت أرض إلا أعادها الشهداء حرة أبية بعد حين.
هذا هو محمود درويش شاعر المأساة والجرح الكبير، جعل في شعره ذلك التوهج الإبداعي، لقد امتطى جواد الشعر الحديث شعر التفعيله القائم على وحدة التفعيلة، إن في كلماته جمال رغم بعده عن القافية وباعد بين القوافي واتسعت آفاقه الشعرية بأدوات اللغة الجميلة، فعبر بكلماته السهلة الممتنعة عن الكثير فاستعان بالرمز والمدلولات وتعلق في أسلوبه المباشر لكي يترجم إحساسه ومشاعره وآلامه حول الجرح الكبير الذي أحدثته المؤامرة الدولية الكبرى في انتزاع وطن وتشريد أهله ورفعت شعارات واهية كاذبة اختلقت فكرة الأساطير.
أن وجودا يهوديا كان هنا على أرض فلسطين قبل 2000 عام وعلى كل الأجناس البشرية من اليهود أن يتهافتوا لاحتلال أرض شعب عريق له جذور راسخة منذ آلاف السنين في هذا الوطن.


الكويت

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved