الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

ما هكذا يكتب الشعر (2)
د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا في الحلقة الماضية عن كتاب (ما هكذا يكتب الشعر) لعلي حسن العبادي، وهو الجزء الأول، ولربما يتلوه أجزاء أخرى، فيما أنه ذكر الجزء الأول فلا بد أن يكون وراءه أجزاء قد تكثر أو تقل، لكنها على أي حال أكثر من جزء، وقد رجع المؤلف فيه إلى ثمانية وخمسين مرجعاً من أكبر وأوسع المراجع العلمية التراثية، والكتاب يحتوي على عشرين مقالة سبق أن نشرها المؤلف في الصحافة المحلية، لكنه في هذا الكتاب وثقها توثيقاً علمياً وقد بدأها بتحليل لقصيدة نشرها محمد عبد الله الحميد (رئيس نادي أبها الأدبي) في جريدة الندوة، في يوم الأحد 22 من ربيع الأول 1413هـ يقول العبادي: (ولم تسلم هذه القصيدة من الأخطاء العروضية، والنحوية، واللغوية، على قصر القصيدة وعفويتها، ذكرتني هذه القصيدة بما يكتبه طلاب المدارس الشداة والناشئون، ممن يقرزمون شعرهم) ص37
والحميد يعتذر سلفاً عن قول الشعر إلا فيما ندر من المناسبات التي تستفزه، وقد استفزته قصيدة أبي طه (يعني محمد هاشم رشيد، رحمه الله) لذلك عارضها الحميد بقصيدة منظومة، كما هو الحال عند محمد هاشم رشيد، فمعظم شعر رشيد كان نظماً يعارض فيه الكثير من الشعراء، وإن عارضه الحميد فسيكون الشعر من تقليد إلى تقليد، هذا من الجانب الفني، أما من الجانب العلمي، فقد شرح العبادي تلك القصيدة وكفانا مؤنة التعب في تشريحها، وقال: إن الحميد مصنوع لا مطبوع، (والمطبوع مستغنٍ بطبعه عن معرفة الأوزان وأسمائها وعللها، لنبو ذوقه عن الزحاف منها والمستكره، والضعيف الطبع محتاج إلى معرفة شيء من ذلك يعينه على ما يحاوله من هذا الشأن) هذا القول رجع فيه المؤلف على ابن رشيق في كتابه (العمدة) ص128
وقد استدرك العبادي على الشاعر الكثير من الأخطاء اللغوية والعروضية، وصحح بعض الأبيات في دلالاتها اللغوية، ولي في هذا المجال رأي أرجو ألا يغضب الطرفين، فالنقد الحديث لا يوجب التصحيح في بناء الجمل وأوزان الشعر بقدر ما يبين ما فيها من خطأ على الكاتب أو الشاعر أن يتداركه، لكنها وجهة نظر على أي حال يقول العبادي: (ونقف هنا عند الأقبية، فهي ليست جمع قبو، فجمع القبو (أقباء) أما الأقبية فجمع (قباء) نوع من الثياب) ص39. وقد فصل الناقد كل عيوب الشعر في هذه القصيدة من زحافات وإقواء، وأوجد لها من الحلول الشيء الكثير، وسنقف مع الشاعر والناقد في آن واحد حول هذا البيت الغامض الذي تدخل الناقد في إصلاحه، ولا أدري هل صلح أو أن العطار لم يستطع إصلاح ما أفسد الدهر:
(ويقتدي أمثالك الطيبين
يستلهم الإخلاص أو يهديه)
فيصححها بقوله: فله أن يقول:
(كم يقتدي بك من طيبٍ
يستلهم الإخلاص كي يهديه)
فهل يرى الناقد أن هذا البيت مستقيم الوزن في شطره الأول؟؟؟ قد يكون خطأً مطبعياً!!!
والبيت من هذه القصيدة محير حقاً، فلم نجد لكلمة الطيبين من تأويل إعرابي مع أن العبادي التمس لها العذر أو أولها إلى الفاعل، من الفعل (يقتدي) ولكن كيف يركب مع الشطر الثاني؟؟؟ إنه حقاً نظم لم يحسن صنعه.
وفي مقالة حول قصيدة نشرها الدكتور جريدي المنصوري (وهو أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة الطائف حالياً) ، وهو زميل عن بعد وصديق عزيز. وقد سعدت بملاحاته للدكتور يوسف عز الدين وبينهما ذلك الهندي ومطلعها: (دكتور يوسف أينه...) وكان عنوان قصيدة الدكتور جريدي (عروق الهوى) التي نشرها في جريدة الندوة في 13 ذي 1414، وذكر العبادي أنها من البحر (المتدارك) أو ما يسمى ركض الخيل!! والمقال في مجمله مداعبة لطيفة بين الطالب والأستاذ، وعشم على الدكتور جريدي فيما سلك من مسالك الحداثة، على حد تعبير العبادي، كما أنه اغتبط بقدرة الشاعر على تكييف قصيدته على بحر واحد، في كل من الشطرين إلا أن العبادي يريد من ابنه أن يكون واضحاً في ألفاظه ليكون له قراء، ولا يفعل كما فعل الآخرون (يكتبون لأنفسهم) وبالتالي أضاعوا الوقت والجهد في حلقة مفرغة. والمقال فيه من الرصانة العلمية والمراجع المهمة ما فيه، فقد يستفيد منه المتلقي قبل الشاعر المنقود، وفيه توجيه المربي إلى السبل العربية المفيدة بما فيها من تراث ورصانة، وإن كان الناقد يتساءل عن دواعي الغموض، فإنه سؤال المستنكر، وليس سؤال المستفسر. يقول العبادي في نهاية مقاله: (إن التجديد شيء، والغموض شيء آخر، والشعر قبل كل شيء بيان ووضوح) ص53. لقد ذكرني المؤلف بمقولة للشاعر الراحل نزار قباني، فنزار يرى أن الشعر في هذه الأيام يسعى مع إيقاع الزمن المتسارع، على نظام أطعمة (السندوتشات) في الأطعمة السريعة التي ليس لها طعم ولا رائحة، فقد كنا في دبي عندما دعينا لحضور جائزة سلطان العويس التي منحت لنزار قباني، وبعد الجائزة كنا في ردهة الفندق، فتوافد الكثير من الصحفيين يسألون الشاعر الكبير بعد حصوله على الجائزة، ومن الطريف ذلك الموقف المضحك، فقد جاء صحفي مبتدئ يسأل نزاراً، فقال: إنك قاسٍ في غزلياتك يا أستاذ نزار، أنت تقول:
لو تطلب البحر في عينيك أسكبه
أو تطلب الشمس في كفيك أهديها
وأنت تعرف أن البحر مالح، سيفقدها النظر، والشمس حارقة ستحرق كفها، فما هذه القسوة؟؟، فما كان من نزار إلا أن نظر إليه وقال: ابني في أي صف دراسي أنت؟؟!! فضجت القاعة بالضحك. ذكرني هذا الموقف ما ذكره الناقد العبادي وهو ينصح الدكتور معجب الزهراني بأن لا يضيع الوقت في محاولة الشعر، وليس له فيه من موهبة، وسبحان مقسم الأرزاق، ومطلع قصيدة معجب (إن جاز التعبير) والكلمة الأولى من مطلع لأبي العلاء المعري، إن كان اطلع عليها:
(عللاني فهاهنا مطلبان
كلما دان واحد تناءى الثاني)
والخلل العروضي بين في الشطر الثاني، وقد حاول العبادي إصلاح الخلل كعادته المدرسية لكن الخرق توسع على الراقع، كما يقول المثل العربي، ولم يجد العبادي في القصيدة البسيطة المكونة من ثمانية أبيات ما هو مستقيم الوزن إلا بيتين استقام فيهما الوزن وضعف المعنى، ولعلها من باب المصادفة! ص 57 59، وينتقل العبادي إلى شاعر آخر لا يقل ضعفاً عن الأول، وهو حمد الزيد، وكان يرثي والدة الأستاذ موسى السليم رحمها الله وقد بدأ الزيد قصيدته بوزن صحيح، لكنه لم يكمل هذا الصحيح في بقية القصيدة، وهو من أسرة شاعرة، فجده الشاعر محمد بن زيد آل زيد من شعراء الوشم في القرن الثالث عشر الهجري ومنتصف القرن الرابع عشر، وهو القائل من قصيدة طويلة يطلب من الملك عبد العزيز السماح له ولقومه بمهاجمة الشريف الذي منع الحجاج من أداء فريضة الحج:
(فكيف تنام العين والبيت دونه
جنود معاد في جبال التهائم)
ولكن المواهب الضعيفة تخون صاحبها في أقرب لحظة، والسرعة التي يتسابق بها الكتاب والشعراء سبب رئيس في ضعف الإنتاج وبدائيته، وقد رجعت إلى القصيدة في أصلها، فوجدت فيها روحاً وجدانية عالية، يقول:
(أأرثيك يا أمي الثاني
وأبكيك أيتها الغالية)
لكنه لم يحسن الوزن في بقية الأبيات، وهذا ليس رأيي بل رأي الناقد الشعري علي العبادي.
وفي ختام دراسة الناقد لهذين الشاعرين!!!، ومن حذا حذوهما يرى أن قضية الشعر عندنا قضية يجب أن نقف عندها طويلاً... ويطلب من إخواننا المسؤولين في جرائدنا اليومية ومجلاتنا الأسبوعية والشهرية، أن يتحروا عند النشر الشعر الجيد، ويرحمونا رحمهم الله من خزعبلات تسمى باسم الشعر المقفى الموزون... ويورد بيتين من قصيدة ليعقوب بن الربيع، وهو أخو الفضل بن الربيع حاجب المنصور، في رثاء جاريته (مُلك) فيقول:
(فلو أنني إذ حان وقت حمامها
أحكم في أمري لشاطرتها عمري
فحل بنا المقدار في ساعة معاً
فماتت ولا أدري ومتُّ ولا تدري)
وينصح الأخوين بترك هذا الميدان والبحث في ميدان آخر قد يكون أنفع وأجدى وترك الشعر لغيرهما لعلنا نجد ما نتغنى به من شعر لا يثير فينا المِر (بكسر الميم) ويقززنا من فننا العربي الأصيل ص 62، أرى أن النصيحة يجب أن تكون عامة لكل من اعتبط فناً ليس له فيه دراسة ولا موهبة، فهناك من سلك مسلكاً خطأً في الرواية وآخر في النقد، والله المستعان.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved