الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

نخلة الخليج سعاد الصباح.. تهنّئ المرأة الكويتية
قصيدة (إرادية) تأخذ المرأة إلى آخر الخوف!؟
عبد الله الجفري

* (إن الشعر في إجازة ويوم يرسل (فاكس) ويقول: إنني قادم يا حبيبتي! فسوف أعلن عن ذلك)!!
***
هذه العبارة الافتتاح لكلماتي صرخَتْ بها من سمّيتها: نخلة الخليج السامقة، الشاعرة الأكثر حزناً وصمتاً اليوم د. سعاد الصباح، وكان ميلاد هذه الصرخة على صفحات صحيفة (القبس) عام 1994م.
وكأنّ هذه العبارة تُبعث الآن من جديد.. وتحمل لنا خبراً عن مرسل (الفاكس) إلى الشاعرة، فنقول:
إن من أرسل (الفاكس) إلى صوت المرأة الكويتية والخليجية شعراً، هو: عيد المرأة الكويتية الذي انبثق وردة تهنئة للمرأة في الكويت مع حصولها على حقوقها في البرلمان.
وفي هذا العيد أيضاً.. نسترجع كلمة قديمة قالتها الشاعرة سعاد الصباح عام 1992م، ونصها:
(إن الكرة الأرضية أصبحت أصغر من علبة الكبريت.. ولا يمكن للكويت أن تبقى إلى يوم القيامة: خائفة مرتعدة متقوقعة كالحلزون داخل محارتها)!!
وفي عيد المرأة الكويتية بمناسبة انتصار معركتها لنيل حقوقها السياسية في البرلمان.. نسجت الشاعرة سعاد الصباح: بُرْدة الشعر التي تبلورت أحدث قصيدة، عبّرت بها عن هذا الاحتفال، بعد صراع وجولات مضنية خاضتهما المرأة أمام الجماعة التي حَملت دعوة (السلف)، وحمَّلت الإسلام تفسيراً شرعياً خاصاً بفكر هذه الجماعة، وعطلت لسنوات: قيام المرأة بدورها في المجتمع المدني!!
***
* وقد اختارت الشاعرة المتألقة سعاد الصباح إضاءة في رأس قصيدتها، جعلتها عنواناً حملته هذه العبارة: (للمرأة الكويتية في عيدها).. واختارت أيضاً قواعد تنهض فوقها أبيات القصيدة، شكّلتها من كلمة: (أريد).. أو إن ما تريده بصوت المرأة الكويتية يُعبّر عن (إرادتها) التي تبلور بها: عيشها في الحياة، وممارسة دورها في مجتمعها.. فجاءت كلمة: (أريد) افتتاحاً ومفتاحاً لكل صورة ومعنى رسمتهما الشاعرة، ونداء لكل بيت شعر في هذه القصيدة، وإصراراً على كل ما ناضلت من أجله المرأة الكويتية على امتداد (40) عاماً شائكة:
أريد أن أعيش تحت معطف المنونِ
أريد أن أعيش في دائرة الزلزالِ
لا دائرة السكونِ
أريد أن أعيش في عيون الناس
لا عيوني!
* وكلمة (أريد) في هذه القصيدة: شكَّلت تمزيقاً (للخوف) الذي حُبِست فيه المرأة الخليجية عموماً، حتى وصلت إلى (آخر الخوف) لتنضج تجربتها العصيبة.
***
* ثمة أحلام تمازجت بغربة شعرت بها المرأة في مجتمعها.. فإذا جاءت سعاد الصباح لتغزل بيت شعر في قصيدة، فكأنها تصور تلك الهزة التي يُحدثها الشعر لصياغة: (تكوين إنسان جديد):
أريد أن أخترع الوقت الذي يُعجبني
أريد أن أزرع فكري
خارج التاريخ والجغرافيا
وخارج الحدود!
* وعندما تضع الشاعرة هذه (الإرادة) في دائرة التفعيل والتحقيق.. فإنما هي تثق في قدرتها كامرأة على زرع فكرها خارج التاريخ والجغرافيا وخارج الحدود!
أريد أن أصادق الريحَ
وأن أعانق الغيومْ
أريد أن أقتحم الشمس
وأن أسرق آلافاً من النجوم!!
* وعندما تصور الشاعرة (إرادتها) لمصادقة الريح واقتحام الشمس.. فإن هذه الصورة لا تجرح الصمت وحده، ولكنها أيضاً: تجسد (رؤية) تفوق تلك اليوتوبيا، وتخترق عالماً يموج بحقوق الإنسان وتشكيل كون المرأة:
أريد أن أُحرِّض الأشجار كي تمشي
والغابات كي تركض
والجبال كي تقوم !
* لقد خرجت الشاعرة بقصيدتها هذه مما سُمّيت: (القصيدة السرية) إلى القصيدة الأكثر حقيقة ووعياً، بما يعادل نفس (الإنسان) التي لا تغادر كبرياءها في الدعوة إلى قضاياها الصميمية.
وكأنَّ الشاعرة سعاد الصباح في قصيدتها هذه (الإرادية): تأتي على موعد: يستعير فيه شِعرها صوت المرأة الكويتية أولاً، والخليجية عامة... وهي الشاعرة التي أبدعت قصائد عديدة في الدفاع عن قضايا المرأة، لتكون في مستوى اختيار القضية والإبداع الشعري.
***
* أما صوت المرأة الأكثر علواً، الذي أطلقته الشاعرة من قصيدتها (الإرادية) هذه، فكان هو الصوت الذي صرخت به في وجه المجتمع الذي عانى من الذين: (يمثلون حالة من التذبذب العنيف في المواقف)، حسب وصف الكاتب الكويتي د. أحمد الربعي... فقالت:
أريد مَنْ يفهمني
لتطلع الأزهار من أنوثتي
ويكثر الحَمامْ
فحين يأتي الحب، يأتي الخير والسلام!
إن الشاعرة تتخطى هنا الدروب الضريرة، وترتدي زهر انتظارها للأفق، ولنجمة لا تكفّ عن الوصوصة.
إن معاشرتها كامرأة خليجية لحزنها الذي تكاد تألفه أو تتعايش معه: لن تسلبها مسافات ذلك البعد الذي يلوح كجناحي نورس:
أريد مَنْ يشدّني
من يدي يوما
ويرميني على ضفائر الغمام!
* وثمة إرادة تصرُّ عليها الشاعرة في قصيدتها هذه، نحسبها تطابق مقولة ناقد عربي:
(لماذا نقول: إن الشعر يموت إن لم يخرج من الذات؟!
لأن الداخلي لا يكون فناً بغير هذا التحويل إلى مكثّف في المطلق)!!
لذلك... بادرت الشاعرة لتصيغ هذه الإرادة:
أريد أن أقول ما أقوله
من دون أن يتبعني السيّاف
ودون أن أُدفن في قبر
من العادات، والأعراف!
* شرنقة من (حلم) يحسبه البعض: رومانسياً يميل إلى رقة المرأة، وربما (عقدة) شهرزاد من شهريار... لكن هذا الحلم: يُفجّر الكثير من أسرار نفس المرأة، ويصور معاناتها في كل ما احتملته، فقالت:
أريد أن أهرب من بشاعة التّجار في البازارْ
ومن مزاد اللون، والأجناس، والخصور، والأرداف!
إن الشاعرة لا تكتب شعراً للحفظ بل إنها: تكتب ذاكرة بكاملها، وتكتب مفهوماً يقبل الحوار وربما التصحيح، وتكتب براءة ثلّمها واقع لا يعرف سوى الرفض، ولا ينظر للمرأة إلا من كونها: وعاء للحمل، ولحظةَ متعة!
خطأ... ارتكبه الرجل وهو يتعامل مع نصفه الآخر (كذكر) فقط، بينما يغيب ذلك التدامج المطلوب ليكمل كل واحد منهما ذكراً أو أنثى بعضهما!
وإذا كان المثل اللاتيني يقول: (كل ترجمة هي خائنة)، فالمقصود: الترجمة من لغة إلى أخرى!
وبكل أسف.. هناك رجال ذكور، حصروا الترجمة بين الرجل والمرأة في اللغة لتأتي ترجمة خائنة!
أريد أن أفجّر الوقت إلى شظايا
أريد أن أسترجع العمر الذي
خبَّأته في داخل المرايا!
***
لقد ارتقت الشاعرة فوق ما سُمِّيت: ظاهرة الشخصانية بالكتابة عن النفس، إلى ما نُسمِّيه: اندلاع التجربة الإنسانية التي تنعتق من الدوار في تجويف الذات إلى تفاصيل جيلها، وما نعتبره نرجسية المجتمع الذكوري التي تطغى على تجربة المرأة الفاعلة.
وفي هذا الأُوار من المعاناة.. تأتي الشاعرة في قصيدتها (الإرادية) هذه، وهي أشد اندلاعاً... تمتلك رؤية شعرية مميزة، ترفض بصوت المرأة: أن يوقفها الرجل بجانب حائط سميك، خوفاً عليها!!
لكنها تقفز بهذه الرؤية الشعرية فوق ما سخر به (فاليري) عن الإلهام.. ونتعاطف مع ما أبرزه (أنسي الحاج) في خواتمه عن: المبدع الذي: (يمزج المعطي وحياً بروحه ودمه).
* إن الشاعرة سعاد الصباح.. لا توقف صراخها من خلال قصيدتها، حتى تختمها بهذا الاندلاع غير الأخير:
أريد أن أصرخ
أن ألعن.. أن أحتج
أن أقتل تاريخاً من العطور، والبخور، والسبايا
أريد أن أهرب من رطوبة الحريم والتكايا
أريد أن أهرب ممن حلّلوا دمايا !!!
* لقد طغى الشعور الذاتي على أبعاد القضية ومعاناتها، لكن الشاعرة أثمرت من الخيبة: حلماً جديداً، ومن الممنوع: انطلاقة إلى الغد بلا رعدة الخوفّ
مشوار طويل: دشَّنته الشاعرة بقصيدة (الإرادة)، لتأتي فوق الشطح والتفكيك... منسجمة مع موسيقى الروح، وتحت معطفها اللغوي الذي يرفض تأجيل الزمان!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved