الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

المفهوم العلمي والفلسفي للزمان

{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } قرآن كريم.
حين سُئل أحد الفلاسفة ما هو الزمان، كان جوابه: إذا لم يسألني أحد فأنا أعرف ما هو، لكن إذا رغبت في شرح ذلك، فلا أجد الجواب المناسب. فالزمان قضية جوهرية لكل كائن حي على وجه الأرض، ولكل منا على انفراد. فقد تعلمنا من خبراتنا وتجاربنا ما الذي يفصل بين لحظة ولادتنا واللحظة التي نتوقف فيها عن الحياة.
وعلى الرغم من جهلنا ما يعنيه الزمان، فقد وجدنا طرقا عديدة لقياسه. نعد أعمارنا بالسنوات، حيث نعتبر السنة تعادل دورة كاملة للأرض حول الشمس. فهل لطريقة قياس الزمن تأثير على أعمارنا، وهل ستكون دورة حياتنا مختلفة لو كنا نعيش على كوكب آخر سنته أطول بكثير مما هي عليه على الأرض ؟ هكذا كان يعتقد الفراعنة في مصر أن تكون الحال عليه، حياة أبدية بعد الممات، على كوكب عمره ملايين السنين.
لقد رسخت مفاهيمنا مع زمن مطلق، اللحظة فيه على الأرض هي ذاتها في المريخ أو في أي نقطة أخرى على الكون. أما الفيزياء الحديثة فلا تعترف بهذا المفهوم، بل تلغي عالمية الزمان. فلو أطلقنا توأماً في مركبة فضائية بسرعة عالية وتركنا أخاه على الأرض، فسيعود التوأم بعد عشر سنوات ليرى أخاه شاب وهرم، بينما لا يزال هو يتمتع بنضارة الشباب.. فهل تصدق أخي القارئ ذلك؟ أمر يرفضه الذوق العام والمنطق المألوف، لكن ذلك يدخل في باب الحقائق وليس من باب الأوهام.
لم يخل تاريخنا العربي من محاولات لفهم الزمان، نجدها واضحة في الأدب والشعر. فالمتنبي يجسده على شاكلة شخص عدواني لا يرى مفرا من مبارزته وقتله:
وَلَو بَرَزَ الزَمانُ إِلَيَّ شَخصاً
لَخَضَّبَ شَعرَ مَفرِقِهِ حُسامي
في حين يراه أبو العلاء المعري مقبرة الأمنيات.
علّلاني فإنّ بِيضَ الأماني
فَنِيَتْ والظّلامُ ليسَ بِفاني
ومع كل هذا، فالآن يتحرك إلى الأمام خلال الزمان من الماضي إلى المستقبل، بحيث في نهاية المطاف يعبر عام 2005م كما تعبر اللحظة التي تقرأ بها هذه الأسطر ثم يصبح مقترنا مع التاريخ، فهل الآنية هي المرساة، والزمن هو الذي يتدفق كما يتدفق النهر مجتازا مراقبا على ضفتيه؟ ربما.
لا تنفصل هذه الآراء التي سقناها عن موضوع الإرادة الحرة والحتمية، وهو موضوع كان وما زال يربك أذكى العقول في التاريخ، فالمستقبل لم يتحدد بعد، فهل يتحدد بأفعالنا قبل وصوله إلينا؟ وبغض النظر عن الاعتبارات الفلسفية، فإن تنظيم حياتنا يعتمد على مفاهيم الماضي، الحاضر والمستقبل. وتبقى مسألة تدفق الزمن غير مهمة إلى هذا الحد. كلما تفحصنا هذه المفاهيم عن قرب، كلما بدت أكثر مراوغة وأشد غموضا.
فهل تعود هذه المفاهيم إلى علم النفس أكثر مما تعود إلى الفيزياء؟ يبدو أن أغلبية الفلاسفة تعتقد ذلك. فزمن الأمس غير زمن اليوم، ولا ندري كيف سيكون زمن المستقبل. لقد جعلتنا التقنية المعاصرة أعداء أنفسنا وأسيري مكتشفاتنا. فالجوال والحاسوب والتلفزيون إلخ.. صناعات مدهشة لكنها تقرب الزمن إلى درجة هائلة. فهل أصبحت سنتنا أقصر بكثير من سنة أجدادنا؟ من يدري؟ لقد جعلتنا الآلة بلا قلب. فهل من يوقف الزمن حتى تبقى قلوبنا تخفق بالحياة. إن ذلك من باب الأحلام والأمنيات.


جهاد ملحم
اللاذقية/ ص.ب: 2566

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved