الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

ملاحظات حول كتاب (ما هكذا يكتب الشعر) للأستاذ العبادي
يكاد العَروض يكون علماً (رتمياً رياضياً) إن لم يكنه بالفعل، ذلك أنه خاضع لقواعد وتفريعات تجعل منه علماً صعب المنال عصي المأخذ. ولهذا الاعتبار بالذات، يعزف الكثيرون عن الخوض فيه، وقليلون هم الذين يستطيعون السير في مسالكه الوعرة ويتيسر لهم فتح مغاليق أبوابه وسبر أغواره باقتدار وتمكن من هذه القلة وهذه الثلة يبرز اسم الأستاذ علي حسن العبادي، الذي أودع اقتداره في هذا الميدان في كتابه القيم الموسوم (ما هكذا يكتب الشعر) في جزئه الأول والذي يعد بحق أحد المراجع الهامة لعلم العروض. وهو كتاب ينبغي أن يكون القارئ والناقد حفيين به، من حيث إنه دليل نظري وتطبيقي في آن معاً، كما أنه قد حوى حواشي من شروح وتحليلات عروضية ولغوية ضافية، فضلاً عن أخبار وتراجم تجعل منه كتاباً جامعاً وفريداً في بابه.
وقد كتب عنه كل من الدكتور عبدالملك مرتاض (الرياض عدد 13443) والأستاذ حسين عاتق الغريبي (الندوة 14126) وهو ما حداني إلى العودة إلى قراءة مجددة له، وتدوين بعض الملاحظات التي كنت قد سجلتها عند قراءتي الأولى له قبل أشهر خلت.
تنبع أهمية الكتاب وتميزه من كونه ليس مجرد نظريات وحديث عن قواعد علم العروض وزحافاته وعلله وما يجوز للشاعر دون الناثر مما يسمى بالضرائر الشعرية، فإن هذه الأمور وسواها متاحة في كثير من المؤلفات قديمها وحديثها، بل إنه يستمد فرادته من كونه يقدم ما يعتدّه حلاً (او لنقل اقتراحات حلول عملية) لما زلّت فيه قدم المعنيّ بالأمر، لكأنه يقدم للوالجين بوابة الشعر قنديل (ديوجين) للسير في عرصاته التي تبدو مدلهمة أمام الكثير منهم، لاسيما وأن عدداً هائلاً من الأشعار التي تصدّى لها الأستاذ العبادي بالنقد والتمحيص لا تمت إلى الشعر بقرابة إلا من حيث الشكل. وههنا يأتي الشطر المضمر من عنوان الكتاب وقوامه:... بل هكذا يكتب الشعر. فالأستاذ العبادي، إذاً، فضلا عن كونه ملمّاً بعلم العروض، هو شاعر متمكن يمتلك أدوات الإبداع الشعري الأصيل.
ولعل الأستاذين كليهما قد تحدثا عن الكتاب بما يستحقه. والملاحظة البارزة، التي ألمح إليها الدكتور مرتاض، هي أنه على الرغم من خوض الأستاذ العبادي في الحديث عن علم يتسم كما أومأ هو إلى ذلك بنفسه بالجفاف، إلا أن لغته أنيقة العبارة مونقة الأسلوب سلسة اللفظة، وهي خصائص قلّما تجتمع في مؤلف ما، وتضفي على هذا الكتاب طابع الفرادة إلى جانب ما حواه من المعلومات القيمة والتصويبات السديدة.
غير أني أحب أن أنوّه إلى بعض الملاحظات التي برزت لدى قراءة الكتاب، وهي ملاحظات لا تغض بأي شكل من الأشكال من قيمة الكتاب وصاحبه، ولا ندعي أننا نملك فيها الصواب، إذ المجال مفتوح دائماً للنقاش، وحرية التفكير والرأي مكفولة للجميع أبداً، فأما الملاحظة الأولى التي لا نشك في أنها جاءت من قبيل السهو، فهي ورود أحد تصويباته مكسور الصدر في الصفحة 40 علماً بأن هذا الأمر هو مدار الكتاب كله:
كم يقتدي بك من طيب
يستلهم الإخلاص كي يهديه
فالبيت من بحر السريع وفق عجز البيت بيد أن الوزن لا يستقيم في الصدر كما هو واضح.
أما الملاحظة الثانية فهي استشهاد الأستاذ العبادي بمطلع معلقة الحارث بن حلزة:
آنتنا ببينها أسماء
رُبّ ثاوٍ يمل منه الثواء
للاستدلال على جواز ورود التشعيث (حذف الرابع المتحرك في فاعلاتن) في عروض البيت، غير أنا نرى أن التشعيث مستقبح في حشو البيت، والبيت الذي أورده الأستاذ العبادي إنما عمد فيه الشاعر إلى التصريع (وهو تجانس حرفي الروي في عروض البيت وضربه في مطلع القصيدة) الذي يجيز له ذلك في البيت الأول فقط.
كما ألفيت أن الأستاذ العبادي ينسب البيت الآتي:
رأيت سكوتي متجراً فلزمته
إذا لم أفد ربحاً فلست بخاسر
إلى أبي العلاء المعري، على أن البيت مثبت في ديوان الإمام الشافعي كما يلي:
رأيت سكوتي متجراً فلزمته
إذا لم أفد ربحاً فلست بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجر
وتاجره يعلو على كل تاجر
إلى جانب هذه الملاحظات، ثمة استشهادات في بعض مسائل العروض الخلافية بأبيات غير معروفة، لشعراء غير معروفين أحياناً، وبالتالي يمكن إدراجها ضمن باب الشاذ، والشاذ لا يعتد به ولا يقاس عليه.
وأما آخر هذه الملاحظات فينصبّ على النبرة التي تسم بعض المقالات في هذا الكتاب، والتي يمكن إدراجها ضمن منطق (السيف والغبار) وقوامه الدخول في مساجلات حادة مع الخصم واستعمال عبارات قاسية وناتئة في الخطاب في الغالب، تتوخى هز معنويات الخصم ورده مهزوماً، وإن كنت أرى شخصياً أن كثيراً من المساجلات التي طغت مؤخراً على صفحات بعض الجرائد لا تخدم الثقافة والأدب والنقد في شيء، بل إنها تفرز أحياناً عداوات وأحقاداً مستديمة، ومن هذا المنطلق أرى لزاماً أن يترفع الأديب الناقد عن مثل هذه المحاذير، وينأى بنفسه عما يستهدف شخص المخاطب، ويلتزم في المقابل خط الموضوعية ومقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة. إن النقد رسالة سامية غايتها التقويم والاصلاح ولا غنى عنه لأي امرئ ينتج عملاً يتسرب إليه قليل أو كثير من القصور الذي يظل ملازماً لطبيعة البشر.
وبعد، فهذه دعوة إلى المهتمين بالشعر وقواعده، لقراءة هذا السفر القيّم مثنى وثلاث ورباع، فحتماً سيجدون فيه ضالتهم وعلاوة. وتحية للأستاذ العبادي على هذا الجهد المقدّر، وهذا السراج الذي يضعه أمام الشعراء الشباب لينير لهم سبيل الشعر في رحلة مضنية محفوفة بالمحاذير.


عبدالحكيم خيران / جدة

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved