الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

استراحة داخل صومعة الفكر
للحب أكثر من معنىبدر عمر المطيري
سعد البواردي

الحب له أكثر من صور وشكل.. أما المعنى فواحد لا يتغير ولا يتجاوز مفهوم كلمة (حب)
الوفاء حب، الولاء حب، الانتماء حب، العطاء حب، الإيثار حب، الصدق حب، الصبر حب، الفضيلة حب، التسامح حب، الأمانة حب، الشفقة والرحمة حب.. كل الأشياء الجميلة في حياتنا تصب في وعاء الحب لأنها حب..
شاعرنا بدر وأخاله الشاب بادرنا بمقطوعة الشبابية الأبية:
يا شباب الغد المرحّى أفيقوا
من سبات، وحققوا الأحلاما
لا تقولوا: هذا الطريق صعيب
لا صعيب، والعزم فيكم أقاما
كلمة صعيب أخالها لغة دارجة.. الصحة (صعب) وكي يستقيم للشطر توازنه يمكن إحلال كلمة (عصي) أو (مخيف) مثلاً.
يزرع الود في النفوس جمالا
عبهري الشذا، نديا، جهاما
ما هذا يا صديقي.. للمرة الأولى في حياتي أسمع عن العبهري.. وللمرة الأولى أعرف أن المود يزرع الجهام.. هل القصد في عبهري عبقري؟!
أما الجهام لا بد من طرحه جانباً وإبداله بما يتماشى مع الود مثلا (تسامى) الأقرب إلى المعنى.
لا أكتمك القول التجربة الشعرية لديك لم تنضج بعد رغم ملامح موحية بصدق المحاولة في بعض أبياتها.. هذا لا يعني الحكم على شاعريتك للوهلة الأولى بالفشل، فأمامي من تجاربك ومحاولاتك ما يكسبني ثقة أكبر بمقدرتك في الصياغة الشعرية.. والبناء اللفظي..
بقراءتي لخطابك الشعري الثاني تحت عنوان ألم أحسست انك انتصرت على هواجسي ومخاوفي نحوك والحمد لله كانت الأقرب للتقبل عن سابقتها..
أتيكَ أحمل من شقوتي
حطام فؤادي، وبعض الألم
ولو جئت أحمل كل الأسى
لناءت بنقل أساي القدم
ولو ما اختفى عنك أبصرته
لأكبرتَ في احتمال السقم
شاعرنا أرسل الدمع في وحدته.. رجَّع لحنه القديم إلا أنه بقربه.. ربما بقربها أبدى رضاه وسعادته ذلك انه محب ورب قلم مشدود لحبه.. إنه يتذكر الحب الوليد في مهده يواسيه أو يواسيها ويقسم لها بأغلظ الأيمان إنه باق على وصله ووصاله..
أتيتَ وفي شفتي بسمة
بروحي على فرحتي يقتحم
أتيت وفي شفتي بسمة
ولكن تذكر فبعضي ألم
شتان بين البارحة واليوم.. بين مقطوعته الأولى والثانية.. هكذا الشعر افتعال باهت الصورة وانفعال يُجليها ويحركها..
ربما عشقه لمن يهوى لا يُمل.. انه يرغب منها العودة:
لا تتركيني ففي عينيكِ لو علمت
عيناي، وهج شبابي بعد لم يزل
لا تتركيني ففي عينيك قافلة
باحت بشوقي، وان أغضت ولم تقُل
لا تتركيني فديت الحسن في حدق
كم الهم الفكر أطيافا من الأمل
ذكرياته كما يذكرها به كثيرة.. أحلام انتحرت فوق صخرة الزمن.. سهد طويل مضنٍ.. حياة بلا أمل، ليل بلا صبح كلها غابت وذابت لحظة اللقيا..
آه من الحب انه يصنع المعجزات على الأقل في مخيلة الشعراء لا في واقعهم.. رغم اللقيا ذهبت ولم تعد..
عودي إليّ نَعُد رحين في جسد
ونهرق العمر في أحلامنا المثل
أحلامنا المُثل يكتنفها بعض الضعف جندا لو جاء الشطر على النحو التالي:
ونهرق العمر في الأحلام، فامتثلي
أي استجيبي لرغبة ونداءات العودة.
مَنْ مِنَا لا يظمأ؟ مَنْ مِنا أيضا من لا يخدعه سراب بقيعة يحسبه ماء وليس بالماء.. هكذا تتقاطع صور الأحلام متكاثرة متنافرة..
أيها الحب لقد طال المسير
والدنى حولك زيف وغرور
والمنى ترقص، لكن لا تطير
والهوى يحبو، ولكن لا يسير
أيها القلب أما يلقاك نور؟
دون أجنحة تأخذ الأمنيات إلى مسارها تظل رهينة السفح أو السطح.. ومثلها الهوى البارد إنه لا يملك إرادة الحركة ولو حاول..
مرَّ عامان على ذكرى غرامي
يا حبيبي.. وأنا أخفي هيامي
أحبس الدمع إباء في ظلامي
أنشد الرحمة من باري الأنام
بعد ما غاب حبيبي في الزحام
هذا الظمأ يقتله ولكنه يحيي روح شعره ويعطي له مذاق التجربة الحلوة لنقرأ معه جميل أبياته..
ظمأ هذا الذي في الروح يسري
ظمأ الأرض إلى موجة بحر
ظمأ الليل إلى مصباح فجر
ظمأ اللحن إلى أبيات شعر
من ترى من ضمني يعتق عمري؟
ظمأ الأرض يا صديقي لا يطفئ لهيبها بحر أجاج.. وإنما قطر.. أو نهر عذب.. ليكن شطرك عذباً لا عذاباً أسقه ماء الحياة ليحيا..
ظمأ الأرض إلى دفقات قطر
أو ظمأ الأرض إلى إغداق نهر
هكذا أرى..
ولأنه يتملك الإرشاد وهو المرشد عزت على نفسه أن يراها ضالة في سراديب الحياة المظلمة دون أن يخاطبها:
ظلام..
تعيشين في عالم من ظلام
فديناك وهج عذاب
ولفح سموم، وحجر هيام
ودنياك ذل جمال..
ضياع شباب، ونزيف غرام
وينتهي به التوصيف لجمالها وحالها إلى مآلها:
وأنتِ لوحدكِ لا حاضراً قد بنيت
ولا للنعيم مشيتِ
لقد غرق العمر في لجة الخائفين عباب السراب
ببحر الندم..
وأثمن ما في الحياة عفافكِ
إذا ما تكسر ضاعت معاني الأمومة
فعودي إلى حيث تشرق شمس الحياة
وتمشين في موكب من إباء
خطاب شعري ملؤه الصدق أوحى به إليها كي تختار لنفسها سكة السلامة لا سكة الندامة.. حسنا فعل..
هذه المرة عشقه عشق سفر.. وليكن من أجل من يهوى.. تلك هي هويته وهوايته:
أسائل عنكِ أزهاري
وأحلامي وأطياري
وأسأل عنكِ في وطني
وفي بُعدي، وأسفاري
قطعتُ لأجلك الدنيا
وسرت بعكس تياري
حط براحلته عبر رحلته في مضاربها البعيدة.. كمن يبشرها بمقدمه..
وجئت إليكِ فابتهجي
وصوغي لحن قيثاري
ففي شفتيك الحاني
وفي جفنيك أنواري
قدمت بخافق يشكو
لهيب الشوق كالنار
قصيدة وجدانية وصفية ذات صور وأخيلة معبرة لم يشفع لها يومها بالجواب.. لقد انتهت القصيدة دون تحقيق القصد
فهل تخفين أحزاني
يوصل منك مدرار
لم تجب ليلاه.. وتركت قيساً يعاني من عذاباته.. ومن حرارة الانتظار أمام خيمتها النائية.. وغيمتها التي لا تمطر..
هذه المرة نتركه لاحتراقه وحيداً دون أن نجرؤ إلى إطفائية تخمد أنفاس لهيب ناره.. إنه يخاصم الشعر ويساؤله:
أيها الشعر، وقد أصبحت مني
كالهوى يسحق أوهامي وظني
إيها الشعر إذا قلت أجبني
أيت روضي؟ روضة الحب الأغن؟
أين أحلامي التي هامت بعيني؟
أين ماض عشته في ظل أمن؟
أين يا شعر، فداك العمر، اني؟
إنه يبحث عن نفسه داخل تجاويف شعره فلا يرى إلا قيوداً تمنحه الرضى.. وحسناً جامداً لا يتحرك، وحرماناً يعربد في دواخله
ضقت بالحرمان، بالقلب العميد
فأجب يا شعر: ما سر وجودي؟
أيها الشعر وقد رافقتَ عمري
زمن البؤس.. وهل أنساك شعري؟
أنت تدري بالضنى ما لست أدري
فأجبني ضاق بالحرمان صدري
رؤى، وأخيلة، وتساؤلات ذات دلالات حية تشعرنا أننا أمام تجربة شعرية ثرية بجمالياتها وصورها تستحق الثناء..
(ربما) افتراض غير مؤكد.. إنه عنوان قصيدة جديدة:
ربما عاد حبنا فانتشينا
وملأنا الوجود شعراً مذهب!
ربما فاض في غدير هوانا
حلم سائغ من الماء أعذب!
ربما الذكريات عادت فعدنا
للصبا البكر في الزمن المُغيب
ويطمئنها بعد خلص من افتراضه المؤرجح..
لا تخافي إن طال ليل نوانا
فالدجى راحل وصبحه اقرب
مفردة صبحه تكسر قافلة الشطر.. وكي يأتي سليماً معافى يأتي كما يلي:
فالدجى راحل.. هو الصبح أقرب..
ويختتم قصيدته وهو يهدئ من روعها:
لا تخافي حبيبتي كل ليل
له صبح يعلو عليه فيهرب
الشطر الأخير يحتاج إلى صياغة تُقوم عوجه.. اقترح الآتي:
يقتفي الصبح أثره وهو يهرب
التمرد لغة استقصاء ينزع إليها الشاعر بعد أن يفرغ من خياراته المطروحة دون جدوى.. فهل أن شاعرنا لعب بكل أوراقه دون أن يربح؟؟
بيني وبينك درب
مثل الليالي أسود
إن جئت انظم شعرا
أو رحت أنشد موعد
مرت علي خطاه
محمومة تتنهد
وبددت في عيوني
طيف الجمال المورد
فأرسل الآه دمعا
أرعى الظلام مسهد
لا شيء أبقت له على حال.. أمام معركة سلاحها العناد استل سيفه محاربا بالكلمة
بيني وبينك دهر
مثل اللظى يتوقد
بيني وبينك شيء
أقول عنه تمرد
لأنه في كياني
مثل الهوا يتجدد
لا تعجلي فالليالي
تفنى كحلم وتولد
لكن تمرد روحي
على المدى سوف يخلد
هكذا تتحدد المواقف أمام هبة العواصف.. لا بد من صمود لا يقبل الانحناء ولا التردد..
للعمر وجهان.. مشرق.. وشارق بريقه تماماً كالعملة.. وتماماً كالوجه السياسي لعالم اليوم تكتنفه غموم وهموم الدنيا فما تدري بأي وجه تأخذ.. وبأي معيار سياسي ترضى!
الليل في عمر شاعرنا بدر المطيري كما ألمحه ملبد بركام العذاب، والحرقة، والاغتراب، والحيرة.. ماذا أبقى؟!
ولى الشباب وأضحى
عمري بغير شبابِ
عشرون عاماً ولكن
سارت بغير ركابِ
في مهمه وصحارى
ما لاح وجه صوابِ
الحزن يطرد سعدي
والهم يطرق بابي
والسهد ملء عيوني
ومشعل الدرب خابي
كان في شبابه حلم مجنح يداعبه ويلاحبه ثم اختفى..
كان الطموح ضجيعي
في همتي وطلابي
فصار هماً مقيماً
في الروح يكسر نابي
يعود شاعرنا إلى ليل عمره يسأله:
يا ليل عمري اجبني
لأنت بعض جوابي
أنت الغراء إذا ما
عز الوفا بصحابي
عجل بقطرة نور
تروني لشبابي
أجمل من قطرة النور.. ومضة أو وفقة النور.. القطرة مقترنة أكثر بالماء، وبالدموع.. ويختتم قصيدته الرائعة التي يختتم بها هذه التأملات لديوانه.. (للحب أكثر من معنى).. نختتم قصيدته بهذين البيتين تكملة للصورة الشعرية المعبرة:
ولا تدعني شريدا
أهيم خلف سرابي
انقذ فديتك عمري
وامسح بكفك ما بي..
بعد هذه الرحلة الممتعة مع شاعرنا بدر عمر المطيري أشعر انه أضاء لنا بمشاعله الكثير من الدروب والمسالك المضيء منها والمعتم.. رصد لنا الكثير من المعاناة.. طرح أمامنا الكثير من الصور.. ترك لنا حرية الخيار في أن نتفق معه أولاً، نتفق.. ولكن بأمانة مجردة عن كل هوى أشعر أن اتفاقي معه أضعاف أضعاف خلافي معه.. أكثر من هذا لمست في شعره صياغة، وتوصيفا وتوظيفا لا أقول أحسده عليه وإنما أهنئه عليه..
قصيدته الأولى (الشباب الأبي) أربكتني.. ليتها ما كانت.


الرياض: ص.ب 231185 الرمز 11321
فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved