الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th September,2004 العدد : 75

الأثنين 21 ,رجب 1425

هواجس
نورة الغامدي
كل عام وأنتم بخير..
لا أدري لماذا أشعر أنني بحاجة لأن أنصرف إلى كتابة هواجيس من حياتنا اليومية.. مبتعدة بعض الشيء عن السائد الذي تعودته يدي, فهل أجد في قرائي الأعزاء الروح الغالية لمشاركتي في تساؤلات عدة سأطرحها تباعاً عبر هذا العمود..
ولعل أول تساؤل أطرحه هو: ماذا تمثل لنا (رسائل الجوال)؟
هل اصبحت جزءاً من حياتنا اليومية؟.
هل هي متنفس لكثير من همومنا؟.. أم هي كسر للروتين وتمضية الوقت؟.
أم تمثل ركناً من تماسكنا الداخلي حتى لا تتهتك أرواحنا بفعل الضغط النفسي أو الضغوط النفسية التي فرضتها علينا عجلة الحياة اليومية وشراسة الوضع الحالي في المجتمع العربي..
هل رسائل الجوال ظاهرة اجتماعية؟. وعادة الظاهرة لا بد لها من بداية ونقطة ذروة وتراجع.. وهذا يتم في ظروف معينة لكن إلى أي درجة وما هي أسبابها؟. ولن استرسل في رصد الظاهرة أو التحليل لأنني وعدت في بداية المقال أن اطرح تساؤلاً.. ولكن قبل أن أبدأ عليّ أن أقول إن الإنسان السوي لا بد أن يبدأ بنفسه فقد كنت من أقل الناس استخداماً لهذه التقنية حتى فوجئت برسالة جوالية من رفيقة باعدت بيني وبينها المسافات طرحت فيها تساؤلاً عجيباً نصه الآتي:
(محتارة ما بين مستقبلي وحبيب أوده).
رسالة قصيرة لكني لمست فيها الصدق الكامل والجدية فالإنسان يمر بتحولات عبر حياته تشعره بتفاهة كل شيء حوله فيلجأ إلى هاجس (أريد أن أفعل كل شيء/ أحب/ أعشق/ أتشاقى/ أحيا طفولتي المنسية/ أضحك/ أهذي شريطة ألا يراني أحد).
ولذلك وجد الكثير من الناس في الجوال متنفساً لكل تلك المكبوتات, وطريقة من طرق التفريغ عن النفس وممارسة أفعال سرية..
لكن كل ذلك لا يعبر عن المشاعر الحقيقية التي ينتجها العقل بكل زخمها وحيويتها وحرارتها التي تدعمها المواجهة.. وتشارك فيها جميع الحواس باللمس والشم والنظر فحركة اليد معنى وحركة العين لغة وملامح الوجه تعبير والرائحة وصل واللمس عهد.. وكل ذلك إذا لم يتحقق فكأنما هو انسان يكتب على الرمال وتهب
ريح بسيطة لتذهب بها هباء فالمشاعر عبر (الماسج) أو الرسالة الهاتفية مشاعر هامشية حالها حال التواصل عن طريق الدردشة عبر الإنترنت.. فالناس خلال فترة وجيزة وعبر آلاف الكيلومترات يتناقشون ويتعاركون ويتعارفون وخلال فترة وجيزة يصبح كل ذلك ذكريات.. إذاً إلى متى يبقى الإنسان يعبر عن مشاعره عن طريق رسائل الجوال ولماذا تظل مشاعره حبيسة هذا الجهاز الصغير الذي يسرق وقتنا ومواجعنا وإبداعنا ولنا في اسلافنا ذكرى فقد كان العربي منذ الأزل وحتى في صدر الإسلام إذا عشق.. أعلن في عشيرته بشعره وسار بين الركبان ينثر أروع الأشعار فيتناولها الركبان ويتداولها السمار وتسهر جراءها العيون..!
قد يقول قائل: الجوال نفس الشيء.. وكل له وجهة نظر، ولكن المشاعر عن طريق الجوال مبتورة مبتورة ومشاعر مكبوتة لا صوت فيها ولا رائحة وهذا الكبت نهايته الانفجار بطريقة عكسية أو قتل المشاعر رويدا رويداً.
أما بالنسبة لتساؤل صديقتي (محتارة ما بين مستقبلي وحبيب أوده). فقد اشعرتني بحجم المسؤولية تجاه التساؤل المملوء بالحيرة غير المبررة كانت تلك الرسالة إشارة دالة على شخصية المرسل إلا أن مفردة (المستقبل) هي ما استوقفني..
فما المقصود بالمستقبل؟
هل هو رمز تطلعي نحو مكانة مرموقة؟ هل هو حيلة للهرب من مواجهة الحبيب؟ أو مراوغة واصطناع غلالة تحجب حقيقة هو يرفضها، وكان بودي أن أناقش تلك الرفيقة وجهاً لوجه وليس عبر رسالة جوال لأقول لها هل هذه الرسالة نوع من البطولات الوهمية، أو حب الذات أو خوف من كشف الشخصية الأخرى للآخرين؟. ثم من أين لك فكرة أن يكون هناك تعارض بين الحب والمستقبل.
وشريك في المسؤولية وشريك في أدق التفاصيل وفكرة الشراكة لا تعني (النص بالنص) لأن فكرة الحب تلغي منطق المصلحة وفكرة المنفعة فقد يكون لدى الحبيب الكثير من العطاء من الود من البذل والمنح تأكيداً لآدميته ومشاعره.. فقد ينتصر في بعض الجولات ويختصر على رفيق دربه آلاف المسافات وبالتالي يرتفع من النص إلى 70% 80% مما يجعل المستقبل أكثر وضوحاً واشراقاً ولا يشترط أن نصل إلى مائة بالمائة لأن المستقبل ليس اختياراً بقدر ما هو كفاح وجهاد وتضحية فالحبيب شريك ومسؤولية والمستقبل يحتاج إلى مثابرة وتعب..
هذا الحبيب مشارك يدفع ولا يعرقل أما إذا كان الحبيب استحواذيا يحوّل الآخر إلى قطعة يملكها فهذه أنانية قد تعطل وتجمد الطاقات..
ولعل هناك من يقول إننا في زمن العولمة والتكنولوجيا وإن بناء اسم للإنسان وسط هذا الانفتاح والسرعة والفضائيات والغزو الفكري لكل العقول ليس بالأمر السهل إذ قد ينام الإنسان في غرفته التي عهدها فإذا ما استفاق من نومه وجد نفسه وكل ما يحيط به قد تغير بفعل الانفتاح والتسارع المهول في كل مجالات الحياة.. فإما أن يلحق بالركب أو يموت مكانه.. لكن تبقى حقيقة جميلة في ذهن الذاكرة العربية.
إن المحب لا يعيق.. فالحب إذا تطور وتقدم يصبح عاطفة حميمة بقدر ما هو علاقة متينة مبنية على أسس علمية ومنطقية وواقعية.. فزمن الرومنسيات لايزال ولكن منطق الحياة الحالي يدفعه إلى واقع لا بد فيه من التضحية وإنكار الذات.. وأعني بعبارة انكار الذات هو ألا يعلو أحدهما فيما يتلاشى الآخر لكنها تعني تراجع الذات الفردية التي تتحول إلى ذات جماعية وإليها ينتمي كل منهما.. والتي لا يخجل منها أحد ولماذا أخجل من حقيقة.
فأنت إذا أردت أن تحب وأن تشارك وأن تتفوق فأعلن عما تريد وترغب إذا كان المسار صحيحاً والمشاعر حقيقية إذاً لننتبه.. مشاعرنا غالية جداً وعلينا ألا نستبيحها وعلينا ألا نهبط بها إلى رسالة (بعشرين هللة) لأن مثل هذا قد يقتل إنسانا.. فيه من الرقي والحس ما يجعله يلجأ إلى صمت هذا الجهاز الصغير تاركاً للآخر خياره الأول (مستقبله) وهذه هي المشاركة الأكثر إيثاراً.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved