تزاوج الثقافة بالالعام
الدكتور عبدالعزيز المسبل*
|
تتمايز أمة عن أمة، ومجتمع عن آخر بما تملكه أو يملكه من موروث ثقافي، ويتمايز هذا الموروث الثقافي أيضاً عن غيره بقدر ما ينظر إلى الإنسان، ويتعامل معه في ضوء قيم ومبادئ وأخلاقيات ومُثل هذا الموروث الثقافي. ذلك أن هناك فارقا واضحا بين المدنية التي تعني التطور في استخدام واقتناء الوسائل المادية المتطورة على نحو العموم.. وبين الحضارة التي تعني موقف الإنسان من الإنسان وقبل فترة وجيزة سعدت الساحة السعودية بصدور التشكيل الوزاري الجديد الذي كان من أبرز ملامحه الدمج بين الثقافة والإعلام في مؤسسة حكومية واحدة وفي اعتقادي أن لهذا القرار الحكيم أسسه المنطقية واعتباراته الاستراتيجية، وذلك من عدة أوجه أوجزها في جملة اعتبارات هي: أن الثقافة العربية والإسلامية عموماً تواجه تحدياً خطيراً في ظل عولمة الفكر أحادي التوجه ومادي النزعة، وهو أمر جد خطير ليس على موروثنا الثقافي فحسب، ولكن على هويتنا ووجودنا وفعلنا الحضاري. كما أنه أمام المد الثقافي والغربي الذي اتخذ من الجوانب الاقتصادية وسيلة لبلوغ غاياته بدأ يسير نحونا بخطوات سريعة في ظل ما يسمى بالسماء المفتوحة وبأشكال وصور متعددة، وبدأت قائدة التحول أو الغزو الثقافي (الولايات المتحدة الأمريكية) تتبنى اصدارات إعلامية بلغتنا العربية وإنشاء قنوات فضائية وإذاعية وطباعة بعض إصداراتها الإعلامية باللغة نفسها وبنفس المحتوى والتوجه الذي يعامل العربي وكأنه إنسان غربي، وبكل ما تحمله هذه المضامين من قيم وتجاوزات أخلاقية لا تنسجم مع قيمنا وأخلاقنا ولا تحترم الآخر بما يعنيه هذا الآخر من تاريخ وحضارة وثقافة عريقة.. وعملت على إغراق أسواقنا العربية بهذه الإصدارات التي توزع بشكل مجاني في أغلب الأحوال، كذلك أمام هذا المد الثقافي في عصر العولمة لم يعد أمامنا من خيارات الحجب والمنع والرقابة ما يمكن أن يعول عليه في التصدي لهذه الهجمة الثقافية الوافدة الشرسة، وأن الخيار الأوحد هو بناء ثقافة الذات وتحصينها على النحو الذي يمكنها من المحافظة على ثقافتنا والاستفادة من ايجابيات ثقافة الآخر وفهمها ليس لتأثر بها، وإنما للتأثير فيها من منطلق أن البقاء للأفضل، وأن علينا أن نعيد حساباتنا قبل فوات الأوان خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الدول الأوروبية رغم تجانسها مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنها أخذت تحصن مجتمعاتها أمام تأثير الأفلام الأمريكية فمن باب أولى أن نكون أكثر تحسباً من تلك الدول لمواجهة المد الثقافي الوافد الذي لا يعترف بثقافة الآخر وبناء على هذه الاعتبارات جاء القرار الحكيم في دمج الثقافة بالإعلام لتكون المواجهة على قدر التحدي، ومن الصعب أن نستبق الأحداث ونثني على ما يمكن أن ينتج عن هذه الخطوة ولم يبق إلا القليل من الزمن لتكتمل الخطط المطروحة للتنفيذ ولكن الأمل كبير والتطلع أكبر والمواجهة أخطر.
* الأمين العام للرابطة العربية للثقافة والفكر والأدب
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
