الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 6th October,2003 العدد : 31

الأثنين 10 ,شعبان 1424

«البطل» الوجه الآخر للمبدع في النص
الشقحاء: أبطالي من سكان الأحياء الفقيرة لهم تطلعاتهم الإيدلوجية وقيمهم الاجتماعية
سلطان بن سعد القحطاني: كل كاتب لا يخلو إبداعه من جزء خاص من حياته اليومية
* الثقافية علي سعد القحطاني:
البطل هو محور القصة يضيء سماءها يهب في النص من أول سطر، يتحدث عن معاناته من الفقرة الأولى، ولذا، فالمبدع يتوارى خلف البطل، ينشد آماله وأحلامه على لسان ذلك البطل الذي ربما قد يكون أنموذجاً من شخصية المبدع وهذا ما نجده عادة في السير الذاتية إلا انه قد تتأزم تلك العلاقة ما بين المبدع والقاص، وتصبح هامشية، وقد التقت «المجلة الثقافية» بأصحاب الشأن في القص والإبداع ليتحدثوا عن تجربتهم مع ذلك «البطل».
في البدء يؤكد القاص محمد المنصور الشقحاء انه يلتقط أبطاله من الشارع والمكاتب وهم في الغالب من سكان الأحياء الفقيرة، لهم تطلعاتهم الايدلوجية وقيمهم الاجتماعية ويقول:
البطل إنسان مسحوق
البطل عندي داخل النص القصصي إنسان مسحوق مصادر يبحث عن مخرج حتى يتكون، ومن هنا كان الموت مصيره.
وهذا يتضح في نص «الشحاذ» من مجموعتي الأخيرة «الحملة» كرجل، وأيضاً الأنثى تقاتل حتى تجد لها مكاناًَ في البناء والمجتمع، وهذا نراه في نص «هبة النسيم» إذ نجد البطلة تقاوم حتى تؤكد قدرتها على المعاش الكريم في مجتمع لا يعترف بوجودها.
وكل أبطالي ألتقطهم من الشارع والمكاتب وهم في الغالب من سكان الأحياء الفقيرة لهم تطلعاتهم الايدلوجية وقيمهم الاجتماعية من خلال مسؤولية عصرية تسمح للفرد ان يكون أكثر فاعلية غير خاضع لتشويه القوى التي تهرب إلى الماضي فتكبل الوعي الجمعي للحد من الحركة التنموية الشاملة.
البطل عندي همه السياسي متأخر جداً، إنما هاجسه الاجتماعي مرتبط بوعي تجاوز الواقع المعاش يرفض العنف الوحشي الذي يستهدف الدولة وعامة الشعب وهذا الرفض يجعله انطوائيا يصرح بطموحاته وأحلامه لنفسه فقط تراه يسير في الطريق وهو يتحدث مع أشياء وهمية لا تتحقق وأتدخل كمبدع فأقمع قلقه بالموت لمعرفتي بانه مجرد حالم يبحث عن مدينة فاضلة.
البطل محور القصة
ويرى الدكتور سلطان بن سعد القحطاني ان البطل قد يشكل في القصة العمود الفقري وذلك من ضمن الاركان التي تقوم عليها القصة، وقد يتحد المبدع مع البطل ليشكلا عبر ثنائيتهما سيرة ذاتية كما حدث مع رواية عزيز ضيا في سيرته الذاتية «حياتي مع الجوع والحرب» ويقول:
يشكّل البطل في القصة العمود الفقري، من ضمن الأركان التي تقوم عليها القصة مثل المكان والزمان والشخوص في الرواية. وقد يستغني عن المكان، والإشارة إلى الزمان من خلال السرد وما يحتويه من إشارات دلالية على الزمان، خاصة في القصة القصيرة، لكن لا يمكن الاستغناء عن البطل، فالسرد يقوم على أساس البطل «الشخصية المحورية» وتعددت أشكال البطل في السرد، فهناك البطل الاسطوري، والبطل الواقعي والبطل المتخيل. وغير ذلك من الأبطال، وإذا سلمنا بأن العمل جزء من حياة صاحبه ، وقوة القاص يتمثل في ماضيه، كما يؤكد النقاد العالميون، من خلال دراسات وتجارب نفسية، قاموا بالتجارب عليها، ودراسة حياة كتابها، واستنتجوا من ذلك خطا يربط بين عمل الكاتب وشخصيته، ما يصوره كلية أو صورة جزئية، فإن كانت الصورة القائمة للبطل صورة كلية، فهي سيرته الذاتية، وظفها في نسيج روائي وهذه طريقة من أصعب طرق كتابة الرواية ولم ينجح فيها الا كبار كتاب الرواية العالمية، مثل وكنز، وماركيز، وحمزة بوقري، وكل كاتب لا يخلو عمله من جزء خاص من حياته اليومية، فالقاص بطل، وان لم يكن له دور في السرد. لذلك نجد ان الراوي، وهو عنصر مهم في الرواية الابداعية والقصة القصيرة يكون الكاتب نفسه، يقول الدكتور مصطفى عبدالغني «إن الراوي يكون في الغالب هو الكاتب نفسه» ويجب ان نفرق بين الراوي والروائي.
ففي داخل كل روائي راوٍ للأحداث، في الرواية الإبداعية، وهو ما يستطيع الروائي توظيفه، في الزمان والمكان المناسبين، على ان يتفق مضمون العمل الروائي مع توجه الراوي، فيتكيف البناء الروائي في صورة القاص والبطل معا. وقد يكون في هذا الكلام ايغال في التنظير، لكن سأقرب الصورة في حياة الكاتب اليومية عندما يجد مادة قصصية يوظف فيها لنفسه، بطلا وقاصا، كما هي حال إبراهيم الناصر، في قصته التي صدرت أولى مجموعاته القصصية فيها بهذا المسمى «أرض بلا مطر» أو رواية عزيز ضياء في سيرته الذاتية «حياتي مع الجوع والحرب» فقد وظف كل من هذين الكاتبين نفسه قاصا وبطلا، من خلال السرد الفني والبناء القصصي، لرواية الماضي، فمن هو البطل ومن هو القاص؟ البطل هو القاص والقاص هو البطل.
بينما نجد من ينسج في القصة بطلا يستعيره من تجربة يعرفها، او متخيل يرمز إليه في صورة من الصور البلاغية، أو حادثه يصنع لها بطلها من خلال السياق المعرفي، انثيال من تداعي المعاني، ليسقط عليها مخزونه الثقافي وتراكماته المعرفية.
للبطولة.. دلالاتها الواسعة
أما الأستاذ ناصر الجاسم فقد أصل بحثه في هذا المحور عن «القاص والبطل» وذلك بالرجوع إلى القواميس اللغوية والكتب الأدبية التي تبحث في دلالة البطل وأكد على أنه لا يمكن حصره مفهوم البطولة في هذا المعنى المعجمي الضيق فهي أوسع من ذلك بكثير حيث قال: دأبت المعاجم اللغوية على تعريف البطل تعريفات عدة انتهت كلها إلى معنى واحد هو الشجاعة والبسالة.
ففي لسان العرب ورد ان البطل «الشجاع..، وقيل: إنما سُمي بطلاً لأنه يُبْطل العظائم بسيفه فيبهرجها، وقيل: سُمي بطلاً لأن الأشداء يبطلون عنده، وقيل: هو الذي تبطل عنده دماء الأقران...».
وجاء في المعجم الوجيز «شَجُعَ واستبسل فهو بطل»، وعند صاحب المعجم الأدبي البطولة «بسالة خاصة بكبار الشجعان»، وبإيضاح اكثر في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب البطل «محارب شهير أو إنسان يعجب به الناس لما له من مآثر ومكرمات، وذلك مثل عنترة عند العرب، ورولاند الذي كان أحب فرسان الامبراطور شارلمان إليه».
ولا يمكن ان نحصر مفهوم البطولة في هذا المعنى المعجمي الضيق فهي أوسع من ذلك بكثير، «إنها نزوع إنساني طبيعي يعبر عن محاولة الفرد لتحطيم الشروط الحتمية التي تحد قواه وتقسره على الاستسلام لها، انها بكلمة واحدة: الطموح الإنساني».
وهذا الطموح الإنساني قد اسندت مهمة تحقيقه إلى البطل «ذلك الفرد الذي تتمثل فيه رغبات وآمال مجموع من الناس، وما البطل إلا ذلك الفرد الذي يدرك باحساسه المرهف وذكائه الوقاد وعبقريته النادرة مطامح مجتمعه وأمانيه فإذا به في طليعة من يسعى لهذه المطامع ويكافح لتحقيق هذه الأماني، ما البطل إلا ذلك الفرد الذي يرى فيه الآخرون ما كانوا يبحثون عنه وما يتوقون للحصول عليه».
وللبطولة أسسها وضوابطها الصارمة وأعرافها الثابتة وقواعدها النبيلة والإخلال بأي منها أو الخروج عليها يعني انتفاء البطولة والبطل، «فلابد للبطولة وللبطل من عقيدة تشربها نفسه، وتستقر في أعماق قلبه، ولابد له من جهاد ومغالبة للهلاك، وتحد للاخطار، واقدام يبعث الدهش والاعجاب، لحماية هذه العقيدة من الامتهان والعدوان، ولابد له من فيض في القوة الجسدية، وتفوق عام في القوى النفسية والخلقية، لتتساند القوتان في تأريث بطولته، وتوجيهه إلى التفوق والامتياز، وإذا نقصت خلة من هذه الخلال فلا بطولة ولا بطل ولا أبطال».
إن تلك الأسس تقتضي وجود اتفاق على مفهوم البطولة وتقتضي ايضا ايجاد تعريف اكثر دقة للبطل، «ولا شك في اننا لا نتفق على معنى البطل، وعلى ما ندركه من كلمة بطولة، فهناك من يفهمها على انها الجرأة، أو إن شئتم فلنسمها الشجاعة والقيام بالأعمال الخارقة واجتياز العقبات، وإذا قبلنا بهذا المفهوم للبطل، فيترتب على ذلك ان نجرد معنى البطولة من المضمون الفكري، وان نجعلها مجرد شكل من أشكال السلوك الفردي، ويترتب على ذلك أيضاً ان تقديرنا للبطولة سيكون تقديراً فردياً صرفا، تقديرا لهذا الشخص أو ذاك سواء أكان مصيبا أم مخطئا، سواء أكان يسعى للشر أم للخير، سواء أكان عاقلاً أم مجنونا، ونظرة مثل هذه للبطولة لا يمكن قبولها مطلقاً في رأيي، إذ يتساوى فيها المجرم والشريف، يتساوى فيها المفسد والمصلح، يتساوى فيها دعاة الرجعية ودعاة التقدم، إن البطولة ليست نوعا من السلوك فحسب، انها ليست صفة لأعمال جريئة يقوم بها هذا أو ذاك من الناس، انها أعمق من ذلك بكثير، فهي فكرة وعمل، بل انها أكثر من ذلك: فكرة نبيلة وعمل جبار، البطولة ضد الشر، ضد الفساد، ضد الرذيلة وضد الرجعية على وجه الخصوص، لأنها بطبيعتها تقدمية»، وجماع القول: «البطولة سمو وتشوف للكمال، ورياضة للروح والجسم أو تعبير مكتمل عن طاقة قوية متفردة...، وبايجاز هي صفة إنسانية بارزة وقد تكون مادية قاهرة أو معنوية دافعة».
العرب والبطولة
وقد عرف العرب هذا السمو ومارسوا تلك الرياضة الروحية، «فلم يقفوا ببطولتهم عند جانبها الحربي، فقد اتسعوا بمعناها حتى شملت البطولة النفسية، وهي بطولة أدت إلى كثير من الشمائل الرفيعة، من ذلك الحلم وهو في واقعه تغلب على ثورة الغضب، أو قل هو
تغلب بطولي على النزق والطيش، ومن ذلك الصبر على الشدائد، وهو بدوره تغلب على الهلع والفزع إزاء المصاعب واقتحام المعاطب، وما قد ينزل من الخطوب والنوائب، والبطل لذلك لا يشكو، بل يتجرع الغصص في صمت محتملا إياها أقوى احتمال. ومن ذلك الحزم وهو بدوره تغلب على التردد في الرأي قبل ان تفلت فرصته من يد الشخص، فهو سلك الوجه الذي يجب ان يسلك، لا يفوته تدبيره في التو والساعة. ومن ذلك الكرامة، وهي بدورها تغلب على صغار النفس وشهواتها الوضيعة وانحراف عن الغايات الدنيا إلى الغايات السامية العليا في إباء وشمم وأنفة وعزة، وأي ضيم وأي هوان دونهما الموت الزؤام، وتمتزج هذه البطولة النفسية وأختها الحربية عند القدماء ببطولة خلقية، أسبغت عليهم القوة إزاء غرائزهم، حتى ليخيل إلينا كأن العربي في صحرائه وجاهليته مع ما أوتي من الشجاعة التي تتيح له تحقيق مآربه كان يعمل جاهدا على قهر تلك الغرائز، بل لكأنما كان يجد لذته في قهرها، فإذا هو يعفّ عفة عن كل متاع مادي، حتى في الحرب وعند المغانم وجمع الأسلاب. ومن هنا تحس أنه كان يسعى في قوة إلى طائفة من المثل الخلقية العليا، ولم يكن يعنيه كمثل الشرف، فهو يحافظ على حقوقه وهي حقوق تمتد في بعض جوانبها، فتصبح واجبات اجتماعية وبطولية».
البطل والشاعر
وإذا عدنا إلى الفترة التي كان البطل فيها هو الشاعر فالأمثلة عديدة على بطولة العرب الحربية والنفسية والخلقية، «فعمرو بن كلثوم سيد تغلب هو البطل الفرد الواثق من شجاعته وقوته العازف عن مواقف الضيم والهوان، وزهير بن أبي سلمى هو بطل السلام الذي كان صاحب رأي في الحرب تفرد به بين العرب فصورها ذميمة نامية الشر حتى ينفر منها الناس، ثم دعا للسلام وحسنه، وأشاد بالداعين إليه وجعل منه معروفا من القول وهدى، وحاتم الطائي هو بطل الكرم لا يستعبده المال، فهو ينفقه في فك الأسرى واغاثة الملهوف، وهو يتأفف من أولئك الذين يجمعون المال، فلا يجدون معه الحرية في انفاقه، وهو لا يجهل قدر المال وقوته، ولكنه أقوى من المال».
وخير مثال على بطولة العرب في العصر الجاهلي الشاعر الفارس عنترة بن شداد ذلك ان البطولة في شعره، «تعني القوة الجسدية الخارقة التي تحمي قومه من ان يسقطوا في مهاوي الاضمحلال والفناء، كما تعني القوة النفسية والخلقية التي يترفع بها صاحبها عن الصغائر والنقائص».
نماذج البطولة
وأكمل نماذج البطولة في تاريخ الإنسانية كلها أبطال القرآن الكريم، «فهم كلهم أبطال انبثقوا من المجتمع لا ليسندوا النظام القائم، أو يدافعوا عن المصالح القائمة، وإنما جاءوا يريدون محو ما هو موجود من ضلال وفساد وخلق شيء جديد مستند على أساس فكري جديد، خلق مثل عليا جديدة، يريدون ان ينفذوا إلى العقول والقلوب فيغيروا ما بداخلها ويخلقوا نفوسا جديدة في مجتمع جديد..»
وعلى النقيض من بطل القرآن الكريم، «كان البطل في القبيلة وفي عهود الحياة الأولى للأمم يعد شخصا مقدساً، بل لقد كانوا يظنونه أحيانا من سلالة الآلهة.. ومن أجل ذلك عبدوه أحياناً، وخاصة في عهود الإنسانية الأولى، حتى ليطلق على بعض فتراتها فترة عبادة الأبطال.. ويتضح هذا العصر في تاريخ اليونان القديم».
ونخلص مما سبق إلى ان البطل شخص ذو شجاعة نادرة يتمتع بقوى نفسية وخلقية ومثل عليا تجعله محل التقدير والإعجاب وتمنحه الشهرة والتأثير فيمن حوله تأثيراً إيجابيا.
البطل والرواية
هذا هو المفهوم اللغوي للبطل فما هو المفهوم الفني له في الرواية؟
البطل في الرواية هو «ذلك الشخص الذي يلعب دوراً رئيساً وتنطوي نفسه على صفات وقوى يتعاطف معها القراء دون غيره من الشخصيات. وقد يكون صراع الرواية بين هذه الشخصية وشخصية أخرى تتسم بصفات ينفر منها القراء، أو يدور الصراع داخل نفس البطل أو يدور بينه وبين الأقدار..»، ويعتري هذا التعريف بعض النقص، وهذا النقص يكتمل بتعريف الدكتور عبدالفتاح عثمان إذ يقول: «والأحداث في الرواية قد تتركز حول شخصية واحدة، تستقطب نحوها الأحداث وتدور حولها الأفكار والاتجاهات، بحيث تفرض سطوتها ونفوذها على مجرى الأحداث والشخصيات، التي تسخر لخدمتها، وإبراز دورها، وتسليط الأضواء على سلوكها، أي انها تقوم بدور رئيس، وتجمع كل الخيوط في يدها، وتسمى هذه الشخصية بالرئيسة أو البطلة»، واقترن تعريف البطل في الرواية بالدور المهم الذي يؤديه، وظل في كل التعريفات شخصية من الشخصيات المؤثرة، وتلك النتيجة يؤكدها نجيب الكيلاني بتعريفه له حيث يقول: «البطل هو تجسيد لمعان معينة، أو رمز لدور ما من أدوار الحياة وخاصة المهمة منها، وقد يكون هذا البطل أنموذجا يحتذى، أو مثالاً سيئاً يولد النفور والاشمئزاز، وهو في كلا الحالين ذو تأثير ايجابي قبولا أو رفضا، وكلما كانت الشخصية البطل قريبة من الواقع، حافلة بعناصر الاقناع، مكتملة الملامح والسمات، أصبحت أكثر جاذبية وأعمق تأثيراً»، ولربما يكون أدق تعريفاً فنياً للبطل هو «انه يشغل «مساحة» واسعة في بنية النص، ويقوم بأداء دور كبير في تحريك الحدث الروائي وتنمية الحبكة، وتشكيل الصراع».
وبمراجعة المفهوم اللغوي للبطل والمفهوم الفني نجد اختلافا كبيرا بين المفهومين، فقد اختفت صفة الشجاعة النادرة التي كانت مهيمنة في المفهوم اللغوي وحل محلها الدور المهم للبطل في المفهوم الفني.
وإذا كان للبطل كل هذه الأهمية في الرواية فيحق لنا ان نتساءل:
كيف تم دخول هذا اللقب إلى الرواية؟ ومتى كان ذلك؟ وهل البطل هو الشخصية الرئيسة؟
يجيب عن هذه التساؤلات الباحث حسن الحازمي بقوله: «في الحقيقة ان اطلاق صفة البطل على الشخصية الرئيسية في الرواية له جذور تاريخية مرتبطة أشد الارتباط بالمفهوم المعجمي «اللغوي» للبطولة والبطل، ففي قصص الفروسية والرعاة التي كانت البذرة الأولى للفن الروائي الذي ظهر في أوروبا منذ القرن السابع عشر الميلادي كان الشخص الذي يقوم بالدور الرئيس في هذه القصص فارسا شجاعا ومثاليا في اخلاقه ونبله وتعامله وتضحيته وفدائه، أي انه أنموذج الفارس الذي يتسامى في شجاعته وحبه، وهذه الصفات كانت تؤهله لأن يكون بطلاً، وهو ما كان يطلق عليه بالفعل، وبما ان هذا البطل هو الذي يقوم بالدور الرئيس في القصة فقد ارتبط المعنيان، وصارت لهما نفس الدلالة، فإذا ما قيل بطل القصة تبادر إلى الذهن الفارس الشجاع الذي لابد ان يكون الشخصية الرئيسة التي تلفت الأنظار وتشد القراء لمتابعة بسالتها وقتالها وانتصاراتها».
ولكن هل احتفظ البطل في العمل الروائي بصفاته وخصائصه منذ ذلك الحين حتى الآن؟
البطل في الرواية في حالة فقد واكتساب دائمين، انه لا يعرف الثبات ولا الاستقرار في الخصائص والصفات فمع ظهور كل مذهب أدبي او ازدهاره يتسم البطل بسمات هذا المذهب أو ذاك إلى ان ماتت البطولة بمفهومها التقليدي وولدت بطولة الإنسان الطبيعي وظهر ما يعرف بالبطل المزيف، فما بطولة الإنسان الطبيعي وما البطل المزيف؟
يحدثنا الدكتور سهيل إدريس عن بطولة الإنسان الطبيعي فيقول: «هي بطولة الإنسان الذي يعيش الحياة الطبيعية بكل أبعادها، وكم هو مدعو إلى ان يواجه مواقف تبرز عندها بطولته الحقيقية التي حسبها انها تخلق له الصراع النفسي الداخلي، ان بطلنا الآن، هو الذي يضطلع بمهمته ويتحمل مسؤوليته في الحياة، مستبعدا كل مثالية فارغة، نافيا كل تجريد ميتافيزيقي، مواجها وضعه بكل معطياته، شاعراً بثقله على الأرض مؤمنا في الوقت نفسه بأن عليه ان يصارع ويناضل حتى لا يرديه هذا الثقل في الحطة والضعة.. فليس هناك بطل منعزل عن وضعه، عن مجتمعه، عن شعبه، ولن يستطيع هذا البطل ان يكسب حبنا وإعجابنا إلا اذا كان معدنه من معدننا، وتعرض لمثل ما نتعرض له من ضعف واقترف مثل ما نفترقه من اخطاء وآثام، ورزح تحت ثقل أفعاله. ولسوف نحبه أشد الحب إذا رأيناه بعد ذلك يحاول ان ينهض، لأننا ندرك بذلك انه يمثلنا حقا ويجسدنا صدقا،.. وهو كائن يبحث عن ذاته الحقيقية عبر تجارب كثيرة، يبدو فيها تائها قلقاً غير مستقر، يسافر طويلا في الماضي ويشطح إلى المستقبل، ويأثم ويخون ويتعثر، ويحب الحب العاطفي والحب الشهواني، ويخيب فيهما كليهما، ولكنه يبدأ من جديد، ويحاول مرة أخرى.. وإذا آمن مرة بالقيم، كفر بها مرات، وإذا داعبته الأماني والأوهام، فلا تلبث الخيبات ان تدمي قلبه، فيكتشف في اعماق نفسه يأسا وأسى، ويستبد به قلق عميق يتخذه سبيلا للإجابة على أسئلة كثيرة تطرحها عليه الحياة التي عاشها..».
أما البطل المزيف فهو «الشخصية الرئيسة لقصة تمثل بطلا مجردا من صفات البطولة، ويتميز عادة بدناءة النفس والجُبن وعدم تقيده بالمثل العليا، عن وعي أو غير وعي، وهذه الشخصية اصبحت شائعة في الأدب القصصي بفرنسا وانجلترا بعد الحرب العالمية الثانية. وهذه الشخصية يُراد بها ان تكون رمزا لأساليب النجاح في العالم الحديث».
وأما تعدد تعريفات البطل وصوره لابد من ان نختار تصورا واحدا نرتاح له ونطمئن إليه ويغنينا عما عداه من التصورات، وهذا التصور واقعي وإسلامي خالص، وقد وضعه نجيب الكيلاني حيث يقول: «فالبطل إسلاميا هو «القدوة» أو النموذج أو المثال الحي، الذي تتجسد فيه القيم الإسلامية، هذه ناحية مهمة، لكنها لا تغلق الباب أمام «نماذج» الضعف البشري، أو البطولة الناقصة التي تحتاج إلى تجربة ومعاناة، وهي في طريقها إلى النمو والاكتمال».
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved