الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 6th October,2003 العدد : 31

الأثنين 10 ,شعبان 1424

قصة قصيرة
هيفاء الربيع
الملهمة
كتب كثيرة لا استطيع اختيار ما يناسب فكري وعمري لقد مضت سنوات طويلة لم ادلف فيها للمكتبة واقتني تلك الكتب الرائعة كان «عبدالرحمن» يحثني على القراءة بل يمهد لي الطريق، يعمل الاوراق ومجموعة من الاقلام الملموسة، واجمل اهداء تلقيته منه هو صندوق قد نقش عليه حروف اسمي واسمه ليملأ فراغه بكتب متنوعة قيمة.
الان اشعر بانكسار قلمي، تراجع الذاكرة الى الوراء بعدما عصفت بها قوافل العمر الذي يتقدم الى الامام ويجعلني اصارع ما سقط مني في الخلف هل باستطاعتي التقهقر الى الوراء وجذب تلك الكلمات التي كتبت!!
ولكن مضى عليها ما يقرب من عشرين سنة اخرج من المكتبة وبيدي حصيلة لا بأس بها من الكتب شيء جميل ان أجد ما يسد فجوات الفراغ الذي يكاد يلتهم كل لحظات السعادة المرتقبة.
أصل الى منزلي منهكة القوى ، فارغة الذاكرة، مبعثرة الحروف، أضع الكتب على الطاولة، أتذكر موعد ابنتي «هناء» لابد من الدخول إلى المطبخ، ولكن لايزال في الوقت متسع.
اقترب من تلك الغرفة المقفلة، اضع المفتاح في ثقبها الصامت، احرك القفل، تنهال امامي كل الذكريات بل اشعر بعاصفة تستقبلني في تلك الغرفة المهجورة، عيناي تتفحصان المكتبة، الكتب تملأ الارفف بل تجتمع في طبقات مرتفعة تبقى كالجدران الخرساء الجامدة، يا إلهي اشعر بطبقات الاتربة، استمع لصرخة استغاثة من كتب قد طبعت عليها اناملي ولأول مرة اهداء من «عبدالرحمن» يمطرني بأسف شديد لماذا اهمل هذه الكتب؟!
صوت صديقتي وهي تلمزني بسؤالها الغامض هل بإمكانك الرجوع للعلم بعد هذا العمر!!
ابنتك الان متزوجة بل الادهى انك اصبحت جدة!!
ابني «مهند» يحاصرني بنظارته كلما تأبطت مسودة الرواية التي شاخت وهرمت مفرداتها هل العيب انني اكتب؟
ام العيب انني اكتب في هذه السن؟
ولكن الكتابة ارض فسيحة ليس لها مكان او زمان حينئذ افتح النافذة.. هواء المدينة مشبع بالرطوبة يتسلل منه بعض النسيمات..
هناك استغاثة تحث اناملي وذاكرتي الموصدة لقد كنت هنا منذ سنوات «باحثة، شاعرة كاتبة» و «عبدالرحمن» ينتظر الرواية القادمة، آه صدى العجلات، صريرها المفجع،
رأسه المسجى تحت الزجاج، صورة مدمرة، قاتلة، مرعبة لقلبي المحب.
مات «عبدالرحمن» مات الظل الذي اتفيأه في حر الصيف والضوء الدافئ الذي يتسلل من خلف غيوم الشتاء، هنا كنت اكتب حتى الثمالة، يربت على كتفي بلطف ثم تنهال الكلمات كشلال لا يتوقف.
اقترب للمكتب اجد اوراقاً طبعت عليها تواريخ قديمة، اضع كل ما يندرج تحت الماضي على الارض احمل اوراقي الجديدة، اكمل فصول الرواية، تصعب عليَّ المفردات، يسترخي القلم على الاوراق مع جرس يصدر رنينه في قلب المنزل.
اخرج من صومعتي افتح الباب يقابلني وجه «هناء» المبتسم لتعيد لي ذكريات السعادة مع والدها، ابنتها غدير تشع في المنزل كانبلاج ضوء القمر، احملها اتأمل براءتها التي تتعمق بداخلي، عينيها اللامعتين اناملها الطرية، تنهض ذاكرتي من جديد تلك التي تحتفظ برصيد هائل من التجارب التي مضت ولاتزال احمل غديراً الى غرفة المكتب اضعها على الارض بجوار اوراق الماضي، ينتفض القلم بين اصابعي تستيقظ التجارب وهي تصارع الالم والامل، صورة صديقتي وهي تلمزني بكلماتها، وجه «مهند» الغاضب، ابتسامة غدير، اشراقة السعادة في وجه «هناء» يسترخي كل شيء تنام الاحزان، تنهض على رأسها روح الكتابة اصارع الوقت اتحدى الظروف، اعتز بصوت المرأة بداخلي لينطلق يعانق السحب، يقفز الحواجز، يمطرني بفيض الانوثة وشموخ الارادة، اول حرف يتدفق، ابتسم اشعر بمولد ابنة جديدة صرختها تتردد في الزوايا الخرساء معلنة ساعة الولادة، من هنا يبدأ سير الاحداث، وتبدأ معه حياة جديدة.
اقدامي ترتجف، قامة صغيرة تقترب الى سطح المكتب اترك القلم اجد ان غديراً قد اعلنت الوقفة الاولى امام التحدي والصمود، اصرخ بفرحة غامرة هناء ابنتك قد وقفت، اترك المكتب وهناك طفلة جديدة لاتزال تنتظر الحب، الدفء، الرعاية واوراق قديمة ممزقة قد عبثت بها ملهمة الحرف والقلم..
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved